الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :من يجب جهاده

بعد ما فرغنا عن الركن الاول في كتاب الجهاد وكان البحث فيه في من يجب عليه الجهاد، مع الفروع المتفرعة او المتناسبة للبحث وبعد ذالك قال المحقق رضوان الله عليه:

(الركن الثاني في بيان من يجب جهاده وكيفية الجهاد):

ثم قال: (وفيه اطراف: الاول فيمن يجب جهاده وهم ثلاثة: البغاة على الامام من المسلمين عليه السلام وأهل الذمة وهم اليهود والنصارى والمجوس اذا أخلوا بشرائط الذمة ومن عدا هؤلاء من اصناف الكفار) هذا التقسيم الثلاثي مذكور في لسان كثير من الفقهاء القدامى والمتاخرين و سوف نتعرض لبعض نصوص كلامهم. ولكن بما ان خطة بحثنا ماخوذة من الشرائع فنسير على خطاه فرعا بعد فرع وهنا اول من ذكر وجوب جهاده هم البغاة على الامام من المسلمين عليه السلام خلافا للترتيب الذي ورد في كلمات سائر الفقهاء من تقديم المشركين ثم اهل الكتاب ثم البغاة ولعل ما سلكه الفقهاء دون المحقق كان اولى لان المشركين هم الأبعد عن الاسلام ثم أهل الكتاب من الكفار ثم أهل البغي، وعلى كل حال وجوب جهاد اهل البغي ضروري يدل عليه العقل والنقل. ولكن قبل ذالك لابد من تحديد مفهوم البغاة سعة وضيقاً، اما أهل اللغة فقد فسروا البغي فقال في العين: (بَغَى بِغَاءً، أي: فجر... و البَغْيُ: الظلم. و البَاغِي: الظالم) وفي قاموس المحيط: (امْرأةٌ بَغِيٌّ، تَبْغي بِغَاءً: أي فَجَرَتْ). وجاء في مقاييس اللغة: (بغى‌: الباء و الغين و الياء، أصلان: أحدهما طلب الشئ، و الثانى جنس من الفساد. فمن الأوّل بغيتُ الشئ أبغيه، إذا طلبته. و يقال بغيتك الشّى‌ء إذا طلبته لك، و أبغيتك الشّئ إذا أعنتك على طلبه. و البَغية و البُغية الحاجة.و تقول: ما ينبغى لك أن تفعل كذا..... و الأصل الثانى: قولهم بغى الجُرح، إذا ترامى إلى فساد، ثم يشتقّ من هذا ما بعده. فالبَغىُّ الفاجرة، تقول بغت تبغى بغاء، و هى بغىٌّ. و منه أن يبغى الإنسان على آخر. و منه بغى المطر، و هو شدّته و معظمه. و إذا كان ذا بغى فلا بدّ أن يقع منه فساد). وقال في الراغب الاصفهاني في مفردات غرائب القرآن: (البَغْي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، و تارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بَغَيْتُ الشي‌ء: إذا طلبت أكثر ما يجب، و ابْتَغَيْتُ كذلك، قال اللّه عزّ و جل: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ [التوبة/ 48]، و قال تعالى: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة/ 47]. و البَغْيُ على ضربين:

أحدهما محمود، و هو تجاوز العدل إلى الإحسان، و الفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، و هو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه، كما قال عليه الصلاة و السلام: «الحقّ بيّن و الباطل بيّن، و بين ذلك أمور مشتبهات، و من رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه، و لأنّ البغي قد يكون محمودا و مذموما، قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي‌الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى/ 42]، فخصّ العقوبة ببغيه بغير الحق. و أَبْغَيْتُك: أعنتك على طلبه، و بَغَى الجرح: تجاوز الحدّ في فساده، و بَغَتِ المرأة بِغَاءً: إذا فجرت، و ذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها. قال عزّ و جلّ: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور/ 33]، و بَغَتِ السماء: تجاوزت في المطر حدّ المحتاج إليه، و بَغَى: تكبّر، و ذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، و يستعمل ذلك في أي أمر كان. قال تعالى: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى/ 42]، و قال تعالى:إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‌ أَنْفُسِكُمْ [يونس/ 23]، ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج/ 60]، إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى‌ فَبَغى‌ عَلَيْهِمْ [القصص/ 76]، و قال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‌ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرات/ 9]، فالبغي في أكثر المواضع مذموم، و قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ [البقرة/ 173]، أي: غير طالب ما ليس له طلبه و لا متجاوز لما رسم له. قال الحسن: غير متناول للذّة و لا متجاوز سدّ الجوعة و قال مجاهد رحمه اللّه: غير باغ على إمام و لا عاد في المعصية طريق الحق).

فخلاصة القول ان ما يستفاد من كلمات اهل اللغة و موارد الاستعمال في القرآن ان البغي هو عبارة عن التجاوز عن الحد فسوف ناتي إلى مصطلح البغي في لسان الفقهاء والذي جعلوه موضوعا لحكمهم في وجوب جهاد البغاة انشاء الله.