الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اسباب انقلاب الكفائي الى تعييني
قال المحقق رضوان الله عليه: (و فرضه على الكفاية بشرط وجود الإمام أو من نصبه للجهاد و لا يتعين إلا أن يعينه الإمام لاقتضاء المصلحة أو لقصور القائمين عن الدفع إلا بالاجتماع أو يعينه على نفسه بنذر و شبهه) [1] .
قد تحدثنا عن البحث في وجوب الجهاد وكونه كفائياً وكذالك عن اشتراط الجهاد بوجود الامام او من نصبه للجهاد، واليوم نبحث عن قوله:  (و لا يتعين إلا أن يعينه الإمام لاقتضاء المصلحة أو لقصور القائمين عن الدفع إلا بالاجتماع أو يعينه على نفسه بنذر و شبهه). فذكر لانقلاب الكفائي إلى التعييني ثلاثة اسباب: تعيين الامام، قصور القائمين عن الحاجة، و الايجاب على النفس بنذر وشبهه من العهد والقسم. ويمكن ان نضيف إلى ذالك الايجاب على النفس بعقد الايجار او شرط ضمن عقد لازم . ولكن كل ذالك لا يخرج الكفائي عن كونه كفائياً من حيث هو جهاد، نعم يصبح واجبا عينياً بعنوان طاعة الامام او محقّق الكفاية او الوفاء بالنذر والعهد والقسم او الوفاء بالعقد او العمل بشرط واجب، كمن نذر لله ان يصلي النوافل فلا يخرج النافلة عن عنوانها فهي لا زال مستحبا بعنوانه واجبا بعنوان الوفاء بالنذر، ولعل من عبر بانقلاب الكفائي عينياً، أراد وجوب الاتيان عن الشخص. كما قد يقسِّمون الصلاة الواجبة: باليومية و الآيات والطواف والقضاء ويضمون اليها ما وجب بالنذر او العهد او القسم. ولا يهمنا مادام لا مشاهة في الاصطلاح.
 بعد ما خلج هذا الاشكال ببالي وددت أن أبحث في الاقوال هل اشار أحد إلى هذا الاشكال؟ فوجدت أن الشهيد الثاني في المسالك تعليقا على كلام المحقق ذكر نفس الاشكال واليك نص كلامه: (اعلم أنّ فرض الكفاية قد يوافق فرض العين في وجوبه على الجميع، و ذلك‌ في مطلق فرض الكفاية إذا ظنّ كلّ واحد عدم قيام من فيه الكفاية به، فيجب على الجميع القيام عينا، و لا يخرجه ذلك عن كونه كفائيّاً، فإنّ معنى كونه كفائيّا سقوطه عن البعض عند قيام بعض آخر فيه الكفاية، و هذا وصف له بإحدى جهاته. و قد ظهر بذلك انّ قوله «و لا يتعين الّا أن يعيّنه. إلخ» ليس استثناء من كونه كفائيا، بل ذكر لبعض أحكامه، و هو كون الشخص المعيّن لا يجب عليه القيام به حتما، إلّا بأسباب ثلاثة:...)
ثم قال المحقق: (و قد تجب المحاربة على وجه الدفع كأن يكون بين أهل الحرب و يغشاهم عدو يخشى منه على نفسه  فيساعدهم دفعا عن نفسه و لا يكون جهادا.و كذا كل من خشي على نفسه مطلقا أو ماله إذا غلبت السلامة) [2]، إلى هنا كان البحث في الجهاد الابتدائي، وهنا يشير المؤلف إلى جهاد الدفاعي وذكر لذالك مصداقين:
أحدهما : من يعيش بين الكفارمن اهل الحرب ممن لم يعقد الهدنة او الصلح مع المسلمين وهجم عليهم هاجم اذا غلب يحتمل ان يقتله، فيشارك في الحرب كي يأمن سلامة نفسه، فاجاز هذا الامر وقد ورد في ذالك بعض الروايات منها: خبر طلحة:  "وَ بِإِسْنَادِهِ- اي الشيخ في التهذيب- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ أَرْضَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ- فَغَزَا الْقَوْمَ الَّذِينَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ- قَالَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ- وَ يُقَاتِلَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَ حُكْمِ رَسُولِهِ- وَ أَمَّا أَنْ يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ عَلَى حُكْمِ الْجَوْرِ- وَ سُنَّتِهِمْ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ" [3] . طلحة ابن زيد الشامي الخزرجي لم يرد له توثيق وقد يعتمد بعض الفقهاء على كتابه لكثرة الرواية عنه. وقد ورد نظير ذالك في المرابطة بجوازها في دولة الجور ولكن بقصد الدفاع عن أمن البلاد والعباد لا الائتمار بامر الجائر والدفاع عن حكمه. 
