الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :جهاد اهل الذمة

انتهينا في المباحث السابقة عن تحديد عنوان البغاة و المحقق رضوان الله عليه بعد ما قدّم البغاة على اهل الذمّة و قدّم اهل الذمة على سائر من يقاتل وهم مشركون بيّن حكماً للطوائف الثلاثة فقال: (و كلُّ من يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور إليهم إما لكفّهم و إما لنقلهم إلى الإسلام فإن بدءوا فالواجب محاربتهم و إن كفوا وجب بحسب المكنة و أقلّه في كل عام مرة).

ففي هذا الفقرة يبين وجوب نفر المسلمين لأحد الهدفين: الكف، ونقلهم إلى الاسلام، و قلنا ان الكف لايختص بالبغاة كما ان النقل إلى الاسلام ايضاً قد يشمل البغاة ببيان قد مضى.

وهنا يكون الكلام في جعله وجوب القتال عند بدءهم بالقتال غير مشروط بشيئ وجعل وجوب القتال عند كفّهم مشروطاً بالمكنة. و ظاهر كلامه عدم اشتراط وجوب الجهاد في فرض الاول بالمكنة، بينما المكنة هي القدرة والقدرة شرط لتوجه التكليف في جميع الافعال إلى فاعليها، ولذالك فسّر صاحب الجواهر كلام المحقق في فرض الاول بوجود المكنة في دفع العدو وردعه وكف اذاه و في الثاني القدرة على قهرهم على الاسلام والقيام بشرائط الذمة ان كانوا من أهلها.

ثم انه لابد ان نبحث عن وجوب الجهاد هل هو يشمل الحرب الابتدائي، وبعبارة اخرى هل يجب محاربة المشرك لمجرد عدم اعتناقه للاسلام حتى يسلم او يقتل، و يجب محاربة أهل الكتاب حتى يسلم او يستسلم لشروط الذمة والا فيقتل، او انما تكون الحرب في الاسلام دفاعياً و لا يجوز قتال المسالم سواء كان مشركاً او كان من أهل الكتاب؟

الظاهر المستفاد من كلمات كثير من فقهائنا هو الاول واليك بعض نصوص كلماتهم:

قال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في النهاية: (كلّ من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفّار يجب مجاهدتهم و قتالهم. غير أنّهم ينقسمون قسمين:قسم لا يقبل منهم إلّا الإسلام و الدّخول فيه، أو يقتلون‌ و تسبى ذراريّهم و تؤخذ أموالهم. و هم جميع أصناف الكفّار، إلّا اليهود و النّصارى و المجوس.و القسم الآخر هم الذين تؤخذ منهم الجزية. و هم الأجناس الثلاثة الذين ذكرناهم. فإنّهم متى انقادوا للجزية و قبلوها و قاموا بشرائطها، لم يجز قتالهم، و لم يسغ سبي ذراريهم. و متى أبوا الجزية أو أخلّوا بشرائطها، كان حكمهم حكم غيرهم من الكفّار في أنّه يجب عليهم القتل و سبي الذراري و أخذ الأموال.)(النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص291).

وقال في الجمل والعقود: (الكفّار على ضربين:1- ضرب يقاتلون الى ان يسلموا أو يقتلوا أو يقبلوا الجزية.و هم ثلاث فرق: اليهود، و النّصارى، و المجوس. 2- و الآخر لا يقبل منهم الجزية، و يقاتلون حتّى يسلموا أو يقتلوا: وهم كلّ من عدا الثّلاث الفرق المذكورين)(الجمل والعقودص155).

وقال الشيخ في الاقتصاد: (كل من خالف الإسلام و أنكر الشهادتين وجب جهاده و قتاله. ثم هم ينقسمون قسمين: أحدهما لا يرجع عنهم الا أن يسلموا أو يقبلوا الجزية و يلتزموا شرائط الذمة، و هم اليهود و النصارى و المجوس...... و متى خالفوا شيئا من ذلك فقد خرجوا من الذمة.و من عدا الثلاث فرق يجب قتالهم الى أن يسلموا أو يقتلوا و تسبى ذراريهم و تؤخذ أموالهم، و لا تؤخذ منهم الجزية بحال) (الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد ص:313‌)

قال ابن براج في المهذب: (من يجب جهاده على ثلاثة أضرب: أحدها ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام حسب، فان لم يجيبوا الى الدخول قتلوا و سُبى ذراريهم و صار أموالهم غنيمة،

و ثانيها: ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام أو أداء الجزية «عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» و القيام بشرائط الذمة، فان لم يجيبوا الى ذلك و لم يثبتوا عليه ثم فعلوا شيئا منه خرجوا من الذمة، و أجريت عليهم الأحكام التي تقدم ذكرها من القتل و غنيمة الأموال و سبى الذراري.

و ثالثها على ضربين: أحدهما له فئة يرجع إليها، و الأخر لا فئة له، و الذي له فئة يرجع إليها، يجاز على جريحهم و يتبع مدبرهم و يقتل أسيرهم و يغنم أموالهم التي يحويها العسكر فقط، و لا يجوز سبى ذراريهم و لا أخذ شي‌ء من أموالهم التي لا يحويها العسكر.و الذي لا فئة له لا يجاز على جريحهم و لا يتبع مدبرهم و لا يسبى ذراريهم، بل يغنم أموالهم التي في العسكر دون غيرها.

