الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : محاربة العدو بالحصار

كان بحثنا في ما قال المحقق: (و يجوز محاربة العدو بالحصار و منع السابلة دخولاً وخروجاً و بالمجانيق و هدم الحصون و البيوت و كل ما يرجى به الفتح.) (شرائع الإسلام ج‌1 ص283‌) و قد أضافوا على المذكورات (التفنك و القنابر و الأطواب و البارود و رمي الحيات القاتلة و العقارب و غيرها من الحيوانات و قطع الأشجار و القذف بالنار و إرسال الماء لينصرفوا به و منعه عليهم ليموتوا عطشا) راجع الجواهرج21 ص64) وقد ناقشنا استنادهم إلى الاصل وكذا استنادهم إلى اطلاق ادلة الجهاد وكان بحثنا في استنادهم إلى بعض الآيات التي ظاهرة في جواز استعمال بعض المذكورات في الجهاد، منها قوله تعالى: "ما قَطَعْتُمْ مِنْ لينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى‌ أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقينَ" (الحشر5)، وجه الاستدلال كما ذكرنا ان اللينة كناية عن النخيل فقطعها كان بإذن الله، فقطع اشجار الكفار أمر جائز في الحرب.

ويرد عليه: بان المدعى اثبات جواز قطع الأشجار في الحرب مطلقاً سواء كان ذالك لضرورة او لا؟، بينما أن هذه الآية نزلت في البني النظير الذين تحصّنوا بحصونهم ولم يكن بُدٌّ الا مقارعة حصونهم وقطع بعض أشجارهم كي يستسلموا للمسلمين وهي قضية خارجية لا إطلاق لها نأخذ به والآيات التي تليها أوضح شاهد على ما نقول واليك نصها: " هُوَ الَّذي أَخْرَجَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ في‌ قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْديهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ . وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ . ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ (الحشر2-4). نعم عند ما انحصرت النصرة على الأعداء ودفع شرهم ببعض الامور المذكورة فلا بأس به لإختيار أخفّ المحظورين. ففي المثال قطع الأشجار كان فيه حفظاً لدماء المسلمين و مانعاً عن فتنة الأعداء وشرّهم. ولكن في صورة الإختيار لا وجه لإختيار تلك الاساليب في جهاد الكفار، فاستغراب صاحب الجواهر من كلام الشهيدين حيث يقول: (فما عساه يظهر من الشهيد في الدروس من حرمة قتلهم بمنع الماء مع الإختيار في غير محله، و كذا ما في الروضة من اعتبار توقف الفتح في جواز هدم الحصون و المنجنيق و قطع الشجر). في غير محله.

ومما استدلوا به من الآيات قوله تعالى: "«وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ»(الانفال62) باطلاق الاستعداد لإرهاب الاعداء فيشمل كل وسيلة موصلة إلى خوفهم والانتصار عليهم.

ولكننا نقول: إن هذه الآية انما يأمر بإعداد القوّة لإرهاب الأعداء" وهو محمول على ما لا اشكال له في نفسه، ولا إطلاق لها من ناحية نوعية الإعداد كما ان الأمر بالانفاق إلى الزوجة او القصر من الأولاد و إطعامهم، لا يشمل المال المغصوب او الطعام المتنجس و غير ذالك مما هو محظور شرعاً فانّ الإطعام محمول على ما هو محللٌ منه، كذالك الإعداد للعدو لا يشمل المال المغصوب او شيئ فيه محظور بل هي ساكتة من هذه الناحية. واطلاق ادلة المحرمات يشمل موارد الحرب الا عند الإضطرار من باب الضرورات تبح المحذورات واختيار أخف المحظورات عند الاضطرار اليها.

ومما استدلوابه قوله تعالى : "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ"الآية (توبة5) مستنداً إلى شمولية المراصد لكل انواع الايذاء والإضرار وما ينتهي الى القتل.

ويتضح الجواب عن هذا الإطلاق بما بينّاه في الآية السابقة بمعنى ان الأمر اذا توجه إلى عنوان فيجب اختيار المصاديق التي لا يتصادق مع حرام آخر، ولا إطلاق له يشمل المحظورات. الا اذا انحصر الأمر فيها فيجوز من باب أخفّ المحظورين.

و مما يستدل به على جواز استعمال أي وسيلة لقتل الكفار هو أنهم شر الدواب لقول الله تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (الأنفال55) و أشدها أذية، فكما يجوز قتل الدواب المؤذية باي وسيلة كذالك يجوزقتل الكفار باي وسيلة حصل.

ويرد عليه اوّلاً: في المشبّه به وهو سائر الحيوانات المؤذية فلا يجوز ايذائها وتعذيبها وانما الجائز هو إعدامها،

وثانياً: أن بعض الموارد المذكورة ليست حرمتها من ناحية رعاية العدو، بل في نفسها حرمة لاستلزمها الإسراف والتبذير و الفساد في الأرض و إهلاك للحرث والنسل . فما اشتمل منها على قتل القُصّر والعُزّل، إتلاف الأموال و إهدارها، فلا يجوز الا عند الضرورة وعند توقف الإنتصار عليها.

واما ما ذكره صاحب الجواهر عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله: (أنه نصب على أهل الطائف منجنيقا و كان فيهم نساء و صبيان و خرب حصون بني النظير و خيبر و هدم دورهم، بل في الدروس و الروضة أنه صلى اللّٰه عليه و آله حرّق بني النظير)، فلم يثبت ثبوتا شرعياً نستند اليه في الحكم الشرعي بل هي ما لم يرد إلا بأسانيد ضعيفة وجُلّها في كتب العامّة، مضافاً إلى انّها قضايا خارجية لا نعلم وجهها حتى نعمّم إلى كل موارد القتال.

واما ما رواه الكليني عَنْ علي ابن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْحَرْبِ- هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ- أَوْ تُرْمَى بِالْمَنْجَنِيقِ حَتَّى يُقْتَلُوا وَ مِنْهُمُ النِّسَاءُ- وَ الصِّبْيَانُ وَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَ الْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ- وَ التُّجَّارِ فَقَالَ يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ وَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُمْ لِهَؤُلَاءِ- وَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَ لَا كَفَّارَةَ الْحَدِيثَ.(الوسائل ج15باب16من جهاد العدوح2).

اما في سنده قاسم بن محمد وهو مشترك الاصفهاني القمي المشهور بكاسولا الذي قال فيه النجاشي لم يكن بالمرضي له. والجوهري والجعفي وغيرهم ممن لم يرد لهم توثيق. والمنقري هو سليمان بن داوود الاصفهاني قال الغضائري فيه (ضعيف جدا لايلتفت اليه يوضع كثيرا على المهمات) وقال النجاشي فيه: (أبو ايوب الشاذكوني بصري ليس بالمتحقق بنا ...وكان ثقة له كتاب) وحفص بن غياث كان عاميا و قاضيا في البغداد الشرقية و الكوفي و لم يرد له توثيق. فالسند ساقط عن الاعتبار. اما الدلالة فقوله عليه السلام: يفعل بهم ولا يمسك لهؤلاء مشعر بتوقف الحرب على ذالك وهذا أخص من المدعى