ولكن قال المحقق: (ولايكون جهاداً).
وقال الشهيدالاول في الدروس: (و كذا لو كان بين أهل الحرب و دهمهم عدوّ و خاف منه على نفسه جاز له أن يجاهد دفاعاً لا إعانة للكفّار) [4]، ثم قال في سياق كلامه: (و كذا كلّ من خشي على نفسه مطلقاً. و ظاهر الأصحاب عدم تسمية ذلك كلّه جهاداً بل دفاع، و تظهر الفائدة في حكم الشهادة و الفرار و قسمة الغنيمة و شبهها. وقال الشهيد الثاني في المسالك:  و أشار المصنف بقوله: «و لا يكون  جهادا» إلى أنّ حكم الشّهيد من عدم تغسيله و تكفينه لا يلحق المقتول هنا، و كذا حكم الجهاد من تحريم الفرار و قسمة‌ الغنيمة. نعم هو بمنزلة الشهيد في الأجر. و إطلاق الأخبار بكونه شهيدا ينزّل على ذلك. [5]
هذه المسألة مختلف فيها بين الفقهاء فهناك جمع من الفقهاء اعتبروه شهيداً كما عدّ صاحب الجواهر منهم:  الغنية و الإشارة و المعتبر و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و الروضة و الروض و غيرها.
 وذهب جمع آخر بانه لا يعتبر شهيداً ولا يجري عليه حكم الشهيد وقد عدّ صاحب الجواهر من النافين: المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم و السرائر و الوسيلة و المهذب و الجامع و القواعد و التحرير و المنتهى و المسالك، ثم قال: (بل ربما نسب إلى الأصحاب).
 ولكن ما يبادر إلى الذهن لا وجه لاخراجه عن عنوان الدفاع و غزوات رسول الله كانت من هذا القبيل، ولا منافات بين تسميته دفاعا وتسميته جهادا فلنقسم الجاد إلى قسمين الجهد الابتدائي والجهاد الدفاعي.
نعم اذا كان القتال من دون اذن الامام ومن دون مجوز شرعي فهو ليس جهادا لما قلناه سابقا ان عنوان الجهاد عنوان مقدس ايجابي واجتماعي لا يصدق الا ان يكون المقاتل محقا وكان القتال ضمن جمع منظم و تحت امير
 نعم جاء في خبر يونس:  وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ قَالَ: سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ ع رَجُلٌ وَ أَنَا حَاضِرٌ فَقُلْتُ  لَهُ- جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ رَجُلًا‌ مِنْ مَوَالِيكَ بَلَغَهُ- أَنَّ رَجُلًا يُعْطِي سَيْفاً وَ قَوْساً  فِي سَبِيلِ اللَّهِ- فَأَتَاهُ فَأَخَذَهُمَا مِنْهُ  ثُمَّ لَقِيَهُ أَصْحَابُهُ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ السَّبِيلَ مَعَ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ- وَ أَمَرُوهُ بِرَدِّهِمَا قَالَ فَلْيَفْعَلْ- قَالَ قَدْ طَلَبَ الرَّجُلَ  فَلَمْ يَجِدْهُ- وَ قِيلَ لَهُ قَدْ قَضَى الرَّجُلُ قَالَ فَلْيُرَابِطْ وَ لَا يُقَاتِلْ- قُلْتُ مِثْلَ قَزْوِينَ وَ عَسْقَلَانَ وَ الدَّيْلَمِ- وَ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الثُّغُورَ فَقَالَ نَعَمْ- قَالَ فَإِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ إِلَى الْمَوْضِعِ- الَّذِي هُوَ فِيهِ مُرَابِطٌ كَيْفَ يَصْنَعُ- قَالَ يُقَاتِلُ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ يُجَاهِدُ- قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ- أَ رَأَيْتَكَ لَوْ أَنَّ الرُّومَ دَخَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ- لَمْ يَنْبَغِ  لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ- قَالَ يُرَابِطُ وَ لَا يُقَاتِلُ- وَ إِنْ خَافَ عَلَى بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَ الْمُسْلِمِينَ قَاتَلَ- فَيَكُونُ قِتَالُهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلسُّلْطَانِ- لِأَنَّ فِي دُرُوسِ الْإِسْلَامِ دُرُوسَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ ص." [6] ولكنه ضعيف السند ولعل المراد من نفي الجهاد الفرد الكامل من الجهاد كما قال صاحب الجواهر.


[1]  شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج1، ص278.، ط اسماعیلیان.
[2]  شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج1، ص278.
[3]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص31، أبواب جهاد العدو، باب6، ح3، ط آل البیت.
[4]  الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج2، ص30.
[5]  مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج3، ص12.
[6]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص30، أبواب جهاد العدو، باب6، ح3، ط آل البیت.