الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب جهاد المحارب

الطائفة الثانية : من الآيات التي لا تنسجم مع القول بوجوب جهاد الكفار مطلقا سواء كان محارباً او مسالماً آيتين تطرق المرحوم آية الله الآصفي إلى دراستهما وقد اعتبرهما لتبيين علاقة المسلم بالكافر: الأولى آية الثامنة من سورة الممتحنة قال تعالى: "لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ (الممتحنة8) واما الثانية: فهي قول الله تعالى: "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"(البقرة256) فقال في الآية الاولى: (لها تطبيقان: تطبيق قبل تشريع الجهاد الابتدائي وآخر بعده.

اما قبل تشريع فرض الجهاد الابتدائي فلا اشكال، وأما بعد تشريع الجهاد الابتدائي، ففي ضوء النسخ الذي يقول ابن عباس و أكثر المفسرين، تكون هذه الآية منسوخة، ذالك لانها كما تدل الروايات نزلت أيام معاهدة الصلح والهدنة التي عُقدت بين الرسول صلى الله عليه وآله و المشركين في الحُديبيّة، وأما "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم‌"(التوبة5) فقد نزلت بعد فتح مكة، فتكون ناسخة لها.)

ثم يقول: وأمّا نحن فنرى أنّ هذه الآية تتكّلم عن شيئ آخر، وهي حتى بعد تشريع القتال الإبتدائي الوارد في آيات سورة البراءة غير منسوخة، بل نافذة فيما تدل عليه، وذالك لتصورين ينتهى إليهما بعد التأمل فيهما، وهما:

الأول : العلاقة مع سائر البشر والثاني: القتال من أجل الدعوة إلى التوحيد، وتعبيد الناس إلى الله تعالى. والاصل في العلاقة مع سائر البشر هي البِرّ والقسط لقوله تعالى: " "لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ". أما الذي يجرد سيفه و يقاتل، و يخرج الناس عن ديارهم، فلا يصح برّه وقسطه، وهو مما يستثنى من الأصل.

وامّا الأصل في دعوة الناس إلى توحيد الله و تطويعهم إلى العبودية فهو: قتالهم فيما لو رفضوا التوحيد وأعاقوا دعوته، ولكن هذا لا يعني ان نجرِّد سيوفنا بوجه العالم كلّه، لأنّ ذالك مما يجافي روح الدين من ناحية ، وليس بممكن من ناحية أخرى.

وعلى هذا الفهم العملي للواقع، نستطيع أن نفهم قوله تعالى: " قاتِلُوا الَّذينَ يَلُونَكُم‌..."(التوبة123) فالوضع المرحلي للقتال إذن ليس معزولاً عن الواقع، ولهذا فليس من تكليفنا الشرعي أن نجرِّد سيوفنا و نقاتل كل البشرية التي لا تؤمن بما ندعوا اليه. إذن الفهم الصحيح لقضية القتال هو ان ينسجم مع الواقع الفعلي للمشركين والكفار ، فان كانوا ممن يلوننا ويرفضون التوحيد ويحاربون دعوته و لم يستسلموا إليها، وجب قتالهم حتى يسلموا إن كانوا مشركين ، او يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، إن لم يسلموا إن كانوا أهل الكتاب، وان كانوا ممن يلوننا ولم يصدر منهم نشاط معاديٍ فالاصل هو قتالهم، لكن ضمن قاعدة الأقرب فالأقرب، وضمن ضابطة الاستطاعة، فمن نستطيع أن نقاتله كإسرائيل فسوف يقدَّم على غيره، ونرجي تنفيذ هذا الاصل مع من لم يكن ممن يلينا منهم، وننطلق معه من منطلق البر والقسط. وعلى هذا الضوء نستطيع أن نفهم علاقة الدولة الاسلامية في ايران مع سائر دول الكفر التي تتصف بهذا الوصف الاخير، فهي علاقة بر وقسط في اغلب الميادين الحياتية والضرورية، ولا تعارض بين هذه العلاقة وبين مفاد قوله تعالى: "َو قاتِلُوا الْمُشْرِكينَ كَافَّةً"(التوبة 36) وغيره من العمومات التي تشرع القتال الابتدائي للمشركين والكفار.

وعليه فلا معنى لتشنيج العلاقة مع كل من لم تصلهم النوبة، ومع من لم نكن قادرين على قتالهم من هذا الصنف الأخير والدليل على ذالك أن الله لم ينهانا عن برّهم وقسطهم كما هو مفاد آية سورة الممتحنة، هذا) .

انه رضوان الله عليه بذل جهودا كثيرة للوصول إلى الجمع بين الآيتين من دون ان يقول بالنسخ، وبعد التقلُّب الكثير في البحث، يلخِّص كلامه بما ملخَّصه : فهمين في تفسير الآيتين، الفهم الاول ان القتال يجب ابتداء بشرط القدرة و بالتدريج لقول الله قاتلوا الذين يلونكم من الكفار اي الاقرب فالأقرب . فاذا لم تكن القدرة ولا حالة المجاورة فيجوز البرّ والقسط مع من لا يجاورنا ولا يقاتلنا ومن لا نقدر على قتاله. نعم لو تمكننا من القتال فيجب القتال ولا يجوز البر والقسط.