و الضرب الأول- من القسمة المتقدمة- هم جميع من خالف الإسلام و ليس لهم كتاب و لا شبهة كتاب، كعباد الأوثان و الكواكب و من جرى مجراهم، و الضرب الثاني- هم اليهود و النصارى و المجوس. و الضرب الثالث- الذي هو على ضربين، هو جميع من انتمى الى الإسلام من البغاة، و هم الذين يبغون على الامام العادل و ينكثون بيعته و يفعلون ذلك مع نصبه الامام للنظر في أمور المسلمين و يجرى مجرى أصحاب الجمل و صفين). (المهذب (لابن البراج)، ج‌1، ص: 299).

وقال ابن حمزة في الوسيلة: (الكفار ضربان‌: فضرب يجوز إقراره على دينه و هم اليهود و النصارى و المجوس بشرطين قبول الجزية و التزام إجراء أحكام الإسلام عليهم و هي ترك التظاهر بالمحرمات...... فإذا التزموا ترك جميع ذلك و هو الصغار جاز عقد الذمة لهم فإن خالفوا شيئا من ذلك خرجوا من الذمة. و الضرب الآخر لا يجوز إقراره على دينه و هو من عدا هؤلاء من الكفار و لا يقبل منهم غير الإسلام فإن لم يقبلوا قوتلوا و لم يرجع عنهم إلا بعد أن يسلموا أو يقتلوا عن آخرهم. و الضرب الأول إن لم يلتزموا الصغار قوتلوا حتى يسلموا أو يلتزموا الجزية و الصغار أو يقتلوا عن آخرهم) (الوسيلة إلى نيل الفضيلةص200).

وقال ابن ادريس في السرائر: (الكفار على ثلاثة أضرب، أهل كتاب و هم اليهود و النّصارى، فهؤلاء يجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية. و من له شبهة كتاب فهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب، يقرون أيضا على دينهم ببذل الجزية. و من لا كتاب له و لا شبهة كتاب، و هم من عدا هؤلاء الثلاثة الأصناف، من عباد الأصنام، و الأوثان، و الكواكب، و غيرهم فلا يقرون على دينهم ببذل الجزية.و متى امتنع أهل الكتاب، و من له شبهة كتاب، من بذل الجزية، كان حكمهم حكم غيرهم من الكفّار، في وجوب قتالهم، و سبي ذراريهم، و نسائهم، و أخذ أموالهم و تكون فيئا.)( السرائرالحاوي لتحرير الفتاوي ج2ص6)

وقال العلامة في قواعده: (المقصد الثاني في من يجب قتاله ‌و هم ثلاثة: [الأول] الحربي‌و هو غير اليهود و النصارى و المجوس من سائر أصناف الكفار، سواء اعتقد معبودا- غير الله تعالى- كالشمس و الوثن و النجوم، أو لم يعتقد كالدهري، و هؤلاء لا يقبل منهم إلا الإسلام، فإن امتنعوا قوتلوا الى ان يسلموا أو يقتلوا، و لا يقبل منهم بذل الجزية. الثاني: الذمي ‌و هو من كان من اليهود و النصارى و المجوس، إذا خرجوا عن شرائط الذمة الآتية، فإن التزموا بها لم يجز قتالهم.الثالث: البغاة) (قواعد الاحكام في معرفة الحلال والحرام ج1ص480).

وقال في تبصرته: (فيمن يجب جهادهم‌ و هم ثلاثة أصناف:الصنف الأول: اليهود و النصارى و المجوس،و هؤلاء يقتلون الى أن يسلموا أو يلتزموا شرائط الذمة.... الصنف الثاني: من عدا هؤلاء من الكفار يجب جهاده و لا يقبل منه الا الإسلام.... الصنف الثالث: البغاة،و هم كل من خرج على امام عادل) (تبصرة المتعلمين ص88). ومثله قال في ارشاد الاذهان.

وقال الشهيد الاول: (يَجِبُ قِتَالُ الْحَرْبِيِّ بَعْدَ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَ امْتِنَاعِهِ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يُقْتَلَ، وَ الْكِتَابِيُّ كَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ بِشَرائِطِ الذِّمَّةِ) (اللمعة الدمشقيةص81)

وقال في الدروس:( و المجاهدون ثلاثة: أهل الكتاب و هم اليهود و النصارى، و بحكمهم من له شبهة كتاب كالمجوس، و الحق بهم ابن الجنيد الصابئة، و من عداهم من المشركين، و البغاة على الامام العادل. و الواجب قتال الكتابي حتّى يسلم أو يتذمّم أو يقتل، و قتال المشرك حتّى يسلم أو يقتل، و قتال الباغي حتّى يفي‌ء أو يقتل).(الدروس الشرعية في فقه الامامية ج2ص31)

هذا آراء جمع من الفقهاء فعلينا ان نلاحظ الادلة من الكتاب والسنة كي نرى مدى دلالتها ان شاء الله.