الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
المسألة التاسعة عشر.
قال المصنف قدس سره : " إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها، ووجب عليه القراءة في ثالثة الإمام الثانية له ويتابعه في القنوت في الأُولى منه، وفي التشهّد، والأحوط التجافي فيه، كما أنَّ الأحوط التسبيح عوض التشهّد وإن كان الأقوى جواز التشهّد، بل استحبابه أيضاً، وإذا أمهله الإمام في الثانية له للفاتحة والسورة والقنوت أتى بها، وإن لم يمهله ترك القنوت وإن لم يمهله للسورة تركها، وإن لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضاً فالحال كالمسألة المتقدّمة من أنّه يتمّها ويلحق الإمام في السجدة أو ينوي الانفراد أو يقطعها ويركع مع الإمام ويتمّ الصلاة ويعيدها."[1]
ذكر المصنف قدس سره فروع عديدة في هذه المسألة، نقف عند كل واحد منها بالاختصار بإذن الله تعالى.
أولاً – " إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها، ووجب عليه القراءة في ثالثة الإمام الثانية له " يتعلق الفرع الأول بما تم البحث عنه في الدرس الماضي من أن المأموم إذا أدرك الإمام في الركعة الثالثة أو الرابعة يجب عليه الإتيان بالقراءة لأنهما أولتا صلاته، فلا نعيد الكلام فيه.
ثانياً – " ويتابعه في القنوت في الأُولى منه، وفي التشهّد، "
إذا أدرك المأموم الإمام في الركعة الثانية، والتي هي الأولى للمأموم، يرفع يديه للقنوت مع الإمام، وكذلك يتابع الإمام في تشهده، وإن كان هو في الأولى. الدليل على ذلك صحيحة عبد الرحمن حيث جاء فيها : " مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْخَرَّازِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‏ ( فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ مِنَ الْغَدَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَنَتَ الْإِمَامُ أَ يَقْنُتُ‏ مَعَهُ قَالَ نَعَمْ وَ يُجْزِيهِ مِنَ الْقُنُوتِ لِنَفْسِهِ).[2] سند محمد بن الحسن إلى محمد بن الوليد الخراز سند صحيح، ومحمد بن الوليد الخراز، أو الخرار، أو الخزاز، من الثقات، وثقه الكشي بأنه من أجلة العلماء والعدول من الكوفيين فطحي والنجاشي بأنه ثقة عين نقي الحديث. أما قول الكشي رحمه الله بأنه فطحي لا يضر بوثاقته، كما لا يخفى. أما الدلالة فالرواية صريحة في إتيان المأموم بالقنوت إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية؛ وذلك أن الراوي سأل الإمام عليه السلام عن الرجل الذي يدرك الإمام في الركعة الثانية، بأنه هل يجوز له أن يقنت مع أنه في الركعة الأولى فأجاب الإمام بقوله : (نَعَمْ وَ يُجْزِيهِ مِنَ الْقُنُوتِ لِنَفْسِهِ)، ولسان الرواية يدل على وجوب القنوت، غير أن الأمر بالقنوت لما ورد في مورد توهم الحظر، فلا يدل على الوجوب، بل يستفاد منه في المقام أن القنوت جائز. ولكن التأمل في تتمة الحديث يفيد على أنها تحث على الإتيان بالقنوت؛ وذلك أن الإمام عليه السلام قال : (وَيُجْزِيهِ مِنَ الْقُنُوتِ لِنَفْسِهِ)، ومن هنا فيمكن القول بأن الرواية تدل على أنه يستحب للمأموم أن يأتي بالقنوت في الركعة الأولى متابعة للإمام.
وأما قول الماتن : (وفي التشهّد،)، أي : يتابع المأموم الإمام في التشهد مع أن المأموم في ركعته الأولى، وذلك أنه لا يجوز للمأموم أن يقوم قبل الإمام، لأن متابعته في الأفعال واجبة، بل يجب عليه أن ينتظر الإمام حتى ينتهي من التشهد، ثم يقوم معه، وهنا اختلفت آراء الفقهاء العظام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، في وظيفة المأموم وهو ينتظر الإمام، فذهب البعض إلى أنه يجب عليه أن يتجافى عن الأرض بحيث لا يجلس متمكناً، وذهب الآخرون إلى أنه يجوز له أن يجلس، وفي الحالتين مقتضى الاحتياط أن يأتي بالذكر، كما يجوز له أن يتشهد كما يتشهد الإمام، وهذا ما سنتوقف عنده بعد قليل.
