الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/12/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : موانع الجهاد
قد بحثنا حول الفرع الاول من الفروع الثلاثة التي ذكرها المحقق، وهو هل للدائن منع المدين عن الجهاد؟
ثم قال: (الثاني للأبوين منعه عن الغزو‌ما لم يتعين عليه) [1]. اذا كانا مسلمين عاقلين حرّين، هذا ما شرطه صاحب الجواهر لسقوط وجوب الجهاد بمنع الابوين، ثم قال بلا خلاف اجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة والايضاح الاجماع عليه.
في هذه المسئلة جهات من البحث احدها: انه لا يخفى ان البحث في اشتراط الاذن او مانعية المنع انما هو فيما اذا كان الجهاد غير متعين على المكلف اما اذا كان وجوب الجهاد تعين فيه كما اذا امر الامام شخصا بعينه او لم يقم بالجهاد من فيه كفاية او كان هجمة العدو واسعة يحتاج التصدي لها لحضور الجميع، فلا شك و لا خلاف في عدم تأثير منع الوالدين وعدم اشتراط اذنهما في جواز الجهاد بل وجوبه فالكلام محصور على ظروف لم يتعين على المكلف المشاركة في الجهاد.
ثانيها : هل منع الوالدين مانع عن جواز الجهاد او اذنهما شرط لجواز الجهاد؟. ظاهر تعبيرات الفقهاء مختلفة في ذالك فما يستفاد من كلام المحقق ان لهما حق المنع من الجهاد وسقوط الجهاد بمنعهما. وظاهر كلام الشيخ في المبسوط ان اذنهما شرط في جواز الجهاد حيث يقول (و أما الأبوان فإن كانا مسلمين لم يكن له أن يجاهد إلا بأمرهما و لهما منعه) وهنا المراد من الامر هو الاذن لانه لا شك في عدم اشتراط الجهاد بامر الوالدين. وكذالك قال العلامة في المنتهى: (من له ابوان مسلمان لم يجاهد تطوعاً الا باذنهما ولهما منعه، وبه قال كافة أهل العلم)  نعم كثير من الفقهاء اقتصروا على المنع فالمهم مراجعة الادلة والنظر في دلالتها ؟
 اما الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: "وقضى ربك ان لاتعبدوا الا اياه وبالوالدين احساناً اما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما او كلاهما فلا تقل لهما افٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً" [2] الاية وهذه الاية تدل على لزوم الاحسان اليهما وحرمة ايذائهما فالأمر يدور حول الايذاء فقد يكون مخالفة نهيما لا يوجب ايذائهما كما اذا لم يطلِّعا على الفعل، او اذا كان مقروناً باللطف والرحمة. وأقصى ما يمكن ان يستدل بها عدم الجواز مع منعهما او فقل ان النسبة بين الإيذاء وعدم الطاعة عموم من وجه.
واما الروايات التي يمكن الاستدلال بها:
منها : رواية جابر: كليني: وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ص رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ نَشِيطٌ- وَ أُحِبُّ الْجِهَادَ وَ لِي وَالِدَةٌ تَكْرَهُ ذَلِكَ- فَقَالَ‌: النَّبِيُّ ص ارْجِعْ فَكُنْ مَعَ وَالِدَتِكَ- فَوَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَأُنْسُهَا بِكَ لَيْلَةً- خَيْرٌ مِنْ جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَنَةً" [3]  سنده ضعيف بعمروبن شمر فقد ضعفه النجاشي والغضائري ولكن دلالته لا بأس بها حيث ان المنع عادة يلازم الكراهة. و قد امره رسول الله بكونه مع الوالدة ولكن التعليل مشعر بالترجيح لا الوجوب.
ومنها : رواية جابر الاخرى: "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْمَجَالِسِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ ع قَالَ: جَاءَ  رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- إِنِّي رَاغِبٌ فِي الْجِهَادِ نَشِيطٌ- قَالَ فَجَاهِدْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّكَ إِنْ تُقْتَلْ- كُنْتَ حَيّاً عِنْدَ اللَّهِ تُرْزَقُ- وَ إِنْ مِتَّ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُكَ عَلَى اللَّهِ- وَ إِنْ رَجَعْتَ خَرَجْتَ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا وُلِدْتَ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي وَالِدَيْنِ كَبِيرَيْنِ- يَزْعُمَانِ أَنَّهُمَا يَأْنَسَانِ بِي وَ يَكْرَهَانِ خُرُوجِي- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَقِمْ مَعَ وَالِدَيْكَ- فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُنْسُهُمَا بِكَ يَوْماً وَ لَيْلَةً- خَيْرٌ مِنْ جِهَادِ سَنَةٍ.مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَقِرَّ مَعَ وَالِدَيْكَ"  [4]
السند ضعيف لعمرو ابن شمر والدلالة كالرواية اعلاها .
