الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/12/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الادلة على اشتراط وجوب الجهاد بحضور المعصوم
كان بحثنا في أدلة التي يستدل بها على اشتراط وجوب الجهاد بحضور الامام المعصوم عليه السلام وقد ذكرنا ثلاث روايات: رواية بشير، رواية عبد الملك و رواية عبدالله ابن المغيرة، وقد فرغنا من البحث السندي والدلالي فيها وناقشنا في حجيتها وفي دلالتها على المقصود.
الرابع : من الروايات اتي استدلوا بها موثقة سماعة واليك نصها: كليني عَنْ علي ابن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "لَقِيَ عَبَّادٌ الْبَصْرِيُّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام  فِي طَرِيقِ مَكَّةَ- فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ تَرَكْتَ الْجِهَادَ وَ صُعُوبَتَهُ- وَ أَقْبَلْتَ عَلَى الْحَجِّ وَ لِينِهِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ- بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الْآيَةَ- فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ:  أَتِمَّ الْآيَةَ- فَقَالَ التّٰائِبُونَ الْعٰابِدُونَ الْآيَةَ- فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: إِذَا رَأَيْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ- فَالْجِهَادُ مَعَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ". [1]
وجه الاستدلال ان الامام السجاد ترَك الجهاد وحوّل الامر إلى ظروفٍ تتوفّر فيها التائبون العابدون – إلى آخر الآية- وهذا كناية عن تحقّق دولة اهل البيت عليهم السلام. السند لابأس به وانما السمعة واقفي موثوق به، ولكن المناقشة في الدلالة واضحة فان الامام كان يعيش في عصر عبدالملك وهشام فهؤلاء كانوا طغاة ظلمة فالإمام يشير إلى عدم رغبته للجهاد معهم و ينتظر تحقق حكومة  سالمة فيها مجاهدون صلحاء، وذالك اعم من المعصوم عليه السلام.
والخامس : خبر ابي بصير واليك نصه: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: "لَا يَخْرُجُ الْمُسْلِمُ فِي الْجِهَادِ مَعَ مَنْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْحُكْمِ- وَ لَا يُنْفِذُ فِي الْفَيْ‌ءِ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ- كَانَ مُعِيناً لِعَدُوِّنَا فِي حَبْسِ حَقِّنَا- وَ الْإِشَاطَةِ  بِدِمَائِنَا وَ مِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ)  [2] وَ فِي الْخِصَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِائَةِ مِثْلَهُ.
وجه الاستدلال ان قوله عليه السلام: من لا يؤمَن على الحكم ولاينفِّذ في الفيئ امر الله عزوجل، كناية عن غير المعصوم عليه السلام. ويرد عليه
اولاً : بضعف السند حيث ان القاسم ابن يحيى لم يرد له توثيق بل ضعّفه الغضائري و العلامة في الخلاصة.
وثانياً : لا دليل على حصر المراد في المعصوم عليه السلام  خصوصاً عند ما يقول الامام ابي عبدالله الصادق: كان معينا لعدونا في حبس حقِّنا فالمراد هو الجهاد تحت لواء الاعداء فلا يشمل لواء الموالين لهم.
والسادس:  خبر ابن شعبة الحراني رضوان الله عليه فِي تُحَفِ الْعُقُولِ عَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي كِتَابِهِ إِلَى الْمَأْمُونِ قَالَ: "وَ الْجِهَادُ وَاجِبٌ مَعَ إِمَامٍ عَادِلٍ- وَ مَنْ قَاتَلَ فَقُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَ رَحْلِهِ وَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ- وَ لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ فِي دَارِ التَّقِيَّةِ- إِلَّا قَاتِلٍ أَوْ بَاغٍ وَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ تَحْذَرْ عَلَى نَفْسِكَ- وَ لَا‌ أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ مِنَ الْمُخَالِفِينَ وَ غَيْرِهِمْ- وَ التَّقِيَّةُ فِي دَارِ التَّقِيَّةِ وَاجِبَةٌ- وَ لَا حِنْثَ عَلَى مَنْ حَلَفَ تَقِيَّةً يَدْفَعُ بِهَا ظُلْماً عَنْ نَفْسِهِ". [3] وجه الاستدلال بهذه الرواية ايجاب الجهاد مع امام عادل وتحريم قتل الكفار وتحريم اكل اموال المخالفين في دار التقية لعدم جواز القتال،  بحمل امام العادل على المعصوم و دار التقية على حكومة غيرهم.
