الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :وجوب قتال المحارب

بعد ما ذكرنا الآيات التي استدل بها على لزوم جهاد الكفار ولو كانوا مسالمين وثبت عدم الدلالة على ذالك بل دلت على خلافه وانحصر وجوب بل جواز القتال بالمحارب من الكفار ثم قررنا أن نُطلّ إطلالة على بعض آيات القتال كي نؤكد على أن القتال في الاسلام ليس الا للدفاع وانما نشر الاسلام تمّ من خلال الدعوة و التوعية وذكرنا بعض الآيات بهذا الصدد فنتابع بحثنا بالمراجعة والتأمل في آيات أخرى كي نستوحي منها أكثر في فهم الحكم الشرعي في مجال جهاد الكفار.

من الآيات في الجهاد قوله تعالى: "وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا في‌ دينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ (13) في الآية الاولى الامر بالقتال هو جزاء الشرط وهو نكث الاًيمان فمفهوم هذه القضية الشرطية عدم وجوب القتال عند عدم النكث، والآية الثانية اشار إلى نقاط ثلاثة وهي نكث الأيمان والهم باخراج الرسول والابتداء من ناحية العدو فيحض على قتال هؤلاء فنعرف من ذالك كله ان الميزان في القيام بالقتال دفع شر المتجاوز و مكافئتهم بالمثل.

وقال تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ في‌ كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى‌ سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنينَ (58) وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‌ءٍ في‌ سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ الْعَليمُ (61)

في الآية الاولى سمّى الذين كفروا شرَّ الدوابّ، ثم يخبر عن عدم ايمانهم في المستقبل، فالكفر منهم ليس مجرد عدم قناعتهم بالاسلام بعد، وانما هو حالة العناد واللجاج مع الحق، ثم يصفهم في الآية التي تليها بنقضهم المكرر لعهدهم وعدم مبالاتهم بذالك ثم يأمر النبي صلى الله عليه وآله بتشريد من خلفهم بواسطة التغلُّب عليهم، فيعني بذالك مواجهة شديدة حتى تكون عبرة للآخرين ممن يكون ورائهم حتى يتنبّهوا ويعرفوا عاقبة الخيانة تجاه رسول الله، ثم يبيّن عدم نجاح الاعداء في محاولاتهم الخبيثة . ثم في الآية التي تليها يامر بالأُهبة والاستعداد بتحصيل القوة و المعدات لمثل هؤلاء الاعداء الذي وصفهم كي يُرهبوهم ويرهبوا الخلايا النامية ورائهم و يبشّرهم بالحصول على عوض ما يبذلون في سبيل الله. وظاهر هذه الآية إرهاب الأعداء كي لا يطمعوا في قتال المسلمين. وفي الأخيرة يامر بقبول السلام اذا مال العدو اليه، فلو كان الواجب ابتداء المشركين وأهل الكتاب بالحرب لما نطقت هذه الآيات بما يوجب قبول السلام لو استسلم الأعداء ممن لم يؤمن بالله ورسوله.

وقال تعالى أيضاً: "لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ . إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى‌ إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(الممتحنة6-7).

في الآية الاولى يتحدث معنا عن حكم المسالمين ممن لم يعتنق الاسلام ويجوز لنا إسداء البِرّ والقسط اليهم ثم قال تشجيعا على هذا الامر: "ان الله يحب المقسطين". يعني بذالك ان البِرّ والخير بالنسبة إلى هؤلاء مصداق للقسط و يصبح فاعله في زمرة المقسطين الذين أحبّهم الله. وفي الآية الثانية يخصّص حرمة التولّي و إسداء الخير بالذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا االآخرين في اخراجكم ويعتبر هذه التولية ظلماً و فاعلها ظالماً. فاين هذا البيان وقول من يقول يجب جهاد المشركين حتى يسلموا او يقتلوا وجهاد أهل الكتاب حتى يسلموا او يقتلوا او يستسلموا لدفع الجزية وهم صاغرون؟!!!