الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع جهاد البغاة

كان بحثنا في موضوع وجوب قتال البغاة وتكملة للبحث نتطرق إلى ما قال صاحب الجواهر تعليقا على مقالة المحقق: حيث قال: البغاة على الامام من المسلمين عليه السلام) فقال في الجواهر: (ويلحق بهم مانعوا الزكاة وان لم يكونوا مستحلين) ولكن على ما تفحصت الاقوال للقدماء قبل صاحب الجواهر لم اجد من تعرض لذالك ولو لم يكن الفحص مني شاملاً نعم ان مانع الزكاة اذا وقف بالسيف في وجه جابي الزكاة من الامام فيقاتل لبغيه لا لمجرد منعه الزكاة حتى ان الشيخ في الخلا ف عند بحثه عن أهل البغي في اول المبحث يبين معنى الباغي فيقول: (الباغي: من خرج على إمام عادل، و قاتله، و منع تسليم الحق اليه) فعطف ثلاثة مواضيع لتحقق عنوان الباغي فيستفاد منه ان مجرد الامتناع من اداء الحق لا يلحقه بالبغاة التي يجب جهادهم بل اذا خرج وقاتل يصبح باغياً ثم في المسئلة الثالثة قال:

(مانعوا الزكاة في أيام أبي بكر لم يكونوا مرتدين،و لا يجوز أن يسموا بذلك. و به قال الشافعي و أصحابه، إلا أنهم قالوا: قد سماهم الشافعي مرتدين من حيث منعوا حقا واجبا عليهم.و قال أبو حنيفة: هم مرتدون، لأنهم استحلوا منع الزكاة .دليلنا: أن إسلامهم ثابت، و من ادعى أن منع الزكاة ارتداد فعليه‌ الدلالة، و عليه إجماع الصحابة، لأن أبا بكر لما هم بقتالهم احتج عليه عمر منكرا عليه بقول النبي عليه السلام: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فاذا قالوها عصموا بها مني دمائهم و أموالهم إلا بحقها، فقال أبو بكر هذا من حقها، و الله لو منعوني عناقا كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه و آله لقاتلتهم عليها، و الله لا فرقت بين ما جمع الله، يعني قوله: أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ .و أبو بكر أقر عمر على اعتقاده الايمان فيهم، و احتج في قتالهم بمعنى آخر، و هو أنهم منعوا الزكاة، و لو كانوا مرتدين عند أبي بكر لقال له: فالقوم لا يقولون لا إله إلا الله، فلما لم يحتج عليه بذلك ثبت أن اعتقاده كاعتقاد عمر فيهم من الايمان.و لأن القوم منعوا بتأويل، و احتجوا حجة مقيم على الإسلام، فقالوا: قال الله تعالى «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ» «2» كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و آله سكنا لنا، و ليست صلاة ابن أبي قحافة سكنا لنا . فأخبروا انهم متمسكون بدين النبي عليه السلام، و فرقوا بينه و بين أبي بكر، فان صلاته كانت رحمة علينا، و صلاة أبي بكر ليست كذلك). نعم ان الشيخ لم ينف جواز قتالهم ولكن لم يتعرض ايضا لوجوب قتالهم فيظهر منه انه لايوجب القتال لمجرد منع الزكاة.

وهذا البحث ياتي في الركن الرابع عند ما يبحث عن قتال أهل البغي ونحن ايضاً نترك تفصيل الكلام للركن الرابع ، كما بحثه بعض الفقهاء في مبحث الزكاة

«باب قتال أهل البغي».قال الله تعالى «وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي‌ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ» «1» الاية.و روى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب (ع) انه خطب يوما بالكوفة، فقام اليه رجل من الخوارج فقال، لا حكم الا لله فسكت (ع) ثم قام آخر و آخر و آخر فلما أكثروا فقال صلوات الله عليه و آله «كلمة حق يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال، فلا نمنعكم مساجد الله ان تصلوا فيها، و لا نمنعكم الفي‌ء ما كانت أيديكم مع أيدينا، و لا أبتدءكم بحرب حتى تبدءوا، لقد أخبرني الصادق عن الروح الأمين عن رب العالمين: انه لا يخرج عليكم فئة قلت أو كثرت الى يوم القيامة الا جعل الله حتفها على أيدينا، و ان أفضل الجهاد جهادكم و أفضل المجاهدين من قتلكم و أفضل الشهداء من قتلتموه، فاعملوا ما أنتم عاملون، فيوم القيامة يخسر المبطلون و لكل‌ نبأ مستقر فسوف تعلمون». ‌و روى عنه عليه السلام انه حرّض الناس يوم الجمل على القتال، فقال «فَقٰاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لٰا أَيْمٰانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» ثم قال: «هذا و الله ما رمى أهل هذه الاية بسهم قبل اليوم» و روى عنه عليه السلام انه قال يوم الصفين «اقتلوا بقية الأحزاب و أولياء الشيطان، اقتلوا من يقول: كذب الله و رسوله». ‌و روى- انه لما أغارت خيل معاوية على الأنبار، و قتلوا عامله (ع) و انتهكوا حرم المسلمين، خرج (ع) بنفسه غضبان حتى انتهى الى النخيلة، فمضى الناس فأدركوه فقالوا ارجع يا أمير المؤمنين فنحن نكفيك المؤنة، فقال: و الله ما تكفوننى و لا تكفون أنفسكم، ثم قام فيهم خطيبا فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: «ان الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه، ألبسه الله تعالى الذلة و لشمله البلاء و الصغار و قد قلت لكم و أمرتكم ان تغزوا هؤلاء القوم قبل ان يغزوكم، فإنه ما غزى قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا، فجعلتم تتعللون بالعلل و تسوفون، و هذا عامل معاوية أغار على الأنبار فقتل عاملي عليها ابن حسان و انتهك أصحابه حرمات المسلمين، لقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة فينزع قرطها و خلخالها لا يمتنع منها ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم، فو الله لو ان امرءً مسلما مات من هذا أسفاً، ما كان عندي ملوماً بل كان عندي جديراً يا عجبا عجبت لبث القلوب و تشعب الأحزاب من اجتماع هؤلاء القوم‌ ‌على باطلهم و فشلكم عن حقكم، حتى صرتم غرضا تغزون و لا تغزون و يغار عليكم و لا تغيرون و يعصى الله و ترضون، إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم هذه أيام حارة القيظ امهلنا حتى ينسلخ الحر و إذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم هذه أيام صر و قر، و أنتم من الحر و البرد تفرون فأنتم و الله من السيف أفر.يا أشباه الرجال و لا رجال، يا طغام الأحلام و يا عقول ربات الحجال ، قد ملأتم قلبي غيظا بالعصيان و الخذلان، حتى قالت قريش: ان على بن ابى طالب لرجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب، فمن اعلم بالحرب منى؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين، و ها انا قد عاقبت على الستين و لكن لا رأى لمن لا يطاع، أبدلني الله بكم من هو خير لي منكم و أبدلكم من هو شر لكم مني.أصبحت و الله لا أرجو نفعكم و لا أصدق قولكم، و ما سهم من كنتم من سهمه الأسهم الاخيب، فقام اليه جندب بن عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين ها انا و أخي أقول كما قال موسى: رب انى لا أملك الا نفسى و أخي، فمرنا بأمرك، و الله لنضربن دونك و ان حال دون ما نريده جمر الغضا و شوك القتاد، فاثنى عليهما و قال: أين تبلغان رحمكما الله مما أريد.(المهذب (لابن البراج)، ج‌1، ص: 324) هذا الكلمات من امير المؤمنين انما اتيتبها تبركاً واعتباراً.