الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/12/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اربعة اعذار تسقط الجهاد
قال المحقق في متابعة البحثه في من يجب عليه الجهاد: (و يسقط فرض الجهاد بأعذار أربعة: العمى و الزمن كالمقعد و المرض المانع من الركوب و العدو و الفقر الذي يعجز معه عن نفقة طريقه و عياله و ثمن سلاحه و يختلف ذلك بحسب الأحوال) [1] . بما ان المحقق لم يذكر في اول البحث في شروط وجوب الجهاد السلامة عن المرض، تدارك المطلب هنا، ويستدل على هذا الحكم
اولاً : بالأجماع حيث يقول صاحب الجواهرفيه: (لاخلاف نقلا وتحصيلا) ثم يقول: (بل الاجماع بقسميه عليه وهو حجة).
ثانياً : بقاعدة نفي الحرج حيث توجيه التكليف بالجهاد على هذه الطوائف الاربعة المذكورة احراج لهم، بل قد يكون مصداقاً للتكليف بما لايطاق.
ثالثاً : الآيات القرآنية الناطقة بالحالات المذكورة فوقها مثل:
قوله تعالى: "لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى‏ وَ لا عَلَى الَّذينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنينَ مِنْ سَبيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ"  [2]فالضعفاء تشمل العمي والزمن، والمرضى هو المريض الذي ليس قادرا على الحركات التي تطلبها الحرب، ولا على الذين لايجدون يشمل الفقير الفاقد لمؤونات الحرب. واشار في نفس الوقت ان هؤلاء المعذورين ليسوا معرضين عن الجهاد و مصالح المسلمين.
وقوله تعالى: "وَ لا عَلَى الَّذينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ" [3] . وهذه الآية أيضاً ركّزت على مسئلة الفقر واقترانه بعدم الاعراض عن الجهاد بل الشوق الشديد اليها.
ولكن يجب ان ننتبّه أنّ الموارد المذكورة ليست بعناوينها مسقطة لوجوب الجهاد بل تلك العناوين بمناسبة الحكم والموضوع انما هي مسقطة اذا كانت سبباً للعجز عن الحركات التي يستلزمها القتال، او أن يكون القتال حرجياً معها، كما اشار إليه المصنف بقوله: (ويختلف بحسب الأحوال) و الأمكنة والأزمان، فالملاك هو العجز او الحرج بما لا يتحمل عادةً. فان الفقر يختلف بحسب البيئة وحاجة الاشخاص وكذالك المرض يختلف  ببعد المسافة وقربها و بظروف الحرب من حالات الطقس واستواء الارض و وعورتها، وهكذا نوع المرض، فالميزان في هذه الأعذار هو العجز عن الجهاد او محرجيته بما لا يتحمل عادة. ولذالك اذا كان الامام يتكفل بمؤنة الحرب فالفقر ليس عذراً للمجاهد. وفي كلا الآيتين المذكورتين اشارة إلى هذا الامر ففي الآية الاولى قوله تعالى: "اذا نصحوا لله ورسوله" وفي الثانية قوله: " تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألايجدوا ما ينفقون". تدلان على انهم كانوا يشتاقون إلى الجهاد ولكنهم لم تكن لهم القدرة على المشاركة في الجهاد. 
 بعد انتهاء البحث في شروط وجوب الجهاد وعدِّ المعذورين طرح المحقق ثلاث فروع تكملة للبحث فقال: (فروع ثلاثة‌: الأول: إذا كان عليه دين مؤجل فليس لصاحبه منعه،‌ و لو كان حالّاً و هو معسر قيل له منعه و هو بعيد.) [4] والسر في ذالك انه لا حق للدائن على المدين قبل حلول الأجل المضروب للدين، مطلقا،
وقال الشهيد الثاني في المسالك: (إطلاق المؤجّل يشمل ما لو كان يحلّ قبل رجوعه من الجهاد بحسب العادة و عدمه، و ما لو كان به رهن أو ترك مالاً في بلده مقابلة الدّين و عدمه. و الأمر فيه كذلك، لعدم استحقاق المطالبة حينئذ) [5] . ثم قال: (و يحتمل في الذي يحلّ أجله قبل رجوعه عادة جواز منعه، لاستلزامه تعطيل حقّه عند استحقاقه). ولكنه رضوان الله عليه لم يشخص هنا رأيه تجاه هذا الاحتمال، ولكن الظاهر ان هذا الاحتمال مرفوض عنده، لانه جعل في مطلع كلامه الاطلاق شاملا لهذا الفرض، وهو الأقرب، لان الدائن قبل حلول اجل دينه لا يستحق شيئا على المدين ولذالك لا حق له أن يمنع المدين عن هبة ماله او بيعه او شراء شيئٍ يمكن ان يؤثر في اعساره عند الحلول.
    واما ما  قاله المحقق بالنسبة إلى دين الحال اذا كان المدين معسرا من عدم جواز منعه عن الجهاد فوجهه ان المعسر دينه مؤجل لاعساره إلى ان يتحقق له الايسار، قال تعالى: "ومن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" فجعل الله أجل دينه إلى الميسرة فحكمه حكم من لم يحل أجل دينه،
 ولذا قال المحقق: (و لو كان حالّاً و هو معسر قيل له منعه و هو بعيد) [6]  وقال الشيخ في المبسوط: ‌(و من أراد الجهاد و عليه الدين. فالدين ضربان: حال و مؤجل فإن كان حالّاً لم يكن له أن يجاهد إلا بإذن صاحبه، و إن كان الدين مؤجلا فالظاهر أنه يلزمه و ليس لصاحبه منعه لأنه بمنزلة من لا دين عليه، و قيل: إن له منعه لأنه معون –في نسخة معزور- بدينه لأنه يطلب الشهادة) [7].ولكن لايتم هذا الدليل لانه اولاً: لاحق للدائن قبل حلول الدين، ثانياً: ان الذي يذهب إلى الجهاد ليس مظنون القتل فعادة في الغزوات كان يقتل عدد قليل منهم. ولذا لم يُفتِ بذالك من المعاريف أحدُ. نعم عليه الوصية والقرار بالدين كتبا او شفاها بحيث لا يُنكر بعد ذالك،  نعم ان صاحب الجواهر يقول: (و لو تعين على المديون الجهاد وجب عليه الخروج فيه سواء كان الدين حالا أو مؤجلا، موسرا كان أو معسرا، أذن له غريمه أو لا، لأن الجهاد تعلق بعينه، فكان مقدماً‌ً على ما في ذمته،  كسائر فروض الأعيان، و لكن ينبغي له عدم التعرض لمظان القتل بأن يبارز أو يقف في أول المقاتلة أو نحو ذلك مما فيه تغرير، و لو ترك وفاءً أو أقام كفيلاً ملياً جاز له الغزو، أذِن له صاحب الدين أو لم يأذن، لعدم المانع حينئذ،
 و ل‍‌ما يحكى عن عبد اللّٰه أبي جابر من أنه خرج إلى أحد و عليه دين كثير فاستشهد و قضاء عنه ابنه جابر و لم يذمه النبي صلى اللّٰه عليه و آله على ذلك مع علمه به، بل قال صلى اللّٰه عليه و آله في حقه: «لا زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه).




[1]  شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج1، ص278، ط اسماعیلیان.
[2] توبه/سوره9، آیه91.
[3] توبه/سوره9، آیه92.
[4]  مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج3، ص13.
[5]  مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج3، ص13.
[6]  شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج1، ص279، ط اسماعیلیان.
[7]  المبسوط، الشيخ الطوسي، ج2، ص6.