الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: جهاد البغاة

كان بحثنا حول موضوع الحكم في جهاد البغاة وقد ذكرنا بعض كلمات الفقهاء فمنهم من جمع بين المحارب والباغي ومنهم من جعل لكل من العنوانين بحثا مستقلاً بل جعلوا المحاربة في كتاب الحدود والبغاة في كتاب الجهاد ثم ذكرنا بعض الروايات مما يدل على على الوجوب و في متابعة بحثنا اليوم نعرض اليكم حديثاً آخر:

الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ‌ الْمُفِيدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَزْهَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَتَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادَ- فِي الْفِتْنَةِ مِنْ بَعْدِي- كَمَا كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَعِي- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا الْفِتْنَةُ- الَّتِي كُتِبَ عَلَيْنَا فِيهَا الْجِهَادُ- قَالَ فِتْنَةُ قَوْمٍ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ- وَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَ هُمْ مُخَالِفُونَ لِسُنَّتِي- وَ طَاعِنُونَ فِي دِينِي- فَقُلْتُ فَعَلَامَ نُقَاتِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ- وَ هُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ- فَقَالَ عَلَى إِحْدَاثِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَ فِرَاقِهِمْ لِأَمْرِي- وَ اسْتِحْلَالِهِمْ دِمَاءَ عِتْرَتِي الْحَدِيثَ.(المصدر ح6) دلالة الحديث لا بأس بها اذ ان رسول الله بعد ما يذكر وجوب الجهاد في الفتنة ويبين الفتنة بالاحداث في الدين والفراق لامر النبي صلى الله عليه ةآله واستحلال دماء العترة فهذه الامور مصاديق للبغي على الاسلام والمسلمين. ولكن في سنده قصور اذ انّه و لو أن علي بن بلال هو ابي الحسن البغدادي، وقد وثقه الكشي وورد منه ما يفيد جلالة شانه و وثقه النجاشي ايضاً وحسين بن عمر هو بن يزيد وثقه النجاشي ولكن الرجال الذين بعدهم لم يرد لهم توثيق ولذلك لا يمكن الاعتماد إلى هذا الحديث ايضاً.

ثم إن صاحب الجواهر بعد الحكم بوجوب دفع عادية العدو قال: (نعم قد يمنع الوجوب، بل قد يقال بالحرمة لو أراد الكفار ملك بعض بلدان الإسلام أو جميعها في هذه الأزمنة من حيث السلطنة مع إبقاء المسلمين على إقامة شعار الإسلام و عدم تعرضهم في أحكامهم بوجه من الوجوه، ضرورة عدم جواز التغرير بالنفس من دون إذن شرعي، بل الظاهر اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة مع الكفار في غير ما استثني، إذ هو في الحقيقة إعانة لدولة الباطل على مثلها).

وهذا الامر مما لا مصداق له، لانه لايمكن عادة أن يهجم الكفار إلى بلاد المسلمين ولم يمسوا دينهم وعرضهم واموالهم بشيئ، لانه لو لم ينتفعوا من هجومهم واستيلائهم فلم يبق لهم داعي للسلطة وهذا هي الدول المستعمرة منذ القدم شاهد على ذالك وكذالك هجوم الطغاة كالمعاوية و امثاله ارادوا بسلطتهم استذلال المؤمنين وارغامهم وسدهم عن سبيل الله مضافا إلى نهب خيراتهم و سلب حرياتهم ولذالك تدارك رضوان الله عليه حق المطلب بقوله: (نعم لو أراد الكفار محو الإسلام و درس شعائره و عدم ذكر محمد صلى اللّٰه عليه و آله و شريعته فلا إشكال في وجوب الجهاد حينئذ و لو مع الجائر لكن بقصد الدفع عن ذلك لا إعانة سلطان الجور، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص بالخصوص التي تقدم بعضها، و إلى عموم الأمر بالقتال في الآيات المتكثرة الشاملة للفرض، بل ظاهر الأصحاب أنه من أقسام الجهاد فتشمله حينئذ آياته و رواياته)

ثم هناك كلام في قول المحقق: (وكل من يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور اليهم إما لكفهم واما لنقلهم إلى الاسلام) فقيل ان هذا الكلام من اللف والنشر المرتب فالكف للبغاة والنقل لاهل الذمة والمشركين.

