الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب الهجرة من بلاد الشرك

قد ذكرنا ادلة التي استدل بها على وجوب المهاجرة من بلاد الشرك لحفظ الدين وللتمكن من أداء الواجبات وترك المحرمات وقلنا لعلّ مراد المحقق من اظهار شعائر الاسلام هو حفظ الايمان و اداء الواجبات وترك المحرمات ودلالة الآيات التي ذكرناها على هذا المعنى لاينكر. وهذا هو ظاهر كلمات بعض الفقهاء الذين تناولوا هذا البحث واليك نموذج منها: قال الشيخ في المبسوط: (لما نزل قوله تعالى «أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا» فأوجب الهجرة.و كان الناس على ثلاثة أضرب: منهم من يستحب له و لا يجب عليه، و منهم من لا يستحب له و لا يجب عليه. و منهم من يجب عليه.

فالذي يستحب له و لا يجب ‌عليه من أسلم بين ظهراني المشركين و له قوة بأهله و عشيرته و يقدر على إظهار دينه و يكون آمنا علي نفسه مثل العباس بن عبد المطلب و عثمان، كان يستحب له أن يهاجر لئلا يكثر سواد المشركين، ولا يلزمه لأنه قادر على إظهار دينه.

و أما الذي لا يجب و لا يستحب له فهو أن يكون ضعيفاً لا يقدر على الهجرة فإنه يقيم إلى أن يتمكن و يقدر.

وأما الذي تلزمه الهجرة و تجب عليه من كان قادراً على الهجرة و لا يأمن على نفسه من المقام بين الكفار، و لا يتمكن من إظهار دينه بينهم فيلزمه أن يهاجر لقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلٰائِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قٰالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا» فدلّ هذا على وجوب الهجرة على المستضعف الذي لا يقدر على إظهار دينه،

و دليله أن من لم يكن مستضعفا لا يلزمه ثم استثنى من لم يقدر فقال"إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلٰا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولٰئِكَ عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ" (المبسوط في فقه الإمامية 2ص3-4) ونظيرهذا الكلام نجده في المنتهى عن العلامة (راجع ج14منتهى المطلب في تحقيق المذهب ص19).

و الانصاف ان الآيات فوقها دالة على عدم جواز استيطان في بلاد الكفر اذا أضر بالدين وأخلّ باداء الفرائض وترك المحارم .

ويمكن ان نضيف إلى هذه الآيات . حكم العقل بلزوم طاعة المولى تعالى و بعض الآيات المطلقة كقوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ" (التحريم6). وغيرها مما ورد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتناب عن معاشرة الفاسق وعدم تولي الكفار.

ثم نبه المصنف إلى نقطة مهمة وهو عدم الزعم بأن آيات الهجرة انما كانت تختص بصدر الاسلام وعصر النبي المعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (و الهجرة باقية ما دام الكفر باقياً)،ولاخلاف في ذالك عندنا وقد نسب في المسالك القول بعدم بقاء وجوب الهجرة إلى بعض العامة، مستندا إلى النبوي المذكور عند كلا الفريقين من قوله صلى الله عليه وآله: حسن ابن محمد الطوسي في الامالي عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُفِيدِ عَنِ ابْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ‌ الْحَسَنِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ جَمِيعاً عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ وَ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمِيثَمِيِّ جَمِيعاً عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي حَدِيثٍ وَ لَا تَعَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ"(وسائل ج15 باب 36 من ابواب جهاد العدوح7ص102).