 ومنها رواية موسى ابن اسمائيل وهي:  الْبِحَارُ، عَنْ كِتَابِ الْإِمَامَةِ وَ التَّبْصِرَةِ لِعَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّيبَاجِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَثِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَاغِبٌ فِي الْجِهَادِ نَشِيطٌ قَالَ فَجَاهِدْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّكَ إِنْ تُقْتَلْ كُنْتَ حَيّاً عِنْدَ اللَّهِ تُرْزَقُ وَ إِنْ مِتَّ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُكَ عَلَى اللَّهِ وَ إِنْ رَجَعْتَ خَرَجْتَ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا وُلِدْتَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي وَالِدَيْنِ كَبِيرَيْنِ يَزْعُمَانِ أَنَّهُمَا يَأْنَسَانِ بِي وَ يَكْرَهَانِ خُرُوجِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَقِمْ مَعَ وَالِدَيْكَ فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُنْسُهُمَا بِكَ يَوْماً وَ لَيْلَةً خَيْرٌ مِنْ جِهَادِ سَنَةٍ‌  [5]  السند ضعيف باكثر من جهة والدلالة لا بأس به. وبالإحتمال الاغلب هذه نفس الرواية السابقة بسند آخر.
 ومنها ما عن عَوَالِي اللآَّلِي، رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ص جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَاهِدُ فَقَالَ أَ لَكَ أَبَوَانِ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ‌" [6] اما السند ولو ان صاحب غوالي اللئالي قال هذا حديث صحيح ولكنه مرسل لا اعتبار به، ولكن دلالتها على ترجيح خدمة الوالدين تامة.
 وهنا نذكر كلام العلامة في التذكرة ونمرّ عليه مرورا عابرا لانه ذكر جُلّ ادلة التي استدل بها سائر الفقهاء: قال: (فمن كان له أبوان مسلمان أو أحدهما ليس له الجهاد إلّا بإذنهما أو بإذن الحيّ منهما، سواء الأب و الامّ في ذلك، و هو قول عامّة أهل العلم، لما رواه ابن عباس عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، أنّه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّٰه أجاهد؟ فقال: «أ لك أبوان؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد».و في رواية: جئت أبايعك على الهجرة و تركت أبويّ يبكيان،......و قال صاحب المغني بعد نقل هذا الحديث: و عن ابن عباس عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) مثله. و قال صاحب الشرح الكبير: و روى ابن عباس نحوه.و كذا قال الترمذي في ذيل الحديث المزبور: و في الباب عن ابن عباس. «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما»
 و هاجر رجل إلى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، فقال له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: «هل لك باليمن أحد؟» قال: نعم، أبواي، قال: «أذنا لك؟» قال: لا، قال: «فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، و إلّا فبرّهما» .و لأنّ الجهاد فرض كفاية و برّ الوالدين فرض عين، فيقدّم.
والامر الثالث : الذي لابد من البحث عنه شروط التي يلاحظ في الوالدين لوجوب طاعتهما:
أحدها الاسلام قال العلامة في التذكرة: (و هو بشرط الإسلام.و لو كانا مشركين أو الحيّ منهما، لم يفتقر إلى إذنهما- و به قال الشافعي و أحمد للتهمة الظاهرة بالميل إلى ملّته في الكفر، و كان ولد عبد اللّٰه بن أبيّ بن سلول يغزو مع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، و معلوم أنّ أباه كان يكره ذلك، فإنّه كان يخذل الأجانب و يمنعهم عن الجهاد، و كذا أصحاب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله كانوا يجاهدون و فيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما، منهم أبو بكر، و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله يوم بدر و أبوه رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر، و أبو عبيدة قتل أباه في الجهاد فأنزل اللّٰه تعالى لٰا تَجِدُ قَوْماً الآية.
 و قال الثوري: و لا يغزو إلّا بإذنهما، لعموم الأخبار . و هو مخصوص بما قلناه.
وقال الشيخ في المبسوط: (و أما الأبوان فإن كانا مسلمين لم يكن له أن يجاهد إلا بأمرهما و لهما منعه روى أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: "يا رسول الله أجاهد؟ فقال: لك أبوان؟ قال:نعم قال: فعنهما فجاهد)، ففي هذا الكلام انما ذكر شرط واحد وهو الاسلام واما العقل فهو غني عن الذكر ولكن الحرية غير مذكور في شروط الابوين.



[1]   مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج3، ص14
[2]  اسراء/سوره17، آیه23.
[3]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص21، أبواب جهاد العدو، باب2، ح2، ط آل البیت.
[4]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص20، أبواب جهاد العدو، باب2، ح1، ط آل البیت
[5]  مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، ج11، ص22، أبواب جهاد العدو، باب2،ح1.
[6]  مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، ج11، ص22، أبواب جهاد العدو، باب2،ح2.