الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع :جهاد البغاة

كان بحثنا في كلام المحقق بعد ما انتهى من الركن الاول في كتاب الجهاد فقال: (الركن الثاني في بيان من يجب جهاده وكيفية الجهاد)

ثم قال: (وفيه اطراف: الاول فيمن يجب جهاده وهم ثلاثة: البغاة على الامام من المسلمين عليه السلام وأهل الذمة وهم اليهود والنصارى والمجوس اذا أخلوا بشرائط الذمة ومن عدا هؤلاء من اصناف الكفار) ونحن بدئنا البحث في البغاة تبعا للمحقق و قد ذكرنا بعض أقوال اللغويين في معنى البغي ففي العين فسره بالفجر مرة وبالظلم اخري، وجاء في مقاييس اللغة: (بغى‌: الباء و الغين و الياء، أصلان: أحدهما طلب الشئ، و الثانى جنس من الفساد. فمن الأوّل بغيتُ الشئ أبغيه، إذا طلبته. و يقال بغيتك الشّى‌ء إذا طلبته لك، و أبغيتك الشّئ إذا أعنتك على طلبه. و البَغية و البُغية الحاجة.و تقول: ما ينبغى لك أن تفعل كذا..... و الأصل الثانى: قولهم بغى الجُرح، إذا ترامى إلى فساد، ثم يشتقّ من هذا ما بعده. فالبَغىُّ الفاجرة، تقول بغت تبغى بغاء، و هى بغىٌّ. و منه أن يبغى الإنسان على آخر. و منه بغى المطر، و هو شدّته و معظمه. و إذا كان ذا بغى فلا بدّ أن يقع منه فساد). فكانه اراد ان يقول للبغي معنيين متغايرين : طلب الشيئ وجنس الفساد ولكن الظاهر ان للبغي معنى واحدا يستعمل في موارد شتى بالمناسبة وهذا الامر مشهود في كثير من المفردات، وعادة ان اللغويين يذكرون موارد الاستعمال باستقرائهم ولكن عند ما نتأمل في تلك الموارد المستعمل فيها نري تلك كلها تعود إلى معنى واحدا وفى كثير منها استعملوا اللفظ في المعنى المجازي والكنائي للتناسب الموجود بينه وبين المعنى الحقيقي.

ولعل احسن من فسر البغي هو الراغب في مفرداته حيث قال: (البَغْي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، و تارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بَغَيْتُ الشي‌ء: إذا طلبت أكثر ما يجب، و ابْتَغَيْتُ كذلك، قال اللّه عزّ و جل: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ [التوبة/ 48]، و قال تعالى: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة/ 47].)

ثم قال: (و البَغْيُ على ضربين: أحدهما محمود، و هو تجاوز العدل إلى الإحسان، و الفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، و هو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه، كما قال عليه الصلاة و السلام: «الحقّ بيّن و الباطل بيّن، و بين ذلك أمور مشتبهات، و من رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه، و لأنّ البغي قد يكون محمودا و مذموما، قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي‌الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى/ 42]، فخصّ العقوبة ببغيه بغير الحق).

ولكن هذين الدليلين كلاهما ملحوظ فيه، اما الحديث فلم يأت فيه مفردة البغي كي نستنبط منه معناه، واما الآية المباركة انما يمكن استنباط المعنيين منها اذا جعلنا قوله: "بغير الحق" في ذيل الآية قيدا احترازياً، ولكن ان كان قيدا توضيحياً فلا يفيدنا في ما نحن فيه شيئاً.

ثم قال الراغب: (و أَبْغَيْتُك: أعنتك على طلبه، و بَغَى الجرح: تجاوز الحدّ في فساده، و بَغَتِ المرأة بِغَاءً: إذا فجرت، و ذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها. قال عزّ و جلّ: "وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً" [النور/ 33]، و بَغَتِ السماء: تجاوزت في المطر حدّ المحتاج إليه، و بَغَى: تكبّر، و ذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، و يستعمل ذلك في أي أمر كان. قال تعالى: "يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ" [الشورى/ 42]، و قال تعالى: "إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‌ أَنْفُسِكُمْ" [يونس/ 23]، "ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ" [الحج/ 60]، "إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى‌ فَبَغى‌ عَلَيْهِمْ" [القصص/ 76]، و قال: "فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‌ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي" [الحجرات/ 9]، فالبغي في أكثر المواضع مذموم، و قوله: "غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ" [البقرة/ 173]، أي: غير طالب ما ليس له طلبه و لا متجاوز لما رسم له. قال الحسن: غير متناول للذّة و لا متجاوز سدّ الجوعة و قال مجاهد رحمه اللّه: غير باغ على إمام و لا عاد في المعصية طريق الحق).

فالبغي هو طلب الشيء ملحا عليه متجاوزاً حدّه ، ولكن عندما يستعمل مجردا يستعمل في الباطل والمذموم منه وعند ما يستعمل من باب الافتعال فيستعمل في مطلق الطلب والمضاف اليه هو القرينة على كونه محموداً او مذموماً.

اما في مصطلح الفقه االذي هو موضوع الجهاد هو عبارة عن شهر السلاح ظلما وزورا للحصول على بعض الاغراض المالية او السياسية. فيشترط موضوعنا بامرين أحدهما ان يكون الطلب للباطل بفرضه على الامام او الشعب بالسلاح والقوة، وثانيا ان يكون في ضمن جماعة وتنظيم مسلح، لانه لو كان امرا فردياً لا يعتبر قتاله جهادا كما بيناه عند بيان حقيقة الجهاد الذي هو موضوع للبحث في كتاب الجهاد.

واصرح آية تدعونا إلى جهاد أهل البغي هي قول الله تعالى: "وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‌ فَقاتِلُوا الَّتي‌ تَبْغي‌ حَتَّى تَفي‌ءَ إِلى‌ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات10) ولا بأس ان نشير إلى نقطة في هذه الاية المباركة ولو تكون خارجا عن موضوعنا، وهي ان هذا الاية اطلقت على متقاتلين من المسلمين عنوان الايمان ثم سمي الطائفة الباغية مؤمنة، فالمراد فيها المؤمن بالمعنى الأعم الذي يشمل كل من يقول لااله الا الله ومحمد رسول الله صلى الله عليه آله، ثم في الآية التي تليها جعلنا ربنا إخوة فدعانا إلى المحبة والوداد لكل المسلمين بشتى انتمائاتهم وهذا هو الوحدة التي يدعوا اليها الاسلام ولو انطبقت هذه التعليمة في واقع حياة المسلمين لاصبحوا أعز الامم على وجه البسيطة ولم تكن تجترئُ قوة في العالم ان يطاول عليهم و يطلب الاستيلاء على خيراتهم.