ووجه الاختلاف بينهم ما ورد من الروايات التي تدل البعض منها على التجافي، والبعض الأخرى على جواز الجلوس. أما الروايات التي تؤكد على أن يتجافى المأموم عن الأرض في حال تشهد الإمام، فمنها ما ورد في الوسائل حيث جاء فيها : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ : ( سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَ هِيَ لَهُ الْأُولَى كَيْفَ يَصْنَعُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ قَالَ يَتَجَافَى وَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقُعُودِ فَإِذَا كَانَتِ الثَّالِثَةُ لِلْإِمَامِ وَ هِيَ لَهُ الثَّانِيَةُ فَلْيَلْبَثْ قَلِيلًا إِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَلْحَقُ بِالْإِمَامِ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ‏[3]الَّذِي يُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الصَّلَاةِ كَيْفَ‏ يَصْنَعُ‏ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ اقْرَأْ فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لَكَ الْأَوَّلَتَانِ وَ لَا تَجْعَلْ أَوَّلَ صَلَاتِكَ آخِرَهَا.)[4] سند الرواية سند صحيح، لا بأس به، أما دلالتها على التجافي فلا تخفى حيث سأل الرواي الإمام عليه السلام بقوله : (عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَ هِيَ لَهُ الْأُولَى كَيْفَ يَصْنَعُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ)، فأجاب الإمام قائلاً : (يَتَجَافَى وَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقُعُودِ)، فهذا صريح في أن يتجافى المأموم ولا يتمكن من الجلوس.
ومنها ما رواها صاحب الوسائل قائلاً : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: ( وَ مَنْ أَجْلَسَهُ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ فِيهِ تَجَافَى وَ أَقْعَى إِقْعَاءً وَ لَمْ يَجْلِسْ مُتَمَكِّنا.)[5] سند الشيخ الصدوق إلى الحلبي سند صحيح، ولذا فلا إشكال في سند الرواية، وأما دلالتها على تجافي المأموم فكسابقتها.
فتؤكد هاتان الروايتان الصحيحتان على أنه ينبغي للمأموم أن يتجافى حينما يتشهد الإمام، غير أن ثمة روايتين استفادوا منهما جواز القعود، إحداهما : مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ وَ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: (سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَاةُ رَكْعَةٍ مِنَ الْمَغْرِبِ مَعَ الْإِمَامِ فَأَدْرَكَ الثِّنْتَيْنِ فَهِيَ الْأُولَى لَهُ وَ الثَّانِيَةُ لِلْقَوْمِ فَيَتَشَهَّدُ فِيهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَالثَّانِيَةُ أَيْضاً قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كُلُّهُنَّ قَالَ نَعَمْ وَ إِنَّمَا هِيَ‏ بَرَكَةٌ).[6]
سند الرواية لا بأس به واستدل بها القائلون بجواز قعود المأموم حيث أجاز الإمام عليه السلام أن يتشهد المأموم الذي أدرك الإمام في الركعة الثانية.
ولکن یمکن ان یرد علیه، بأن الإمام عليه السلام أجاز للمأموم أن يتشهد، وليس المتعين أن المراد من التشهد هو الجلوس، بل يحتمل أن يكون المراد منه الإتيان بذكر التشهد كالإمام، والإتيان به كما يمكن في صورة الجلوس، كذلك يمكن في صورة التجافي.
الرواية الثانية التي استند إليها القائلون بجواز القعود هي : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: ( سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ مِنَ الْمَغْرِبِ كَيْفَ يَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ يَقْضِي أَ يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَ الثَّالِثَةِ قَالَ يَقْعُدُ فِيهِنَّ جَمِيعاً).[7] دلالة هذا الحديث على جواز القعود لا بأس بها، ولو یمکن ان یقال ان التجافی هو نوع من الجلوس فیصح ان یقال جلس متجافیا فاذا لا ینافی مع ایجاب التجافی مضافا الی ضعف سندها بعبد الله ابن حسن حیث لم یرد له توثیق، الا عند من یأخذ بروایات الحسنة.
