الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/11/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الجهاد والنظر في اركانه
عن الرضا عليه السلام: "لايتم المعروف الا بثلاث خصال:تعجيله وتصغيره وستره، فاذا عجلته هنأته واذا صغرته عظمته واذا سترته أتممته"(فقه الرضا باب في المعروف)
قد انتهينا في الدرس الاول عن بيان دافعنا في اختيار مبحث الجهاد وكذلك مسيرة بحثنا منطبقا على كتاب شرائع الاسلام للمحقق الحلي، واليوم ندخل الي حاق البحث:
قال المحقق رضوان الله عليه: (كتاب الجهاد ‌و النظر في أركان أربعة) والجهاد لغة اما مشتق من الجَهد بفتح الجيم وهو بمعنى المشقة والتعب فمعنى المشتق منه هو اتعاب النفس وتحمل المشقة في سبيل الوصول إلى المطلوب، وإمّا مشتق من الجُهد بضم الجيم فهو بمعنى الوسع و الطاقة فالمشتق منه بمعنى بذل الوسع والطاقة في سبيل الوصول إلى المطلوب، هذا من حيث النظر إلى معناه اللغوي.
 اما في الاصطلاح الفقهي فقد عُرِّف بانه: بذل النفس و ما يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين والكفار والبغاة على وجه مخصوص.   وقيل هو بذل النفس والمال في اعلاء كلمة الاسلام وإقامة شعائر الايمان.
 ولكن هذا التعريف جَعلَ النتيجة والهدف المنشود من الجهاد، موضع تعريفه! وهناك تعاريف اُخرى ترد عليها مناقشات لا داعي لصرف الوقت في ذكرها ما دام المعنى واضح عندنا.
وانما اَودّ أن أُشير إلى أنّ عنوان الجهاد عنوان يحمل معنىً ايجابياً مقدّساً يختلف عن عنوان القتال، فالجهاد
اولا : إنّما يطلق على ما يقوم به  جانبُ الحق في قتال أهل الباطل بخلاف القتال فهو يشمل الجانبين، فالنسبة بينهما عموم مطلق،هذا
ثانياً : الجهاد عنوان قائم بالمجتمع والأنظمة الاجتماعية فالمخاصمات الفرديّة ولو انتهت إلى التقاتل، لا يصدق عليها الجهاد ولو أنّ المقتول في المخاصمات الفردية ايضاً قد يعتبر شهيداً اذا كان مظلوماً، كما ورد في الحديث من قتل دون مظلمته فهو شهيد، ومن قتل دون أهله وماله فهو شهيد، ولكن لا يصدق على قتاله عنوانُ الجهاد.
ثم ان المحقق رضوان الله عليه فصل البحث في أربعة أركان: الأول من يجب عليه الجهاد، والثاني: في بيان من يجب جهاده وكيفية الجهاد، الثالث : في أحكام أهل الذمّة، الرابع: في قتال أهل البغي. وقد فصّل تحت كل ركن مسائل مفيدة وفروعاً كثيرة سوف نتعرض لها بشرط الحياة والتوفيق من الله.
قال المصنف: (الأول من يجب عليه، ‌و). و(الهِمّ بكسر الهاء هو الشيخ الفاني البالي كذا ورد في الصحاح وتاج العروس) والظاهر ان وجوب الجهاد في الجملة لا خلاف فيه عند القدماء والمتاخرين والمعاصرين ويمكن ان نقول انه من ضروريات الاسلام،
 قال: في الهداية بالخير: (الجهاد فريضة واجبة من الله عزوجل على خلقه...) وقال الشيخ في النهاية: (الجهاد فريضة من فرائض الاسلام وركن من اركانه...) فلا بحث في اصل الوجوب بعد الآيات الصريحة في الوجوب والروايات الكثيرة و كلمات فقهائنا العظام ولذالك صاحب الجواهر لم يتعرض لدليل على الوجوب وانما بدء البحث عمن سقط عنه الوجوب عند ما قال المحقق: (فلا يجب على الصبي و لا على المجنون و لا على المرأة و لا على الشيخ الهِمّ و لا على المملوك).واستدلوا على سقوط الوجوب عن الصبي والمجنون اولاً: بالاجماع فقال في الجواهر تعليقا على كلام المحقق: (بلا خلاف أجده فيه ...بل الاجماع بقسميه عليه..)  وصاحب الجواهر بما له باع طويل في التطلُّع على الاقوال كلامه مهم جداً، نعم لا يهمنا الاجماع اذا كان لنا دليل من العقل او من الكتاب والسنة فلا يبقى للاجماع دور الا مزيد الاطمئنان بحصيلة الدليل، لان الاجماع اذا حصل على ما له ىليل واضح، فلا يُثبت شيأً اكثر من تلك الادلة لان المجمعين لعلهم تمسكوا بها،  وهم  رجال ونحن رجال، فلنصرف النظر إلى مدى دلالة تلك الادلة فكلما ضعفت ادلة حكم عليه الاجماع، كلما تتقوي حجية الاجماع  عندنا الشيعة، حيث ليس للاجماع حجية في نفسه الا كاشفيته عن قول المعصوم ففي الحقيقة مصادر الاحكام عندنا ثلاثة الكتاب والسنة والعقل اما الاجماع فحجيته طريقية لكشفه عن السنة.
 ومن الادلة التي استدلوابها: حديث رفع القلم حيث ورد  فيه : رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق الحديث، وغيرها من الروايات الكثيرة مما يدل على اشتراط البلوغ والعقل في التكليف، ويمكن لكم ان تراجعوا إلى المجلد الاول من وسائل الشيعة باب الرابع من مقدمات العبادات: (بَابُ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ بِالْوُجُوبِ وَ التَّحْرِيمِ بِالاحْتِلَامِ أَوِ الْإِنْبَاتِ مُطْلَقاً أَوْ بُلُوغِ الذَّكَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ الْأُنْثَى تِسْعَ سِنِينَ وَ اسْتِحْبَابِ تَمْرِينِ الْأَطْفَالِ عَلَى الْعِبَادَةِ قَبْلَ ذَلِك‏) منها الحديث الاول من هذا الباب وهو سنده موثق واليك نص الحديث:  مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ مَوْسُومُونَ عِنْدَ اللَّهِ شَافِعٌ وَ مُشَفَّعٌ فَإِذَا بَلَغُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُتِبَتْ لَهُمُ الْحَسَنَاتُ فَإِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ كُتِبَتْ عَلَيْهِمُ السَّيِّئَاتُ.
وسقوط التكليف بالجهاد ثابت للطفل على كلا المبنيين: سواء قلنا عمده وخطئه سيان بمعنى العدم. او قلنا انهما سيان في عدم المؤاخذة وهو القول الارجح لان هذا مناسب للامتنان وما هو ظاهر مساق الاحاديث في هذا الموضوع و للكلام في حقيقة تكليف الصبيان مجال آخر.
 اما المجنون فكذالك والبلوغ والعقل من شروط العامة في التكليف. نعم لو لم تكن تلك النصوص لما كان لحكم العقل مجال في اعفائهما عن التكليف، فانما العقل يحكم بعدم جواز تكليف العاجز و عموم المراهقين قادرون على اداء جُلّ الواجبات ادراكاً واتياناً، حتى الجنون فهو ذو فنون ومقول بالتشكيك فبعض مراحله يفهم الحلال والحرام ويتمشى منهم القصد والنية الى الطاعة ولكن تلك النصوص تدل على فضل من الله في اسقاط التكليف و رفع قلم المؤاخذة عنهما.