الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الاستدلال بالرويات عن الجهاد البتدائي

كان بحثنا في دراسة الروايات حول الجهاد الابتدائي وقد ذكرنا خمسة من الروايات في هذا المجال

وهناك رواية أخرى وهي ما رواه الكليني رضوان الله عليه: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي غُرَّةَ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أُكْثِرُ الْغَزْوَ- أُبْعِدُ فِي طَلَبِ الْأَجْرِ وَ أُطِيلُ فِي الْغَيْبَةِ- فَحُجِرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقَالُوا لَا غَزْوَ إِلَّا مَعَ إِمَامٍ عَادِلٍ- فَمَا تَرَى أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع- إِنْ شِئْتَ أَنْ أُجْمِلَ لَكَ أَجْمَلْتُ- وَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُلَخِّصَ لَكَ لَخَّصْتُ- فَقَالَ بَلْ أَجْمِلْ فَقَالَ- إِنَّ اللَّهَ يَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- قَالَ فَكَأَنَّهُ اشْتَهَى أَنْ يُلَخِّصَ لَهُ- قَالَ فَلَخِّصْ لِي أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَقَالَ- هَاتِ فَقَالَ الرَّجُلُ غَزَوْتُ- فَوَاقَعْتُ الْمُشْرِكِينَ فَيَنْبَغِي قِتَالُهُمْ قَبْلَ أَنْ أَدْعُوَهُمْ؟- فَقَالَ إِنْ كَانُوا غَزَوْا وَ قُوتِلُوا وَ قَاتَلُوا- فَإِنَّكَ تَجْتَرِئُ بِذَلِكَ- وَ إِنْ كَانُوا قَوْماً لَمْ يَغْزُوا وَ لَمْ يُقَاتِلُوا- فَلَا يَسَعُكَ قِتَالُهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ- فَقَالَ الرَّجُلُ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَجَابَنِي مُجِيبٌ- وَ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ فِي قَلْبِهِ- وَ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَجِيرَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ- وَ انْتُهِكَتْ حُرْمَتُهُ‌ وَ أُخِذَ مَالُهُ وَ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ- فَكَيْفَ بِالْمَخْرَجِ وَ أَنَا دَعَوْتُهُ- فَقَالَ إِنَّكُمَا مَأْجُورَانِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ- وَ هُوَ مَعَكَ يَحُوطُكَ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِكَ- وَ يَمْنَعُ قِبْلَتَكَ وَ يَدْفَعُ عَنْ كِتَابِكَ- وَ يَحْقُنُ دَمَكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ- يَهْدِمُ قِبْلَتَكَ وَ يَنْتَهِكُ حُرْمَتَكَ- وَ يَسْفِكُ دَمَكَ وَ يُحْرِقُ كِتَابَكَ.وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عُمَرَ الشَّامِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ)[1] .

يمكن ان يستدل بهذه الرواية بانّ الامام عليه السلام فصّل القتال إلى قسمين: فقال: " فَقَالَ إِنْ كَانُوا غَزَوْا وَ قُوتِلُوا وَ قَاتَلُوا- فَإِنَّكَ تَجْتَرِئُ بِذَلِكَ- وَ إِنْ كَانُوا قَوْماً لَمْ يَغْزُوا وَ لَمْ يُقَاتِلُوا- فَلَا يَسَعُكَ قِتَالُهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ فمعنى ذالك جواز قتالهم بعد الدعوة اذا هم لم يغزوا وكلا شقي المسئلة يجوز فيهما القتال وانما الفرق هو قبل الدعوة وبعد الدعوة.

ولكن يرد على هذا الدليل اولاً: هذا الحديث برواية الكليني ضعيف السند بابي غرة السلمي لان الرجاليون لم يذكروه، وان كان هو ابو غرة الانصاري فهو ابراهيم بن عبيد ولم يرد له توثيق. واما برواية الشيخ كذالك ضعف السند لوجود ابي عمر الشامي الذي هو مجهول. اما من حيث الدلالة فالامام عليه السلام يبشِّره بالأجر على حسب نيّته ولا يصدّقه في نفس القتال، فلا يدل على شيئٍ مما نحن فيه. مضافا إلى أن الامام عليه السلام يقارن بين ايمانه وكفره، فتفيد ان المورد من الموارد التي لو لم يؤمن لكان خطراً على الاسلام والمسلمين حيث يقول عليه السلام: "خير من ان يكون عليك يهدم قبلتك و ينتهك حرمتك و يسفك دمك ويحرق كتابك" فلم يكن مشركاً مسالماً للمسلمين فهو ممن يجوز قتاله على المبنى المختار ايضاً.

