الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : جواز قبول الذمام مع رعاية المصلحة

بعد ما ثبت أن وقت الذمام إنّما هو قبل الحرب أو حينها، ولا مجال له بعد غلبة الحق على الباطل قال المصنف: (و لو أشرف جيش الإسلام على الظهور فاستذم الخصم جاز مع نظر المصلحة و لو استذموا بعد حصولهم في الأسر‌، فأذم لم يصح)[1] أما إذا أستذم العدو في شرف الانتصار يجوز القبول مع رعاية المصلحة في ذالك، او عدم وجود المفسدة في القبول وهو الاولى لأن اطلاقات جواز الذمام منصرفة عن مورد المفسدة ولكن اشتراط وجود المصلحة لا دليل عليه .

ولكن لا أرى لذكر هذه المسألة وجه لانه في جميع حالات الحرب لا يجب قبول الذمام وانما على الامام رعاية المصلحة أو عدم وجود المفسدة فلا مايز بين شرف الظهور وعدمه في صحة الذمام، و رعاية المصلحة أو عدم وجود المفسدة لازم في كل ذمام، فما دام الحرب قائمة فهي ظرف الذمام مع توفر شروطه ومنها عدم ترتب المفسدة منه.

اما بعد إنتهاء الحرب فلا مجال للذمام قال المصنف (و أما لو استذموا بعد حصولهم في الأسر فأذم لم يصح) لانتهاء الموضوع بانتهاء وقته.

وهنا قد يطرح سؤال نفسه بأنه لو لم يصح الأمان بعد الأسر فما تقولون في أمان زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لزوجها أبي العاص بعد الأسر؟ فأجاب عن ذلك صاحب الجواهر بقوله: (و أمان زينب زوجها أبا العاص بن الربيع بعد الأسر إنما صح لإجازة النبي صلى اللّٰه عليه و آله إياه، ضرورة أن له الأمان بعد الأسر، كما أن له إطلاقه، و بذلك يخالف الإمام عليه السلام غيره و لزعم عمر أنه قائم مقام النبي صلى اللّٰه عليه و آله في ذلك أمن الهرمزان بعد الأسر) [2] ولعل الأصح أن نقول ما صدر عن رسول الله هو لم يكن قبول الاستجارة والاستذمام بل كان منه العفو والتحرير بمصداق قول الله تعالى: ﴿ فشدوا الوثاق فاما مناً بعد واما فداء حتى تضع الحرب اوزارها [3] و زينب سألت أبيها ذالك فوافق معها. فلا حاجة لاستثناء رسول الله او الإمام في هذا الحكم.

ثم تطرق المصنف إلى بعض فروع للدعاوي حول الأمان فقال: (و لو أقر المسلم أنه أذم لمشرك فإن كان في وقت يصح منه إنشاء الأمان قبل)‌

قال في الجواهر تعليقاً على كلام المحقق: (إجماعا كما في المنتهى، لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به، و إلا فلا بأن كان إقراره بعد الأسر لم يصح، لأنه لا يملكه حينئذ حتى يملك الإقرار به، بل هو في الحقيقة إقرار في حق الغير) ففي هذه العبارة اُستُدلّ لقبول اقرار المسلم لدعوى الأمان إذا صدر الاقرار في ظرف يجوز فيه التأمين بأمرين:

أحدها : الاجماع وكانه قد تحصل له الاجماع وأيد كلامه بما في المنتهى

ثانيهما : التمسك بقاعدة -من ملك شيئا ملك الاقرار به- وهو أقر على نفسه لغيره واقرار العقلاء على انفسهم جايز ولكن بعد الاسر لا يقبل منه الاقرار لما ليس له حق الذمام فهو يعتبر ادعاء لا مثبت له شرعاً. مثله مثل من باع شيئاً ثم اقر بإهدائه لشخص آخر فان هذا الاقرار لا يبطل البيع نعم انما يلزم المقر بالغرامة للموهوب له اذا كانت الهبة مما لا رجوع فيها كالهبة إلى ذوي الارحام أو الهبة المعوضة فالاقرار بالنسبة إلى آثار المتعلق بالغير غير مسموع وبالنسبة إلى ما يتعلق بنفسه مسموع. نعم اذا قامت البينة على التأمين في اثناء الحرب تؤخذ بها لأنها بمنزلة العلم تعبداً.

ثم هناك مسألة أخرى وهي: أنه إن أقرّ جمع من الناس على أنهم ذمّوا مشركاً بالمشاركة و فيهم عدول فهل يقبل اقرارهم؟ قيل نعم لأن اقرارهم بمنزلة البينة لما فيهم العدلين فما زاد. وقيل لا يقبل لأن اقرار الجمع، على شيئ لا يملكونه يعتبر ادعاءً من الجمع فادعاء العدلين في شيئ لا يؤخذ به مثلا إن ادعى عدلين على انهما يملكان شيئاً فلا تثبت لهما الملكية الا اذا شهد عدلان آخران لهما حتى في باب القضاء ورد عدم قبول شهادة الطبقة الاولى في النسب لمنسوبهم، فان الشهادة هي: الإخبار عن تحقق أمر في الخارج اعم مما يتعلق بحق الغير او صدر من الغير او متحقق في الخارج، أمّا الاخبار عن ما فعلوه او الاخبار عن حقهم في شيئٍ فهو مصنف في باب الادعاء.

و الجواهر عند ما أراد أن يستدل على عدم قبول اقرار الجماعة بالذمام قال: (ضرورة أن تعدد المقر لا يقتضي كونه من الشهادة التي موضوعها الإخبار الجازم بحق للغير لا ما يشمل فعل أنفسهم) فجعل موضوع الشهادة: -الإخبار الجازم بحق للغير- بينما لا وجه لحصر موضوع الشهادة في ذالك فيجوز الشهادة بالزنا وشرب الخمر وكذالك نجاسة شيئ او طهارته، او الاخبار عن الهلال وغير ذالك، فيشمل ما هو للغير وما هو على الغير وما هو ليس له ولا عليه بل انه واقع متحقق في الخارج.

ثم طرح المحقق فرعاً آخر يتعلق بالدعاوي وهو: (و لو ادعى الحربي على المسلم الأمان فأنكر المسلم فالقول قوله). والوجه في ذالك ان هذا ادعاء لا مثبت له، نعم اذا أقام الحربي البيّنة على ادعائه يثبت الأمان.

ثم عند عدم وجود البينة هل على المسلم المنكر للأمان، أن يحلف لرد إدّعاء الحربي او لا؟

قيل لا، لأن الحلف يجب لرد حق يترتب على الحالف المنكر، و فيما نحن فيه لايترتب على المسلم حق حتى يسعى في ردّه، بل إن ثبت الأمان يسقط عن الحربي حق القتل والأسر. ولضيق الوقت نتابع البحث في اليوم القادم انشاء الله.


[1] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج1، ص239، ط استقلال.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج21، ص100.
[3] محمد/السورة47، الآية4.