ولكن يرد عليه مضافا إلى ضعف السند بالارسال، انه لا وجه لتخصيص الامام العادل بالمعصوم كما ذكرنا آنفاً، كما ليس كل حكومة ونظام عدواً لأهل البيت عليهم السلام فربّما حكومةٍ قامت لمقارعة أعدائهم.
والسابع : خبر محمد ابن عبد الله السمندري واليك نصه:  وَ بِإِسْنَادِهِ – الشيخ في التهذيب - عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُصَدِّقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمَنْدَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنِّي أَكُونُ بِالْبَابِ- يَعْنِي بَابَ الْأَبْوَابِ فَيُنَادُونَ السِّلَاحَ- فَأَخْرُجُ مَعَهُمْ قَالَ فَقَالَ لِي- أَ رَأَيْتَكَ إِنْ خَرَجْتَ فَأَسَرْتَ رَجُلًا- فَأَعْطَيْتَهُ الْأَمَانَ وَ جَعَلْتَ لَهُ مِنَ الْعَقْدِ- مَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله-  لِلْمُشْرِكِينَ أَ كَانَ يَفُونَ لَكَ بِهِ- قَالَ قُلْتُ: لَا وَ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ- مَا كَانُوا يَفُونَ لِي بِهِ قَالَ فَلَا تَخْرُجْ- قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي أَمَا إِنَّ هُنَاكَ السَّيْفَ.[4]  وجه الاستدلال هو نهي الامام عن الخروج مع من لايؤمّن لوفائه بأمانه.
 ويرد على هذا الاستدلال بضعف السند فكل رجال مجاهيل، الا هيثم وهو روي الكشي عن حمدويه ان اصحابه كانوا يذكرونه وابوه بالخير، وروى العلامة في المختصر عن حمدويه ان اصحابه كانوا يذكونهما وكلاهما فاضلان،  وهذا مجرد مدح لا يفيد الوثاقة . والدلالة قاصرة ايضاً لان الامام على فرض صدور الكلام عنه،  نهي عن الخروج مع من لا يؤمَّن منه الوفاء بامان عناصره في الحرب فلا يعني ذالك عدم جواز الخروج الا مع المعصوم.
والثامن : خبر حسن بن عباس واليك نصه: كليني عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْجَرِيشِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي شَأْنِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قَالَ- وَ لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ جِهَاداً- إِلَّا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ وَ الْجِوَارَ.( وسائل باب 12ح4) وجه الاستدلال نفي الجهاد في هذا الزمان بالقاء الخصوصية عنه الا عدم بسط يد المعصوم.
ويرد علي اولاً بضعف السند فالراوي عن الامام مجهول، اما الدلاله فيه اجمال ولم يذكر فيه وجه نفي الجهاد والحتمال الاغلب ان الوجه في نفي الجهاد، كونه تحت راية حكومة بني العباس الطغاة فلا يقاس بحكومة الفقيه العادل.
وصاحب الجواهر بعد ما يذكر هذه النصوص ويقول و غير ذلك من النصوص التي مقتضاها كصريح الفتاوى عدم مشروعية الجهاد مع الجائر و غيره، بل في المسالك و غيرها عدم الاكتفاء بنائب الغيبة، فلا يجوز له تولّيه بل في الرياض نفي علم الخلاف فيه حاكياً له عن ظاهر المنتهى و صريح الغنية إلا من أحمد في الأول، قال و ظاهرهما الإجماع، مضافاً إلى‌ ما سمعته من النصوص المعتبرة وجود الإمام، لكن إن تم الإجماع المزبور فذاك، و إلا أمكن المناقشة فيه بعموم ولاية الفقيه في زمن الغيبة الشاملة لذلك المعتضدة بعموم أدلة الجهاد، فترجح على غيرها.
ومعنى كلامه حكومة ادلة ولاية الفقية على هذه الادلة لانها توسع الموضوع لو تمت الدلالة على لزوم وجود المعصوم فتجعل الفقيه بمنزلة المعصوم في جواز الجهاد تحت لوائه، مضافاً إلى ان ادلة الجهاد معتضدة لها فهي آبية عن تعطيل حكم الجهاد الا في فترة قصيرة  فلا معنى لتعطيل حكم الجهاد في طول التاريخ حتى ياتي دولتهم الشريفة، وللكلام تتمة نذكرها في الايام القادمة انشاء الله.    





[1]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص46، أبواب جهاد العدو، باب12، ح3، ط آل البیت.
[2]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص49، أبواب جهاد العدو، باب12، ح8، ط آل البیت.
[3]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص49، أبواب جهاد العدو، باب12، ح10، ط آل البیت.
[4]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص48، أبواب جهاد العدو، باب12، ح7، ط آل البیت.