الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اشتراط جواز المبارزة

كان بحثنا حول قول المحقق : (و – يكره - المبارزة بغير إذن الإمام و قيل يحرم)[1] . اي حول اشتراط جواز المبارزة بإذن الامام وعدمه واستنتجنا أن المقاتلين ان احرزوا رضا الامام بالحرب فالمبادرة إلى المبارزة امر مرغوب اليه والا لا يجوز ذالك، لأن الامام قد يريد ان لا يكون مبادرا للحرب، لعل العدو يجنح للسلم او المهادنة ولكن عند بدو القتال واذن الامام للتصدي فالتسابق إلى الجهاد هو المطلوب قال المحقق رضوان الله عليه: ( و يستحب المبارزة إذا ندب إليها الإمام عليه السلام و تجب إذا ألزم بها). و دليل هذا القول معه بعد ما نعرف ان طاعة الامام واجبة.

ثم المحقق هنا تطرق إلى دراسة بعض ما كان في الغزوات من التوافق على نمط معين للحرب فعند ذالك اعتبر ذالك من العهد والعمل على خلافه نقض للعهد فذكر هنا فرعين:

الأول : المشرك إذا طلب المبارزة و لم يشترط جاز معونة قرنه، ‌فإن شرط أن لا يقاتله غيره وجب الوفاء له، ف‌إن فرّ فطلبه الحربي جاز دفعه، و لو لم يطلبه لم يجز محاربته، و قيل يجوز ما لم يشترط الأمان حتى يعود إلى فئته. إن المحقق في هذا الفرع ذكر خمسة حالات مع حكمها الشرعي:

الحالة الاولى : هو ما اذا كان المشرك هو الذي طلب المبارزة فخرج اليه أحد من المسلمين وهو لم يشترط على المسلم أن لا يستمد بغيره، فعند ذالك يجوز للمسلمين أن يعينوا أخاهم على عدوه. والوجه في ذالك إطلاق أدلّة التي دعت إلى قتال المشركين من دون ورود قيدٍ او استثناء لها. نعم إن كان هناك عرف يصرف الكلام على الاشتراط، فيجب الوفاء بالشرط المستفاد من الفحوى. ونظير هذه المسألة نجده في كلام العلامة وانه قال: (إذا خرج المشرك و طلب البراز، جاز لكلّ أحد رميه و قتله؛ لأنّه مشرك لا أمان له و لا عهد، إلّا أن تكون العادة بينهم جارية أنّ من خرج يطلب المبارزة لا يعرض له، فيجري ذلك مجرى الشرط).[2]

الحالة الثانية : هي ما إذا شرط المشرك المبارز على قرنه المسلم أن لا يستعين بغيره، فعند ذالك لا يجوز لسائر المسلمين أن يساعدوا أخاهم في قتال قرنه المشرك، والوجه في ذالك لزوم الوفاء بالشرط. ففي الحقيقة عند ما طلب المبارزة من قرنه واشترط عليه عدم معاونة غيره له، فهو في الحقيقة طلب منهم الأمان من غير قرنه، وقتال الغير له نقض للأمان وترك للوفاء بالشرط.

الحالة الثالثة : أن المسلم الذي برز على مشرك الذي طلب المبارزة وشرط ان لا يشارك المسلم مسلم آخر، فانهزم المسلم وترك القتال وهرب، وتابعه المشرك ليقتله يجوز للمسلمين أن يدافعوا عن أخيهم. والوجه في ذالك أنه ما دام المسلم في قتال المشرك فهما في عقدهما، ولما انهزم المسلم فانتهى قرار المقاتلة. فبقي هذا مسلمٌ يتابعه مشركٌ ليقتله، فيجب على الجميع أن يدافعوا عن أخيهم المسلم.

الحالة الرابعة : نفس الحالة الثالثة، الّا أن المشرك لمّا هرب منه المسلم تركه ولم يتابعه فلا يجوز للمسلمين أن يبرزوا لمحاربته مطلقاً، سواء شرط عليه الأمان عن الآخرين حتى يعود إلى فئته اولا؟ والوجه في ذالك أنّ مقاتلة المسلمين له في هذه المعركة نقض لقرار عدم مساعدة غير القرن من المسلمين على هذا المشرك.

