الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب الدعوى الى الاسلام

كان بحثنا في وجوب الدعاء إلى محاسن الاسلام وقلنا لابد أن تكون الدعوة مشجعة إلى الايمان و مقنعة للعقل والفطرة و مصداقاً للدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وقد ذكرنا بعض كلمات الفقهاء بهذا الصدد كما ذكرنا الروايات الدالة على وجوب الدعوة وانما اذكر رواية تناولت اسلوب الدعوة عسى ان نستلهم منها رؤية الاسلام فيها.

عن مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دَخَلَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع- فَسَأَلُوهُ كَيْفَ الدَّعْوَةُ إِلَى الدِّينِ فَقَالَ- تَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ- أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِلَى دِينِهِ- وَ جِمَاعُهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ الْآخَرُ الْعَمَلُ بِرِضْوَانِهِ- وَ إِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُعْرَفَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ- وَ الرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْعِزَّةِ وَ الْعِلْمِ وَ الْقُدْرَةِ- وَ الْعُلُوِّ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ- وَ أَنَّهُ النَّافِعُ الضَّارُّ الْقَاهِرُ لِكُلِّ‌ شَيْ‌ءٍ- الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ- وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- وَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ مَا سِوَاهُ هُوَ الْبَاطِلُ- فَإِذَا أَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ- وَ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. [1]

هذا الحديث ضعيف السند لعدم وجود التوثيق لسفيان و للزهري و لكن قد عقد صاحب الوسائل لها باب الحادي عشر ثم قال: (أقول ان هذه من أفضل الكيفيات).

ثم هناك كلام في انه لو بادر أحد المسلمين بالقتال قبل الدعوة، فقتل أحداً من المشركين فما حكمه؟ فقال الشافعي هو ضامن لديته قياساً لأهل الذمة، وهذا قياس مع الفارق لأن المفروض عدم إنعقاد عقد الذمة بعد، وقال الشيخ ليس عليه شيئٌ لا وضعاً ولا تكليفاً، وهذا ينافي وجوب سبق الدعوة على الجهاد، و لذا حكم صاحب الجواهر فيه بالاثم دون الضمان، وهذا كلام صحيح لو اضفنا اليه أن للامام أن يعزّره بما يكون رادعاً له عن التكرار ولغيره عن الارتكاب.

ثم حكم كثير من الفقهاء كالعلامة في المختصر، والتحرير والتذكرة والتبصرة والشهيدان في الدروس والروضة بوجوب كون الإمام عليه السلام هو الداعي او من نصبه خصوصاً او عموماً.

إن صاحب الجواهر عند ما يشير إلى كلمات الفقهاء يقول: (وربما يظهر منهم الوجوب)[2] ثم يقول: بل قيل إنه يدل عليه خبر مسمع السابق وإن كان فيه ما لا يخفى. فهو رضوان الله عليه عبر عن رواية مسمع بخبر مسمع المشعر بضعف سنده ثم يشير إلى ضعف دلالته بقوله: (فيه ما لا يخفى) بينما سند الكليني والشيخ اليه موثق و لعل مناقشته في الدلالة كذلك بلحاظ بيان الاجر للدعوة وقد اشرنا سابقا بان متعلق الامر هو الدعوة ومتعلق الاجر هو الهداية فلا وجه للمناقشة في دلالته على وجوب الدعوة وهو المدعىّ فتأمل تجد ما قلناه. واليك نص الحديث مع الاسناد:

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ‌النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ- يَا عَلِيُّ لَا تُقَاتِلَنَّ أَحَداً حَتَّى تَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا- خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ- وَ غَرَبَتْ وَ لَكَ وَلَاؤُهُ يَا عَلِيُّ.[3] وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ مِثْلَهُ وَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مِسْمَعِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع ذَكَرَ مِثْلَهُ

ثم يقول: (بل ربما يظهر من خبر السلمي خلافه) أي عدم الوجوب واليك نصه:

وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي غُرَّةَ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أُكْثِرُ الْغَزْوَ- أُبْعِدُ فِي طَلَبِ الْأَجْرِ وَ أُطِيلُ فِي الْغَيْبَةِ- فَحُجِرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقَالُوا لَا غَزْوَ إِلَّا مَعَ إِمَامٍ عَادِلٍ- (إلى ان قال): فَقَالَ الرَّجُلُ غَزَوْتُ- فَوَاقَعْتُ الْمُشْرِكِينَ فَيَنْبَغِي قِتَالُهُمْ قَبْلَ أَنْ أَدْعُوَهُمْ؟ فَقَالَ إِنْ كَانُوا غَزَوْا وَ قُوتِلُوا وَ قَاتَلُوا فَإِنَّكَ تَجْتَرِئُ بِذَلِكَ وَ إِنْ كَانُوا قَوْماً لَمْ يَغْزُوا وَ لَمْ يُقَاتِلُوا فَلَا يَسَعُكَ قِتَالُهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ فَقَالَ الرَّجُلُ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَجَابَنِي مُجِيبٌ وَ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ فِي قَلْبِهِ وَ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَجِيرَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَ انْتُهِكَتْ حُرْمَتُهُ‌ وَ أُخِذَ مَالُهُ وَ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِالْمَخْرَجِ وَ أَنَا دَعَوْتُهُ فَقَالَ إِنَّكُمَا مَأْجُورَانِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ وَ هُوَ مَعَكَ يَحُوطُكَ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِكَ وَ يَمْنَعُ قِبْلَتَكَ وَ يَدْفَعُ عَنْ كِتَابِكَ وَ يَحْقُنُ دَمَكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ يَهْدِمُ قِبْلَتَكَ وَ يَنْتَهِكُ حُرْمَتَكَ وَ يَسْفِكُ دَمَكَ وَ يُحْرِقُ كِتَابَكَ".[4]

من هذا الحديث نستفيد امرين أحدهما عدم جواز الغزو الا مع إمام عادل والثاني وجوب الدعوة قبل القتال ولكن من الداعي؟ هل لابد ان يكون هو الامام ومن نصبه او الاعم؟ فالرواية مجملة من هذه الناحية. ولكن استفادة الندب منها سواء في اصل الدعوة او كون الداعي هو الامام فلا تدل على شيئ منهما، ولعل الاجمال صدر عن الامام للتقية كما اشار اليه صاحب الجواهر ايضاً

وعلى كل حال ما دام لم يتم دليل على وجوب كون الامام هو الداعي بعينه فيمكن القول بإصالة البراءة من ذالك، كما يمكن القول بان مناسبة الحكم والموضوع وهو اتمام الحجة على العدو وهو يحصل بوصول الحق اليه باي سبب فيجوز صدور الدعوة من غير الامام ايضاً.

ولكن مادام لا يجوز الجهاد البدوي بغير اذن المعصوم كما عليه المشهور منهم صاحب الجواهر فلابد من استفسار هذا الحكم ايضا منه عليه السلام؟


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص44، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب11، ح1، ط آل البيت.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج21، ص52.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص43، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب10، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص43، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب10، ح2، ط آل البيت.