والحاصل أن ما ذكره السيد اليزدي عليه الرحمة من أن " الأحوط التجافي فيه " صحيح لا غبار عليه، وإليه ذهب مشهور الفقهاء الكرام قدس الله أسرارهم الزكية.
ثالثاً – قال المصنف رحمه الله تعالى : كما أنَّ الأحوط التسبيح عوض التشهّد وإن كان الأقوى جواز التشهّد، بل استحبابه أيضاً،
بعد ما اتضح لنا في الفرع السابق أنه يجب على المأموم الذي أدرك الإمام في الركعة الثانية، أن لا يقوم قبل الإمام، فیحتاط السید له بالاكتفاء بالذکر المطلق دون التشهد والوجه فی ذلك أنه فی الرکعة الأولی أو الثالثة ولیس وظیفته التشهد ولکن لما ورد هنا نص خاص علی التشهد أفتی بعد ذکر الاحتیاط بجواز التشهد بل استحبابه والنص هو موثقة حسین ابن مختار وداوود ابن حصین الذی مر بنا آنفا
رابعاً - وإذا أمهله الإمام في الثانية له للفاتحة والسورة والقنوت أتى بها، وإن لم يمهله ترك القنوت وإن لم يمهله للسورة تركها،
إذا أدرك المأموم الإمام في الركعة الثانية، فتكون ركعةُ ثالثة الامام وثانیة المأموم، ومن هنا فيجب عليه أن يأتي بفاتحة الكتاب، والسورة، كما يستحب له أن يقنت، إلا أنه إذا لم يمهله الإمام للقنوت تركه وركع معه، وكذلك إذا لم يمهله للسورة.
خامساً - وإن لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضاً فالحال كالمسألة المتقدّمة من أنّه يتمّها ويلحق الإمام في السجدة أو ينوي الانفراد أو يقطعها ويركع مع الإمام ويتمّ الصلاة ويعيدها."
تناولنا هذا الفرع في المسألة السابقة، فلا نعيد الكلام فيه هنا.
المسألة العشرون.
قال السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه. " المراد بعدم إمهال الإمام المجوِّز لترك السورة ركوعه قبل شروع المأموم فيها، أو قبل إتمامها، وإن أمكنه إتمامها قبل رفع رأسه من الركوع فيجوز تركها بمجرّد دخوله في الركوع ولا يجب الصبر إلى أواخره، وإن كان الأحوط قراءتها ما لم يخف فوت اللحوق في الركوع، فمع الاطمئنان بعدم رفع رأسه قبل إتمامها لا يتركها ولا يقطعها."
وقف المصنف رحمه الله تعالى عند بيان موضوع عدم الإمهال في هذه المسألة، فأكد على أن المراد من عدم إمهال الإمام، هو أن يهوي إلى الركوع قبل أن يبدأ المأموم بالسورة، أو المراد منه أن يهوي إلى الركوع قبل أن ينتهي المأموم من السورة، فیجوز للمأموم أن يترك السورة، ويركع مع الإمام، سواء امكن له اتمام السورة ودرک الامام فی الرکوع او لا ثم یحتاط بقراءة السورة إذا لا يخاف فوات اللحوق في الركوع، بعبارة أخرى، إنه إذا تيقن أو ظن أنه يمكن له أن يتم السورة قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، لأنه يطيله فيه مثلاً، فهنا ينبغي عليه أن يقرأ السورة، ثم يلحق بالإمام في الركوع. جمعا بین دلیل وجوب المتابعة ودلیل وجوب قراءة السورة.


[1]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص165، ط ج.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص287، أبواب القنوت، باب 17، ح1، ( وفي الباب رواية واحدة فقط) ط آل البيت.
[3] كتب المصنّف على( الرجل) علامة نسخة.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص387، أبواب الجماعة، باب47، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص418، أبواب صلاة الجماعة، باب67، ح2، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص416، أبواب الجماعة، باب66، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص417، أبواب الجماعة، باب66، ح4، ط آل البيت.