وقد اشكل على ذالك بعض الفقهاء منهم صاحب المسالك حيث قال: (غاية الكفّ يتحقق في البغاة، لأنّهم مسلمون، فيطلب بجهادهم كفّهم عن أهل الحقّ، و رجوعهم عن البغي. و في باقي الكفّار إذا لم يقدر على نقلهم إلى الإسلام، بأن كان فيهم قوّة و قد قصدوا المسلمين بحيث لا يرجى نقلهم. و أمّا إذا كان في المسلمين قوّة قصدوا بسببها الكفّار رجاء نقلهم إلى الإسلام تحقّقت الغاية الأخرى. و قد يتحقق للجهاد غاية ثالثة، و هي التزامهم بشرائط الذمّة).(مسالك ج3 ص20) وبذالك جعل الكف هدفا للقتال في اعم من البغاة كما يرى الانتقال إلى الاسلام ايضا شامل للبغاة لانهم بردهم على الامام اصبحوا كفاراً مرتدّون عن الاسلام فيطلب نقلهم إلى الاسلام.

ثم ذكر اشكالا وجوابه فقال: (فإن قيل: إذا كانوا مرتدّين فارتدادهم فطري، فكيف يطلب إسلامهم، مع أنّه لا يقبل توبة هذا القسم من المرتدّين عندنا؟ قلنا: قد قبل علي عليه السلام توبة من تاب من الخوارج و هو أكثرهم. و قد قال لخارجي لم يرجع: «لكم علينا ثلاث:أن لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه، و لا نمنعكم الفي‌ء ما دامت أيديكم معنا، و لا نبدأ بقتالكم» ( راجع إلى الكامل لابن اثيرج3ص335). و هذا يدلّ على أنّ لهذا النوع من المرتدين حكماً خاصاً. و جاز أن يكون السبب- مع النص- تمكّن الشبهة من قلوبهم، فيكون ذلك عذرا في قبول توبتهم قبل دفعها، كما أنّ أحكام المرتدّين ليست جارية عليهم مع التوبة).(مسالك ج3ص21).

ولكن يمكن القول بان البغاة على قسمين: منهم من عادى المعصوم وحاربه فهو كافر وخارج عن الايمان حسب ما ورد في روايات كثيرة. ومنهم لا يعادي المعصومين وانما هو فاسق فاجر فيتجاوز على المسلمين من دون ان يعادي الله او رسوله او احد المعصومين عليهم السلام، نعم قد يلازم مواقفهم العداء للدين، ولكن لا يؤخذ الانسان بلوازم قوله او فعله، العقلية او الشرعية، الا اذا اقرّ باللوازم ايضاً وهذا امر يسهِّل القول باسلام كثير من الغلاة او المقصرين في حق اهل البيت عليهم السلام.

كما يستفاد من كلام ابي الصلاح الحلبي في الكافي: (و ان كانوا محاربين و هم الذين يخرجون عن دار الأمن لقطع الطريق و اخافة السبيل و السعي في الأرض بالفساد، فعلى سلطان الإسلام أو من تصح دعوته أن يدعوهم الى الرجوع الى دار الأمن و يخوفهم من الإقامة على المحاربة من تنفيذ أمر الله فيهم، فان أنابوا و وضعوا السلاح و رجعوا الى دار الأمن فلا‌سبيل عليهم، الا أن يكونوا قد أخذوا مالا فيردوه أو قتلوا مسلما أو ذميا أو جرحوا فيقتص منهم للمسلم و تؤخذ دية الذمي.و ان أصروا على الحرب قصد بأنصار الإسلام إليهم و هم كل متمكن من الحرب و ان كان الداعي ظالما).(الكافي في الفقه ص251).