والفهم الثاني : ...نحدد الكافر في آيات القتال بالكيانات والانظمة السياسية الكافرة . ونحدد الكافر في آية البر بالافراد والجماعات غير السياسية.) هذا ملخص من كلامه رفع الله في الجنان مقامه.

ولكن عند ما نقرء كلامه بتفصيل طويل يستوعب خمسة عشر صفحة من الكتاب يتضح لنا انه كغيره من العلماء قد اعترف بوجوب القتال الابتدائي كاصل موضوعي، فيلتمس الدليل لهذا المدعي ويحاول رفع التناقض في الآيات على ضوء هذا الفهم و يهرب عن شنائة هذا القول. ويا ليته اعاد النظر في اصل هذا الحكم حتى يفكر في الآيات بحرية كاملة فيأخذ بمحصل الآيات مقرونة بالمسبوقة والملحوقة، مما يساعد الباحث على الفهم الصحيح. وكل هذه الحلول المطروحة ليست الا جموع تبرعية لا تستند إلى صناعة الاستنباط في الأحكام وتطبيقها على الاصول.

ومع ذالك نشير إلى بعض الملاحظات في كلامه:

ما معنى قوله: (والاصل في العلاقة مع سائر البشر هي البِرّ والقسط لقوله تعالى: " "لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ". أما الذي يجرد سيفه و يقاتل، و يخرج الناس عن ديارهم، فلا يصح برّه وقسطه، وهو مما يستثنى من الأصل. وامّا الأصل في دعوة الناس إلى توحيد الله و تطويعهم إلى العبودية فهو قتالهم فيما لو رفضوا التوحيد وأعاقوا دعوته،) فهل سائر البشر خارج عن المسلم وغير المسلم؟ وهل يلائم البر والقسط مع قتالهم وارغامهم على عقيدتنا؟

وهل يعقل ان نقرر الازدواجية في التعامل كما قال: (إذن الفهم الصحيح لقضية القتال هو ان ينسجم مع الواقع الفعلي للمشركين والكفار ، فان كانوا ممن يلوننا ويرفضون التوحيد ويحاربون دعوته و لم يستسلموا إليها، وجب قتالهم حتى يسلموا إن كانوا مشركين ، او يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون إن لم يسلموا إن كانوا أهل الكتاب، وان كانوا ممن يلوننا ولم يصدر منهم نشاط معاديٍ فالاصل هو قتالهم، لكن ضمن قاعدة الأقرب فالأقرب، وضمن ضابطة الاستطاعة، فمن نستطيع أن نقاتله كإسرائيل فسوف يقدم على غيره، ونرجي تنفيذ هذا الاصل مع من لم يكن ممن يلينا منهم، وننطلق معه من منطلق البر والقسط.) وهل ترك القسط لا يلازم الظلم؟ الذي هو قبيح عقلا وشرعا فكيف اختار لنا ربنا هذه السياسة؟

ومفاد ما اختاره رضوان الله عليه في الجمع بين وجوب الجهاد الابتدائي و آية بر والقسط هو اتخاذ سياسة تكتيكية في تعاملنا مع غير المسلمين نسالمهم عند الضعف ونقاتلهم عند القدرة قال: (وعليه فلا معنى لتشنيج العلاقة مع كل من لم تصلهم النوبة، ومع من لم نكن قادرين على قتالهم من هذا الصنف الأخير والدليل على ذالك أن الله لم ينهانا عن برهم وقسطهم كما هو مفاد آية سورة الممتحنة، هذا).

وهل عدم نهي الله عن برِّهم وقسطهم خاص بحالة ضعف المسلمين؟ وهو تعالى يقول في الآية اللاحقة بها: "انّما ينهاكم الله عنِ الّذين قاتَلوكُم في الدّين وأخرَجوكُم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تبرّوهُم وَتُقسِطوا الَيهِم" فالملاك حالة العدو من حيث العداء والمسالمة لا حالة المسلمين من حيث الضعف والقوة.

وقال في أحد الفهمين للمسألة: (اِنّ القتال يجب ابتداء بشرط القدرة و بالتدريج لقول الله قاتلوا الذين يلونكم من الكفار اي الاقرب فالأقرب . فاذا لم تكن القدرة ولا حالة المجاورة فيجوز البر والقسط مع من لا يجاورنا ولا يقاتلنا ومن لا نقدر على قتاله. نعم لو تمكننا من القتال فيجب القتال ولا يجوز البر والقسط.)

وقال في الفهم الثاني: والفهم الثاني: ...نحدد الكافر في آيات القتال بالكيانات والانظمة السياسية الكافرة . ونحدِّد الكافر في آية البر بالافراد والجماعات غير السياسية.) ما هو الدليل على هذا التقسيم وهل هذا مفاد اللفظ او قرينة تفيدنا هذا التقسيم؟ او مجرد التماس طريق للخروج عن المأزق ؟ بل ليس هذا الا جعا تبرعيا لا دليل على حجيته بل هو خلاف ظاهر الآيات لو تأملنا فيها.