الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/08/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
المسألة العاشرة.
لو رفع رأسه من الركوع قبل الامام سهواً، ثمّ عاد إليه للمتابعة، فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع، فالظاهر بطلان الصلاة؛  لزيادة الركن من غير أن يكون للمتابعة، واغتفار مثله غير معلوم،  وأمّا في السجدة الواحدة إذا عاد إليها، ورفع الإمام رأسه قبله فلا بطلان، لعدم كونه زيادة ركن، ولا عمديّة، لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام.[1]
ذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل الإمام سهواً، ثم عاد إليه لأجل المتابعة، فقبل أن يصل إلى حد الركوع رفع الإمام رأسه منه، فالظاهر في المقام – حسب ما أشار إليه الماتن – بطلان الصلاة، والسر في ذلك أن المأموم زاد ركنا، وهذه الزيادة ليست لأجل متابعة الإمام، ومن المعلوم أن زيادة الركن مبطلة للصلاة، عمدا كانت أو سهواً، وإنما تغتفر إذا كانت للمتابعة، وهذه لم تقع لأجلها،
قال الماتن : (واغتفار مثله غير معلوم)، والوجه في ذلك أن مورد النصوص التي دلت على اغتفار زيادة الركن فيما إذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل الإمام ثم عاد إليه، ورفع رأسه مع الإمام، أما إذا عاد إلى الركوع زاعما أنه سيتمكن من المتابعة، ولم يدرك الإمام، فلم تحقق المتابعة واقعاً، فمثل هذه الصورة لا يشملها النص الدال على الاغتفار، ومن هنا فوقع الركوع زائداً، فيشمله إطلاق ما دل على أن زيادة الركن مبطلة للصلاة، عمداً كانت، أو سهواً.
إن قلت : إن الركوع الذي أتى به المأموم كان لأجل المتابعة، ولم يقصد به الجزئية، فلا يعتبر زيادةً في الصلاة، ومن هنا فلا تبطل صلاته.
قلت أولاً – الركوع المأتي به ليس خارجاً عن الصلاة، بل هو جزء منها، ثانياً – أنه لو سلم أن هذا الركوع ليس جزءا، فعندنا صحيحة زرارة تدل على عدم الإتيان بما لا يكون من الصلاة أثناءها، وأن الإتيان بمثله مضر بصحة الصلاة، فقد روى: " مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع  ( قَالَ: لَا تَقْرَأْ فِي الْمَكْتُوبَةِ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْعَزَائِمِ- فَإِنَ‏ السُّجُودَ زِيَادَةٌ فِي‏ الْمَكْتُوبَةِ).[2] هذه الرواية تصرح بمنع قراءة سور العزائم في الصلاة، وذلك أن سماع آية السجدة منها يوجب السجدة، وهذه السجدة وإن لم تكن من الصلاة، ولا يؤتى بها بنية الجزئية، لكن رغم ذلك قال : إن السجود زيادة في المكتوبة.
ومن هنا فزيادة الركوع لا تجوز، إلا إذا كان لأجل متابعة الإمام، والمفروض في المقام، أنه لم يقع للمتابعة، وذلك أن المأموم لم يدرک رکوع الامام حسب الفرض.
قال المصنف رحمه الله : وأمّا في السجدة الواحدة إذا عاد إليها، ورفع الإمام رأسه قبله فلا بطلان، لعدم كونه زيادة ركن، ولا عمديّة، لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام.
لسجدة قبل الإمام، ثم عاد إليها، فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حد السجدة، فلا تبطل الصلاة، لأن السجدة الواحدة لیست رکنا حتی تکون زيادة فی الركن، وأنه لم يعد إليها عن عمد، بل كان يريد أن يتابع الإمام في أفعاله، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، نعم إذا زاد متعمداٌ ولو كانت سجدة واحدة، فیوجب البطلان.
قال المصنف رحمه الله : لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام، يرى الماتن أنه إذا حصل ما ذكر في الفرع السابق، فمقتضى الاحتياط أن يتم صلاته مع الإمام، ثم يعيدها، و لکن هذا الاحتياط احتياط استحبابي حیث ورد بعد الفتوی. ومن المعلوم أن حديث " لا تعاد " يفید أن من زاد شيئا في الصلاة من غير الخمسة المذكورة في الحديث، ولم يكن متعمداً، فلا يعيد صلاته.
المسألة الحادية عشرة.
لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة، فتخيّل أنّها الاولىٰ، فعاد إليها بقصد المتابعة، فبان كونها الثانية، حسبت ثانية، وإن تخيل أنّها الثانية فسجد أخرى بقصد الثانية، فبان أنّها الاولى، حسبت متابعة،  والأحوط إعادة الصلاة  في الصورتين بعد الإتمام.
هذه مسألة أخرى من مسائل الجماعة، وهذه الفروع الدقیقة إن دل على شيء فإنما يدل على أن السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه كان له ذهن جوال، یصل الی فروع قلما یبادر بذهن الآخرین، وكان له يد بيضاء في استخراج الفروع من الأصول والجزئيات من الكليات، أعلى الله تعالى مقامه.
