الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب جهاد المحارب

كان بحثنا في الآيات التي استدلوا بها على وجوب جهاد المشركين و أهل الكتاب بعنوانهما وقد بحثنا حول سبعة من الآيات المستدل بها، وبعد البحث والتنقيب ثبت عدم دلالتها الا على مقاتلة المقاتل والمحارب المفسد منهم، ولم تشمل المسالمين.

ومن الآيات المستدل بها على وجوب قتال المشركين وأهل الكتاب، قوله تعالى: "قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لايُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدينُونَ دينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ"(التوبة29). وجه الاستدلال بهذه الآية المباركة هوالامر بقتال أهل الكتاب فيها وهو ظاهر في الوجوب فاذا ثبت وجوب قتالهم يثبت وجوب قتال المشركين بمفهوم الاولوية.

ويلحظ في هذا الدليل بأنه يتم دلالته على وجوب قتال اهل الكتاب مطلقا اعم من المحارب والمسالم، لو أخذنا – من – في قوله من الذين أوتوا الكتاب للبيان، فيصبح معناه قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ....وهم الذين أوتوا الكتاب. فيساوق المتصفون بالصفات المذكورة مع الذين أوتوا الكتاب، ولكن إن أخذناه للتبعيض فانما يثبت وجوب قتال أهل الكتاب المتصفين بتلك الصفات لا كلِّهِم.

قال صاحب الميزان رضوان الله عليه: (و السياق يدل على أن لفظة «مِنَ» في قوله: «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» بيانية لا تبعيضية فإن كلاً من اليهود و النصارى و المجوس أمة واحدة كالمسلمين في إسلامهم و إن تشعّبوا شعباً مختلفةً و تفرقّوا فرقاً متشتّتةً، إختلط بعضهم ببعض، و لو كان المراد قتال البعض و إثبات الجزية على الجميع، أو على ذلك البعض بعينه، لاحتاج المقام في إفادة ذلك إلى بيان غير هذا البيان يحصل به الغرض.

و حيث كان قوله: «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» بياناً لما قبله من قوله: «الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون الآية فالأوصاف المذكورة أوصاف عامة لجميعهم و هي ثلاثة أوصاف وصفهم الله سبحانه بها: عدم الإيمان بالله و اليوم الآخر، و عدم تحريم ما حرم الله و رسوله، و عدم التدين بدين الحق. فأول ما وصفهم به قوله: «الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ» و هو تعالى ينسب إليهم في كلامه أنهم يثبتونه إلهاً و كيف لا؟ و هو يعدّهم أهل الكتاب، و ما هو إلا الكتاب السماوي النازل من عند الله على رسول من رسله و يحكي عنهم القول أو لازم القول بالألوهية في مئات من آيات كتابه. و كذا ينسب إليهم القول باليوم الآخر في أمثال قوله: «وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً:» البقرة:- 80، و قوله: «وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‌:» البقرة:- 111.غير أنه تعالى لم يفرِّق في كلامه بين الإيمان به و الإيمان باليوم الآخر فالكفر بأحد الأمرين كفر بالله و الكفر بالله كفر بالأمرين جميعاً،(الميزان ج9ص238).

والأظهر أنّ –من- في هذه الآية للتبعيض وليس للبيان، فان أهل الكتاب مؤمنون بالله و اليوم الآخر على حسب ما يقتضي دينهم: قال تعالى: " إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ الَّذينَ هادُوا وَ النَّصارى‌ وَ الصَّابِئينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة62) ففي الآية التي قبلها يذم من بني اسرائيل هؤلاء العاصين والمنحرفين ثم يقول: "إنّ الّذينَ آمَنوا ...."الآية

وكذالك في سورة المائدة، قال تعالى: "قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى‌ شَيْ‌ءٍ حَتَّى تُقيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَيَزيدَنَّ كَثيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرينَ (68) إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ الَّذينَ هادُوا وَ الصَّابِئُونَ وَ النَّصارى‌ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة69) هنا ايضاً ينسب الطغيان والكفر إلى كثيرٍ منهم لا إلى جميعهم، ثم يقول: "إنّ الذين آمنوا....الآية" وهذا أيضاً قرينة على التبعيض.

ومما يدل على التبعيض قوله تعالى: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (ال عمران110). فتقييد الفسق بالأكثرية دال على وجود من ليس بفاسق،

كما يقول تعالى بعد الآيتين من هذه السورة: "لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحينَ (114) وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللَّهُ عَليمٌ بِالْمُتَّقينَ (ال عمران115).

فتوجه الامر بقتال المتصفين بهذه الصفات مشعر بالعلية - حيث يقال: التعليق بالعنوان مشعر بالعلية- فما هو موجب لقتالهم أنّهم ما دام لا يؤمنون بالله ولا بالقيامة ولا يتورعون عن شيئ حيث لايحرمون ما حرم الله ولا يلتزمون بدين الحق اي المقررات الاجتماعية التي يعترف بها جميع الاديان بل العقل يدل عليها أيضاً فلا يؤمن جانبهم ويعيش المسلمون بجانبهم غير آمنين سواء كانوا منخرطين في المجتمع الاسلامي، او كانوا بجوار المسلمين. ولذالك هم محاربين حتي يؤتوا الجزية وهم صاغرون اي يدفعوا ضريبة وهم مستسلمون، وانشاء الله سوف يأتي البحث عن الجزية ووجهها و البحث عن معنى الصغار في الآية الكريمة.