اما السند ففيه حسين ابن حسن بن أبان، قال الكشي في حقه ذكر ابن قولويه إنه قرابة الصفار وسعدبن عبد الله وهو أقدم منهما...وقال ايضا: محمد ابن الحسن ابن أبان روى عن الحسين ابن سعيد كتبه كلها، روى عنه ابن الوليد ثم علق مجمع الرجال على هذا الكلام فقال: فدل على جلالة الرجل و إعتباره (مجمع الرجال لعناية الله القهپائي ج2 ص170) اما منصور ابن يونس قال الكشي فيه: (منصور بن يونس بُزُرج من أصحاب الكاظم عليه السلام). ثم يروي بسنده: (عن ابراهيم ابن عثمان ابن القاسم قال قال لي منصور بزرج قال لي ابو الحسن عليه السلام و دخلت عليه يوما: يا منصور اما علمت ما أحدثتُ في يومي هذا؟ قال قلت لا، قال: قد صيرت عليا لبني وصيي والخلف من بعدي فادخُل فهنّئه بذالك وأعلمه أني أمرتك بهذا، قال فدخلت عليه فهنأته بذلك وأعمته أن أباه أمرني بذالك، قال الحسن ابن موسى ثم جحد منصور هذا بعد ذلك لأموال كانت في يده فكسرها وكان منصور أدرك ابا عبد الله عليه السلام.وقال: له كتاب واقفي) . ولكن النجاشي يقول فيه: (منصور بن يونس بزرج أبو يحيى كوفي ثقة روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام...). ويقدم توثيق النجاشي لان قدحه لم يكن في روايته مضافا إلى ان ظرف القدح كان متأخراً عن رواياته.

اما دلالتها: فيحمل ان المراد من الفتح فتح مكة ونفي الهجرة نفي للهجرة عن المكة لانه لم يكن بعد فتح مكة خوف في العمل بالاسلام فيها. مضافا إلى معارضتها على فرض نفي الهجرة بالاطلاق: قال صاحب الجواهر بعد ذكر الرواية الآنفة الذكر: ( مع عدم ثبوته من طرقنا معارض بالآخر) وهو قوله صلى الله عليه واله: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" (سنن أبي داود 3ج: ص3 ح 2479).

ولكن ينبغي الاحتراز جداً عن الاستيطان في بلاد الشرك فان في ذالك خطر عظيم على المقاطن وعلى أهله واولاده، روى في الوسائل بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع كَتَبَ إِلَيْهِ فِيمَا كَتَبَ- مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ وَ حَرَّمَ اللَّهُ التَّعَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ- لِلرُّجُوعِ عَنِ الدِّينِ- وَ تَرْكِ الْمُوَازَرَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَ الْحُجَجِ ع- وَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ- وَ إِبْطَالِ حَقِّ كُلِّ ذِي حَقٍّ لِعِلَّةِ سُكْنَى الْبَدْوِ- وَ لِذَلِكَ لَوْ عَرَفَ الرَّجُلُ الدِّينَ كَامِلًا- لَمْ يَجُزْ لَهُ مُسَاكَنَةُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ- لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ تَرْكُ الْعِلْمِ- وَ الدُّخُولُ مَعَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَ التَّمَادِي فِي ذَلِكَ.(وسائل ج15 ص100). نعم اذا استطاع الانسان ان يحفظ نفسه وأهله و يستغل تلك البلاد للتبليغ فلابأس بالسكن فيها كما ورد ايضا، عَنْ حَمَّادٍ السَّمَنْدَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع إِنِّي أَدْخُلُ- بِلَادَ الشِّرْكِ وَ إِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَقُولُونَ- إِنْ مِتَّ ثَمَّ حُشِرْتَ مَعَهُمْ قَالَ فَقَالَ لِي يَا حَمَّادُ- إِذَا كُنْتَ ثَمَّ تَذْكُرُ أَمْرَنَا وَ تَدْعُو إِلَيْهِ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ- قَالَ فَإِذَا كُنْتَ فِي هَذِهِ الْمُدُنِ مُدُنِ الْإِسْلَامِ- تَذْكُرُ أَمْرَنَا وَ تَدْعُو إِلَيْهِ قَالَ قُلْتُ: لَا- فَقَالَ لِي إِنَّكَ إِنْ تَمُتْ ثَمَّ تُحْشَرْ أُمَّةً وَحْدَكَ- وَ يَسْعَى نُورُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ. (المصدر ص101)

أما دلالتها:و روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال:لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها، وما روى من قوله صلى الله عليه و آله لا هجرة بعد الفتح معناه لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، و قيل:المراد لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار الإسلام)