الحالة الخامسة : نفس الحالة الرابعة و القول بالتفصيل فيها بين ما اذا شرط عليه الأمان حتى يعود إلى فئته فعند ذالك لا يجوز قتاله، والوجه في عدم جواز قتاله، أن قتاله نقض للشرط لأن المفروض انه لم يرجع بعد إلى فئته. وما اذا لم يشترط شيئاً فيجوز قتاله. لانه بمجرد هروب المسلم ينتهي دور المقاتلة، والمفروض ليس ورائه شرط آخر ليجب الالتزام به. فأدلة الداعية إلى قتال المشركين تشمل هذا المشرك أيضاً.

ولكن يرد عليه بأن قتاله يعتبر مساعدة للمسلم في قتال قرنه و قد شرط عليه عدمها، واما القول بأنه بمجرد هروب المسلم ينتهي دور المقاتلة فهو غير مقبول اذا قام مقاتل آخر في وجه المشرك لقتاله لأن القتال يستمر بالآخر الذي ينوب عن المسلم الفار وهو بذلك ساعد المسلم الفار على عدوه وذلك بغي و خيانة في العهد مع هذا العدو . فالقول الرابع بعدم جواز القتال مطلقا حتى يعود المشرك إلى فئته هو الأقرب.

نعم ان لابن جنيد كلام في اصل الاشتراط فقال: ( أنه أن تشارطوا أن لا يعين أحدٌ على أحدٍ كان هذا الشرط باطلاً، لأن اللّٰه تعالى ألزم المؤمنين بالدفع عن المؤمنين ممن يريد البغي عليهم، و ‌قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله: "المؤمنون يد على من سواهم" ولكن لا يمكن الالتزام بهذا الكلام حيث ورد وجوب الوفاء بالعهد في خصوص الحرب وانّ أمان أدنى المسلمين أمانٌ يجب الوفاء به، وأنّ الغدر في الحرب من المحرمات، كما مر بنا البحث عنه.[3]

نعم لابد من القول بحرمة أمان للكفار بما يجعل المسلمين في حرجٍ وخطرٍ ويأتي البحث في الامان بشكل مبسوط إن شاء الله.

قال المحقق في الفرع (الثاني: لو شرط أن لا يقابله غير قرنه فاستنجد أصحابه فقد نقض أمانه، و إن تبرعوا فمنعهم فهو في عهدة شرطه، و إن لم يمنعهم جاز قتاله معهم)[4]

هنا ذكر المحقق حالتين: أحدهما أن الكافر الطالب للمبارزة إن شرط أن لا يقاتله غير قرنه من المسلمين ثم استنجد بغيره فقد نقض العهد، فيجوز للمسلم ان يستنجد بغيره ايضاً.

الحالة الثانية نفس الفرض الا أن المبارز لم يستنجد من أحد ولكن المشركون هم ساعدوا أخاهم المشرك تبرعاً، فعند ذالك إمّا أن يمنعهم من القتال فهو باقي على عهده ويجب على المسلم ايضاً الوفاء بالعهد، وإما لا يمنعهم فحصل النقض بسكوته فيجوز للمسلمين مقاتلته. وهناك حالة ثالثة لم يتعرض لها المصنف و أهمله وهي اذا تبرع الأعداء بدعم أخيهم المشرك وهو منعهم ولكنهم لم يمتنعوا فما هو الحكم؟ ظاهر كلام المصنف في بيان الحلة الثانية كذلك بقاء المشرك على عهدة شرطه لأطلاق كلامه في صورة المنع، ولكن الاقرب عند ذالك حصول نقض العهد بفعل المتبرعين لأن المسلم عهد مع قرنه الكافر أن يتصدى له بمفرده عند ما كان المقابل بمفرده والآن تغير الموضوع فيتغير الحكم بتغير الموضوع ويجوز له ان يستنجد بسائر المسلمين لردع العدو المتبرع والدفاع عن أخاهم المعتدى عليه.


[1] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج1، ص237، ط استقلال.
[2] منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج14، ص113.
[3] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج21، ص90.
[4] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج21، ص91.