الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

37/01/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب الجهاد للمعسر اذا بذل له
علمنا سابقا ان من المعاذير التي يسقط معه وجوب الجهاد هو الفقر وعدم امتلاك مؤنة الجهاد قال تعالى : " ولَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ لاَ عَلَى الْمَرْضَى وَ لاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ لاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ  [1][2]هنا طرح المحقق فرعاً وهوما حكم من لايملك مؤنة الجهاد ولكن هناك من يتبرع له مؤونة الجهاد؟ قال المحقق: (و إذا بذل للمعسر ما يحتاج إليه وجب و لو كان على سبيل الأجرة لم يجب) [3] . وجوب الجهاد للمعسر اذا بذل له الموسر هو على وفق القاعدة، لان الفقر عذر لعدم تمكنه من الجهاد فاذا وجد الفقير باذلاً  فهو يصبح واجداً، فلا موضوعية للفقر للعذر، ولذالك كثير من الفقهاء عند ما ذكروا الفقر عذراً، قيدوا بما اذا استلزم الجهاد سفراً وقالوا اذا كان ارض الجهاد قريباً يجب عليه قال الشيخ في مبسوطه: (و أما الإعسار فإنه ينظر فإن كان الجهاد قريباً من البلد و حوله لزم كل أحد و لا يعتبر فيه وجود المال، و إن كان على بُعدٍ نُظر، فإن كان مسافة لا تقصر فيها الصلاة فمن شرطه الزاد و نفقة الطريق و نفقة من تجب عليه نفقته إلى حين العود، و ثمن السلاح، فإن لم يجد فلا يلزمه شي‌ء لقوله: "وَ لٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذٰا نَصَحُوا لِلّٰهِ وَ رَسُولِهِ" [4] و إن كانت المسافة أكثر من ذلك فمن شرطه أن يكون واجداً لما ذكرناه‌ في المسافة القريبة و زيادة راحلة  لقوله "وَ لٰا عَلَى الَّذِينَ إِذٰا مٰا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لٰا أَجِدُ مٰا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ" [5]  [6] و قريب من هذا المعنى ورد من غيره من الفقهاء لانذكرها رعاية للاختصار . فالميزان في وجوب الجهاد هو التمكن منه سواء كان من ماله او مال باذل. كما ان في عصورنا حيث تتكفل الحكومات بمؤنة الجهاد فالغني والفقير سيان في الوجوب عليهم وادلة وجوب ا لجهاد مطلقة يشمل مثل هؤلاء الفقراء ولعل في قوله تعالى: "وَ لٰا عَلَى الَّذِينَ إِذٰا مٰا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لٰا أَجِدُ مٰا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ" ايعاز إلى هذا الامر.
اما قول المصنف: (و لو كان على سبيل الأجرة لم يجب) فصل المصنف بين البذل والإجارة فأوجب في الأول ولم يوجب في الثاني، ومثله ما  قال العلامة الحلي في الارشاد قال: (و يسقط: عن الأعمى، و الزمن، و المريض العاجز، و الفقير العاجز عن نفقته و نفقة عياله و ثمن سلاحه- فإن بذل له ما يحتاج إليه وجب، و لا يجب لو كان أجرة) [7] فما هو السر في هذا التفصيل؟ وقال الشهيد في المسالك: (و الفرق بين الأمرين أنّ الإجارة لا تتم إلّا بالقبول، و هو نوع اكتساب لا يجب تحصيله للواجب المشروط به، بخلاف البذل، فإنّه يتحقق بالإيجاب خاصّة، و هو من فعل الباذل. و وجوب القبول على المبذول له هو المشهور، بل لم ينقلوا فيه خلافا).
نجد مثل هذا التفصيل في استطاعة الحج أيضاً فيقال: من لم يملك مؤنة الحج  و نفقة عياله في مدة السفر فهو ليس بمستطيع ولا يجب عليه الحج، ولكن اذا بذل له باذل يجب عليه القبول وبمجرد البذل يصبح مستطيعاً، فان لم يقبل المال من الباذل فيستقر الحج على ذمته، ولكن اذا استاجره مستاجر للخدمة في الحج لا يجب عليه القبول ولا يصبح مستطيعاً الا اذا قبل ذالك.
وكذالك قد يقال: إن وهبه مالاً يكفيه للحج لا يجب عليه القبول و ان بذل له مالاً لان يحج به يجب عليه القبول والفارق بينهما أن هبة المال عقد لا يتم إلا بالقبول، ولا يجب للمكلف تحصيل الاستطاعة بخلاف ما عرض عليه المال ليحج به، فانه بمجرد العرض هو قادر على الحج فهو مستطيع.
 ومما يذكر لسرّ المطلب ان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، فقبل الاستطاعة لا وجوب كي يوجب مقدمته لان موضوع الوجوب هو المكلف المستطيع والحكم لا يتكفل لموضوعه، فلا يجب عليه تحصيل الاستطاعة والاستطاعة عبارة عن القدرة في الجسم وتخلية السِرب و وجدان مال يكفيه لمؤنة السفر. و بمجرد اقتراح المستاجر و حتى قرائة الايجاب لا يصبح المكلف واجداً ما لم ينطق بالقبول. بخلاف البذل فان البذل هو ايقاع لا يتوقف على القبول، نعم ملكية المبذول له للمال موقوف على قبوله، ولكن الاستطاعة ليس مشروطاً بان يملك الحاج مؤنة سفره بل يكفيه ان يتوفر له امكان الذهاب ولذالك يقولون اذا لم يعطه الباذل شيئاً من المال وانما تكفل بمؤنة سفره طيلة السفر واطمأن المبذول له بالوفاء يصبح مستطيعا. والسيد الخوئي رضوان الله عليه يرى تحقق الاستطاعة حتى اذا لم يطمئن بالوفاء مستدلا على ان من يملك المال ايضاً غير مطمئن ببقاء ماله إلى آخر الحج.
هذا جانب من المباحث في مبحث الاستطاعة للتقريب لما نحن فيه من الجهاد ولم نتعرض في المسئلة لكثير من المناقشات والخلافات في الآراء رعاية للاختصار.
وفي ما نحن فيه ان بذل المال للجهاد يجب عليه القبول لانه يصبح واجداً وان اراد ان يهب له مال يكفيه لمؤنة الجهاد او يستاجره للجهاد لا يجب عليه القبول لانه تجارة ان تمّت تجعله واجداً وقادراً على الجهاد ولكن اصل القبول لا دليل على وجوبه لان تحصيل الاستطاعة غير واجب لان الاستطاعة جزء لموضوع الحكم لا مقدمة للامتثال فتأمل تجد ما قلناه.


[1] توبه/سوره9، آیه91.
[2] توبه/سوره9، آیه92.
[3]  مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج3، ص15.
[4] توبه/سوره9، آیه91.
[5] توبه/سوره9، آیه92.
[6]  المبسوط، الشيخ الطوسي، ج2، ص6
[7]  إرشاد الأذهان، العلامة الحلي، ج1، ص343.