ورواية أخرى عن الكليني عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيراً لَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ- أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ- ثُمَّ فِي أَصْحَابِهِ عَامَّةً ثُمَّ يَقُولُ- اغْزُ بِسْمِ اللَّهِ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ- لَا تَغْدِرُوا وَ لَا تَغُلُّوا وَ لَا تُمَثِّلُوا- وَ لَا تَقْتُلُوا وَلِيداً وَ لَا مُتَبَتِّلًا فِي شَاهِقٍ- وَ لَا تُحْرِقُوا النَّخْلَ وَ لَا تُغْرِقُوهُ بِالْمَاءِ- وَ لَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً وَ لَا تُحْرِقُوا زَرْعاً- لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ- وَ لَا تَعْقِرُوا مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ- إِلَّا مَا لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ أَكْلِهِ- وَ إِذَا لَقِيتُمْ عَدُوّاً لِلْمُسْلِمِينَ فَادْعُوهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثٍ- فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكُمْ إِلَيْهَا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وَ كُفُّوا عَنْهُمْ- ادْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ دَخَلُوا فِيهِ- فَاقْبَلُوا مِنْهُ وَ كُفُّوا عَنْهُمْ- وَ ادْعُوهُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ- فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وَ كُفُّوا عَنْهُمْ- وَ إِنْ أَبَوْا أَنْ يُهَاجِرُوا وَ اخْتَارُوا دِيَارَهُمْ- وَ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ- كَانُوا بِمَنْزِلَةِ أَعْرَابِ الْمُؤْمِنِينَ- يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى أَعْرَابِ الْمُؤْمِنِينَ- وَ لَا يَجْرِي لَهُمْ فِي الْفَيْ‌ءِ وَ لَا فِي الْقِسْمَةِ شَيْئاً- إِلَّا أَنْ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ- فَإِنْ أَبَوْا هَاتَيْنِ فَادْعُوهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ- وَ هُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ أَعْطَوُا الْجِزْيَةَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ- وَ كُفَّ عَنْهُمْ وَ إِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ‌ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِمْ- وَ جَاهِدْهُمْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، الحديث)[2]

يمكن ان يستدل به بامر رسول الله بقتال من كفر بالله ونهى عن امور وامر بدعوتهم إلى الاسلام اولا ثم قبول اسلامهم اذا اظهروا الاسلام والكف عنهم وان أبوا فالدعوة إلى الجزية وان ابوا فجاهدهم في الله حق جهاده فما ينقذهم من القتال أحد الامرين الاسلام او دفع الجزية. وهذا الحديث في سنده هرون بن مسلم وهو لا بأس به، يقول النجاشي في شأنه: (يكنى أبا القاسم ثقة وجه وكان له مذهب في الجبر والتشبيه...) ولكن مسعدة لم يرد له توثيق وهو كان عامياً. واما يناقش في دلالته ايضاً بان الحديث يقص علينا فعل رسول الله عندما يرسل أميرا على سرية وهو كان يرسل إلى المشركين او أهل الكتاب من اليهود المعاندين ولو شككنا في ذالك ايضا لا يمكن استفادة الاطلاق عنه لان القضايا الخارجية وما في قصة فعل المعصوم عليه السلام لا اطلاق له، مضافا إلى انه صلى الله عليه واله يقول: " وَ إِذَا لَقِيتُمْ عَدُوّاً لِلْمُسْلِمِينَ فَادْعُوهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثٍ) فالفرض مواجهة العدو ولم يرد فيه نص ورد فيه لفظة كافر او مشرك او كتابي فلا وجه لاستفادة شمول الحديث للمعادي والمسالم.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج15، ص43، ابواب جهاد العدو، الباب10، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج15، ص59، ابواب جهاد العدو، الباب15، ح3، ط آل البيت.