الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : صيغة الذمام

إنّ المصنف لما فرغ عما يتعلق بعقد الذمام تناول بيان الصيغة التي يتم بها عقد الذمام فقال: (و أما العبارة‌ فهو أن يقول آمنتك أو أجرتك أو أنت في ذمة الإسلام و كذا كل لفظ دال على هذا المعنى صريحاً و كذا كل كناية علم بها ذلك من قصد العاقد، و لو قال لا بأس عليك أو لا تخف، لم يكن ذماماً ما لم ينضم إليه ما يدل على الأمان)[1] .

بالنسبة إلى صيغة الأمان فقد جاء لفظة الاجارة في القرآن حيث قال: ﴿وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ[2] فصيغة آجرتك مأخوذة من هذه الآية، وأما آمنتك فيستفاد مما ورد من الكليني: بسنده عن حفص بن غياث وهي رواية مفصلة يشرح فيها الإمام عليه السلام أستنان علي عليه السلام بسنّة رسول الله، من جملتها: " وَ كَانَتِ السِّيرَةُ فِيهِمْ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي أَهْلِ مَكَّةَ، يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِ لَهُمْ ذُرِّيَّةً- وَ قَالَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَ مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ الحديث"[3] فصيغة آمنتك تستفاد من هذا الحديث.

ولكن يمكن الاستدلال بالآية وكل نص يدل على لزوم الوفاء بالأمان والذمام بان الألفاظ في كلام المتكلم تأتي لتدل على المعنى ولا خصوصية للفظ بعينه، حتى ترجمتها بسائر اللغات تقع في مكانها، وهذا هو المتفاهم عند عرف المحاورات، مضافاً إلى ما ورد من التصريح في بعض النصوص.

منها: ما عن دعائم الاسلام قال: "وَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ص أَنَّهُ قَالَ: الْأَمَانُ جَائِزٌ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ‌"[4] نعم هذا الكتاب كتاب فقهي روائي لم يأت لما ذكر من الروايات سندٌ ولكن مفادها منطبق على ما نجده عند عرف العقلاء، كما أشرنا اليه آنفاً. ولذا نتعدى عن لفظ الذمام والأمان بكل لفظ افاد معنى الأمان كما قال المصنف. بل أكثر من ذالك: إلى كل كناية كانت ظاهرة في معنى الذمام من العاقد. كما ورد في الحديث: " وَ عَنْ عَلِيٍّ ص أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَوْمَى أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَشَارَ بِالْأَمَانِ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَنَزَلَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ فِي أَمَانٍ‌"[5] (المصدر).

ثم إن المصنف قال: (و لو قال لا بأس عليك أو لا تخف، لم يكن ذماماً) فهو نفى تحقق الذمام بذالك وشرط لحصول الذمام بهذه الالفاظ انضمام ما يدل على الأمان وقال: (ما لم ينضم إليه ما يدل على الأمان). ولكن الظاهر في مخاطبة المسلم للكافر المحارب بهذه الالفاظ هو الأمان الا اذا كان قرينة صارفة. لأن نفي البأس على المحارب وعدم الخوف لا يحصل الا اذا كان في أمان من القتل والأسر.

وقد شرط العلامة في القواعد لتحقق الامان قبول العدو لذالك وهذا هو مقتضى كون الذمام عقداً فقال: (ولا بد من قبول الحربي إما نطقا أو إشارة أو سكوتا، أما لو رد لم ينعقد) وهذا الكلام متين.

ثم ذكر العلامة مسألة أخرى فقال: (و لو قال الوالي: «آمنت مَن قصَد التجارة» صحّ، و لو قال غيره لم ينعقد، فان توهَّمه الحربي أماناً، رُدّ إلى مأمنه و لا يغتال).[6]

والظاهر أنه لا وجه للتفصيل بين الوالي وغيره، الا أن نقول ان المراد تأمين صنف التجار فهذا لا يتمشى عن غير الوالي والامير ولكن تأمين فرد من التجار او افراد معينة فهو يندرج تحت تأمين الافراد الذي مر بنا صحة عقد الأمان من الافراد ايضاً.

ثم تناول المصنف البحث عن وقت الأمان فقال: (و أما وقته ‌فقبل الأسر)، قال في الجواهر تعليقا عليه: (بلا خلاف أجده فيه، فلا يجوز لآحاد الناس بعده، بل في المنتهى نسبة ذلك إلى علمائنا و الشافعي و أكثر أهل العلم، للأصل بعد ظهور الأدلة في غير الحال المزبور حتى من الذي أسره، فما عن الأوزاعي من صحة عقده بعد الأسر واضح الفساد)[7] .

وخلاصة الكلام ان أدلة الذمام ظاهرة لانعقاده قبل الحرب او حينه اما بعد الاسر فنشك في تحقق الذمام و الاصل عدمه، اي نشك في تشريع قبول الذمام فنستصحب عدمه الازلي، هذا وهناك وجه آخر وهو الرجوع الى ادلة أحكام الأسير بعد عدم شمول ادلة الذمام له وهو الأنسب لانه فعلا موضوع لأدلة أحكام الاسير، و هي ترفع الشك في الحكم فلا مجال للتوسل إلى الاصل لأنه دليل حيث لا دليل.


[1] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج1، ص238، ط استقلال.
[2] التوبة/السورة9، الآية6.
[3] وسائل الشيعة ج15، ص27، ابواب جهاد العدو، باب5، ح2، ط آل البيت.
[4] دعائم الاسلام، قاضی نعمان مغربی، ج1، ص378.
[5] مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، ج11، ص46.
[6] قواعد الاحكام، العلامة الحلي، ج1، ص502.
[7] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج21، ص100.