الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الفرار من الزحف

بعد ما ثبت انه لا يجوز الفرار من الزحف كان بحثنا في ان حرمة الفرار هل هو محدد بشيئ اولا؟ فالمشهور ذهبوا إلى ان حرمة الفرار مختص بما اذا كان عدد العدو ضعف المسلمين او أقل ولكن فوق الضعف فلا يجب مقاومتهم.

و يستدل لذالك بقول الله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ . الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرينَ[1] [2] . في الآية الاولى يامر بتحريض المؤمنين على القتال، عشرون منهم في التصدي لمأتين ومأة في قبال الف مقاتل من المشركين. ثم في الآية الثانية يخفف إلى الضعف فهو الحكم النهائي لوجوب القتال.

ولكن عند ما ندقق في معنى الآية هكذا يبادر إلى الذهن، أن الآية الاولى تريد أن تبين مدى مفعول صبر المؤمنين بمعنى انّ مقتضى الايمان في مراتبه العالية هو غلبة كل واحد من المؤمنين عشرة من الاعداء، وفي الثانية: تُبيّن واقع المؤمنين عند نزول الآية من ضعف الايمان والمعنويات، فقوله الآن بمعنى فعلاً بما ان الله يعلم ضعف المؤمنين في ايمانهم و صمودهم، لا تتوقع النصرتهم الا على الضعف من العدو ولا ضمان في الاكثر، نعم التخفيف في الآية ظاهر في التخفيف في التكليف متناسبا للاستعداد النفسي في المؤمنين، فيستنتج من كل ذالك ان الواجب انما هو قتال الكفار اذا لم يزيدوا على الضعف.

ثم انّ صاحب الوسائل عقد باب27 من ابواب جهاد العدو تحت عنوان: (بَابُ جَوَازِ فِرَارِ الْمُسْلِمِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَرْبِ وَ تَحْرِيمِهِ مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ عَلَى الضَّعْفِ لَا أَزْيَدَ)[3]

‌ ثم ذكر مارواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ يَقُولُ مَنْ فَرَّ مِنْ رَجُلَيْنِ فِي الْقِتَالِ فِي الزَّحْفِ فَقَدْ فَرَّ- وَ مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يَفِرَّ.[4] وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ.

في سنده الحسن بن صالح وهو الاحول الكوفي وكان زيدياً بترياً بل الكشي قال هو رئيس البترية و القهبائي يذكر من تهذيب انه متروك العمل بما يختص بروايته. فعلى كل حال لا توثيق للحديث هذا من ناحية السند. اما الدلالة: فالظاهر ان اثبات الفرار ونفيه انما يكونان بلحاظ الحكم و لكن حقيقة الفرار متوفرة في كلا الحالتين.

وَكذالك مارواه الكليني عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ- أَنْ يُقَاتِلَ عَشَرَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ- لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ وَجْهَهُ عَنْهُمْ- وَ مَنْ وَلَّاهُمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ فَقَدْ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ- ثُمَّ حَوَّلَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُمْ- فَصَارَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- تَخْفِيفاً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَنَسَخَ الرَّجُلَانِ الْعَشَرَةَ[5] .

في سنده هرون بن مسلم هو سعدان الكاتب السرمن رآئي كان نزلها وأصله الأنبار يكنى أبا القاسم ثقة وجه وكان له مذهب في الجبر والتشبيه كما قال النجاشي. واما مسعدة بن صدقة فهو ايضا كان بترياً عامياً ولن يرد له توثيق فالنتيجة تابعة لأخس المقدمات فالسند ساقط عن الحجية. اما الدلالة فهي ظاهرة بان الامر كان متشددا فخفف الله على المسلمين إلى الضعف.

هناك رواية ثالثة وهي ما رواه عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُوسَوِيُّ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ الْمُحْكَمِ وَ الْمُتَشَابِهِ نَقْلًا مِنْ تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْآتِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ ع عَنْ عَلِيٍّ ع فِي بَيَانِ النَّاسِخِ وَ الْمَنْسُوخِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ- لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّداً ص أَمَرَهُ فِي بَدْوِ أَمْرِهِ أَنْ يَدْعُوَ بِالدَّعْوَةِ فَقَطْ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: "وَ لٰا تُطِعِ الْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ وَ دَعْ أَذٰاهُمْ" فَلَمَّا أَرَادُوا مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَبْيِيتِهِ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْهِجْرَةِ وَ فَرَضَ عَلَيْهِ الْقِتَالَ فَقَالَ: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا" ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ آيَاتِ الْقِتَالِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَنَسَخَتْ آيَةُ الْقِتَالِ آيَةَ الْكَفِّ، ثُمَّ قَالَ: وَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ الْقِتَالَ عَلَى الْأُمَّةِ، فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَنْ يُقَاتِلَ عَشَرَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صٰابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا" ثُمَّ نَسَخَهَا سُبْحَانَهُ فَقَالَ: "الْآنَ خَفَّفَ اللّٰهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صٰابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ" فَنَسَخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا قَبْلَهَا، فَصَارَ فَرْضُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَرْبِ إِذَا كَانَ عِدَّةُ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ فَارّاً مِنَ الزَّحْفِ وَ إِنْ كَانَ الْعِدَّةُ رَجُلَيْنِ لِرَجُلٍ كَانَ فَارّاً مِنَ الزَّحْفِ"[6] . اما السند فبما ان في طريق النعماني إلى الامام نجد علي ابن حمزة البطائني فلا حجية فيها.

اما الدلالة فهي تدل على مراحل من النسخ فقال البعض بان فيما نحن فيه ليس النسخ بمعنى المصطلح فان النسخ هو رفع الحكم عن موضوع في زمان لا حق وما نجده هو من باب تبدل الموضوع.

ومما يشهد لذالك ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ وَ فِي الْعِلَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَلَوِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّمَّانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا ع فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع لِمَ لَمْ يُجَاهِدْ أَعْدَاءَهُ خَمْساً وَ عِشْرِينَ سَنَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ جَاهَدَ فِي أَيَّامِ وِلَايَتِهِ فَقَالَ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِرَسُولِ اللَّهِ ص فِي تَرْكِ جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً وَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِمْ وَ كَذَلِكَ عَلِيٌّ ع تَرَكَ مُجَاهَدَةَ أَعْدَائِهِ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ نُبُوَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ص مَعَ تَرْكِهِ الْجِهَادَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً فَكَذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ إِمَامَةُ عَلِيٍّ ع مَعَ تَرْكِهِ لِلْجِهَادِ خَمْساً وَ عِشْرِينَ سَنَةً إِذْ كَانَتِ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ لَهُمَا وَاحِدَةً[7] .

في سنده مجاهيل وهي تدل على عدم نسخ ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ولذا عمل بها أمير المؤمنين عليه السلام وخلاصة الكلام وما استنتجنا منه هو أن ماذهب اليه المشهور من عدم وجوب مقاومة العدو اذا كانوا أكثر من ضعف هو الأقرب ولكن القدر المسلم منه هو الجهاد الابتدائي اما الجهاد الدفاعي فله ظروف اخرى نبحث عنها في الايام القادمة انشاء الله.


[1] الأنفال/السورة8، الآية65.
[2] الأنفال/السورة8، الآية66.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص84، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب27، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص84، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب27، ح1، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص84، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب27، ح2، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص85، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب27، ح3، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص88، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب30، ح1، ط آل البیت.