الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الدفاع المشروع جهادا
كان بحثنا حول الدفاع من انه هل هوجهاد وله احكامه او ليس جهادا فلا يجري عليه احكام الجهاد فقلنا: هذه المسئلة مختلف فيها بين الفقهاء فهناك جمع من الفقهاء اعتبروا المدافع المقتول شهيداً و عدّ صاحب الجواهر من القائلين بكون الدفاع المشروع جهاداً :  الغنية و الإشارة و المعتبر و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و الروضة و الروض و غيرها.
 وهناك جمع آخر نفوا عنوان الجهاد عن الدفاع، فلا يجري على مقتوله حكم الشهيد وقد عدّ صاحب الجواهر من النافين: المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم و السرائر و الوسيلة و المهذب و الجامع و القواعد و التحرير و المنتهى و المسالك، ثم قال: (بل ربما نسب إلى الأصحاب).
ولكن ما يبادر إلى الذهن أنّه لا وجه لاخراجه عن عنوان الجهاد و غزوات رسول الله ان لم نقل كلها فلا اقل جلها كانت دفاعياً، ولا منافات بين تسميته دفاعا وتسميته جهادا فلنقسم الجهاد إلى قسمين الجهد الابتدائي والجهاد الدفاعي.
نعم اذا كان القتال من دون اذن الامام ومن دون مجوز شرعي فهو ليس جهاداً لما قلناه سابقاً من أنّ عنوان الجهاد عنوان مقدس ايجابي واجتماعي لا يصدق الا ان يكون المقاتل محقاً وكان القتال ضمن جمع منظم و تحت امرة قائدٍ، كما ان الآيات القرآنية أكثرها وردت في الدفاع: قال تعالى: "قاتلوا الذين يقاتلونكم" وقال: "اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار"، وقال: "وما لكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان" وقال: "اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله" وقال: "الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهمّوا باخراج الرسول وهم بدؤوكم اول مرة" [1]  وما إلى ذالك من الايات الكثيرة، فهل يمكن ان نقول غزوات رسول الله لم تكن جهادا؟! وهل لم يجر عليهم احكام الشهيد.
نعم  جاء في صحيحة يونس:  وَ عَنْهُ –اي:تهذيب عن محمد ابن الحسن الصفار-عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ قَالَ: سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ ع رَجُلٌ وَ أَنَا حَاضِرٌ فَقُلْتُ  لَهُ- جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ رَجُلًا‌ مِنْ مَوَالِيكَ بَلَغَهُ- أَنَّ رَجُلًا يُعْطِي سَيْفاً وَ قَوْساً  فِي سَبِيلِ اللَّهِ- فَأَتَاهُ فَأَخَذَهُمَا مِنْهُ  ثُمَّ لَقِيَهُ أَصْحَابُهُ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ السَّبِيلَ مَعَ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ- وَ أَمَرُوهُ بِرَدِّهِمَا قَالَ فَلْيَفْعَلْ- قَالَ قَدْ طَلَبَ الرَّجُلَ  فَلَمْ يَجِدْهُ- وَ قِيلَ لَهُ قَدْ قَضَى الرَّجُلُ قَالَ فَلْيُرَابِطْ وَ لَا يُقَاتِلْ- قُلْتُ مِثْلَ قَزْوِينَ وَ عَسْقَلَانَ وَ الدَّيْلَمِ- وَ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الثُّغُورَ فَقَالَ نَعَمْ- قَالَ فَإِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ إِلَى الْمَوْضِعِ- الَّذِي هُوَ فِيهِ مُرَابِطٌ كَيْفَ يَصْنَعُ- قَالَ يُقَاتِلُ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ يُجَاهِدُ؟- قَالَ لَا، إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ- أَ رَأَيْتَكَ لَوْ أَنَّ الرُّومَ دَخَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ- لَمْ يَنْبَغِ  لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟- قَالَ يُرَابِطُ وَ لَا يُقَاتِلُ- وَ إِنْ خَافَ عَلَى بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَ الْمُسْلِمِينَ قَاتَلَ- فَيَكُونُ قِتَالُهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلسُّلْطَانِ- لِأَنَّ فِي دُرُوسِ الْإِسْلَامِ دُرُوسَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ ص." [2] هذه الرواية  صحيحة السند وبما انه لا يمكن نفي الجهاد عن الدفاع المسلح الجماعي قال صاحب الجواهر: (و إن كان قد يظهر من خبر يونس ‌إلا أنه محمول على إرادة كون ذلك الأكمل من أفراده، و إلا فالجهاد أعمّ كما يشعر به تقسيمهم إياه إلى الابتداء و إليه) ولكن الحمل على اكمل الافراد خلاف الظاهر، نعم يمكن ان نقول نفي الجهاد من الامام كان للتاكيد على الشرط، قال: "قَالَ فَإِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ إِلَى الْمَوْضِعِ- الَّذِي هُوَ فِيهِ مُرَابِطٌ كَيْفَ يَصْنَعُ- قَالَ يُقَاتِلُ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ يُجَاهِدُ- قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ- فانّ قوله: "الا ان يخاف على بيضة المسلمين" يعني يجوز الجهاد فان الاستثناء يعود إلى الجهاد فيفيد ان الدفاع جهاد فتامل.
في قسم الاخير من الفقرة المبحوث عنها قال المحقق: (و كذا كل من خشي على نفسه مطلقا أو ماله إذا غلبت السلامة) [3] ويمكن ان نضيف إلى ما ذكر ان خشي على عرضه او نفس محترمة او مال او عرض لمسلم او معاهد آخر. نعم من خشي على نفسه لابد ان يختار الدفاع بما هو رادع فان كان الردع يحصل بما هو دون القتل فعليه ان يختاره  وكذالك في مراتب الجرح ولا فرق بين ان يكون المهاجم مسلماً او كافراً . ولا يعد ذالك من الجهاد اذا كان المهاجم فرداً او افراد قليلة فان من شرائط صدق الجهاد هو مواجهة العدو مع المسلمين جماعات . وهنا قد اطال البعض الكلام ولا ارى طائل تحته ما دام ياتي البحث عند ما نبحث فيمن نقاتل ان شاء الله.


[1]  توبه/سوره9، آیه13.
[2]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص30، أبواب جهاد العدو، باب6، ح2، ط آل البیت
[3]  شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج1، ص278، ط اسماعیلیان.