المهم أن الماتن أشار في هذه المسألة إلى أن المأموم لو رفع رأسه من السجود فوجد أن الإمام مازال في السجدة، وزعم أنها سجدة أولى فعاد إليها ناويا المتابعة، ثم بان أنها كانت ثانية، تحسب هذه السجدة متابعة، وكذلك بالعكس، أي : أنه رفع رأسه من السجدة والإمام ما زال فيها، فظن أنها ثانية، فسجدة سجدة أخرى، ثم ظهر له أنها كانت الأولى. والسر في ذلك أنه من قبيل الاشتباه في التطبيق، ومثل هذا الاشتباه لا يضر، ومن المعلوم أن مثل هذا الخطأ كثيراً ما يحدث، فمثلاً إذا دخل المأموم في المسجد لإرادة المشاركة في صلاة الجماعة، وزعم أن الإمام زيد مثلا، وبعد أن انتهى من الصلاة، رأى أنه عمرو، والمفترض أن كليهما عادلان، فهذا الزعم أو الخطأ لا يضر، لأنه كان يريد أن يصلي مع الجماعة وهذا قد حصل.
بعد أن ذكر هاتين الصورتين قال الماتن رحمه الله : والأحوط إعادة الصلاة  في الصورتين بعد الإتمام. السر في هذا الاحتياط هو رعاية القول المقابل والذي اختاره صاحب المستمسك رضوان الله تعالى عليه حيث قال معلقا على كلامه : " لأنه من الجهل بالتطبيق غير المنافي للامتثال. وكذا الحال فيما بعده". لكن أشكل صاحب المستمسک : بأن سجود المتابعة لم يقصد به الجزئية، فلا يغني عن السجود الجزء، ولا ينطبق أحدهما على الأخر."[2] بعبارة أخرى أنه يريد أن يقول إن ماهية سجدة الصلاة تغاير ماهية سجدة المتابعة، وذلك أن سجدة الصلاة شرعت كجزء من أجزاء الصلاة، وسجدة المتابعة شرعت لأجل متابعة المأموم للإمام. فما قصده المأموم في الفرض المذكور لم يقع، ومن وقع لم يقصده، ومن هنا فهذا ليس من باب الاشتباه في التطبيق، ولذا يشكل الحكم بصحة الصلاة. هذا ما ذكره صاحب المستمسك في المقام.
غير أن للسيد الخوئي رضوان الله تعالى كلاما دقيقا في المقام، حيث يرى أنه يجب على المأموم وقت الصلاة أحد الأمرين، وهما الصلاة الفرادى، أو صلاة الجماعة، ولكل منهما أحكام تختص بها دون غيرها. فمثلاً من أحكام صلاة الجماعة سقوط القراءة، ورجوع المأموم إلى الإمام أو بالعكس في صورة الشك، وإلى غير ما هنالك، ومن هذه الأحكام المختصة بصلاة الجماعة اشتمال الركعة على الركوعين أو ثلاث سجدات للمأموم إذا رفع رأسه قبل الإمام. ومن هنا فالمورد يكون من قبيل الاشتباه في التطبيق، فلا يضر بصحة الصلاة، وإليك نص ما قاله في المقام : " فإنّك قد عرفت سابقاً أنّ المأمور به إنّما هو الجامع بين الصلاة جماعة و فرادى، و كلّ منهما عدل للواجب التخييري، و لكلّ منهما مزايا و خصوصيات و أحكام خاصّة.
فكما أنّ من أحكام الجماعة سقوط القراءة، و رجوع كلّ من الإمام و المأموم إلى الآخر لدى الشكّ في الركعات، و نحو ذلك، فكذا من مختصّاتها اشتمال الركعة على ركوعين أو ثلاث سجدات بالإضافة إلى المأموم في خصوص ما لو رفع رأسه قبل الإمام سهواً.
فأحد الركوعين جزء من طبيعي الصلاة الجامع بين العدلين، و كذا السجدتان، و الركوع الآخر أو السجدة الأُخرى جزء لخصوص أحد العدلين و هي الجماعة في حالة خاصّة. فهو و إن كان زيادة بالإضافة إلى الطبيعي الجامع لكنّه جزء من الجماعة، فهي تمتاز و تختصّ بهذا الحكم، و هو أنّ في ركعتها ركوعين كلّ منهما جزء منها، أحدهما باعتبار الجزئية لأصل الطبيعة و الآخر باعتبار الجزئية لنفس هذا العدل، و كلّ منهما يؤتى بعنوان الجزئية بالاعتبارين. و عليه فيكون الاحتساب المزبور لدى الاشتباه و الخطأ في التطبيق على طبق القاعدة.[3]
ولهذه المسألة نظائر كثيرة، منها مثلا إذا زعم المصلي أنه يسجد الأولى، وبعد أن رفع رأسه من السجود بان له أنها كانت ثانية، فهذا لا يضر، وكذلك إذا يصلي أحد مع الجماعة، فسجد مع الإمام زاعماً أنها سجدة أولى، لكن الإمام قام للركعة الثانية مثلا، بعد أن سجد، فهنا بان للمأموم، أن ما زعمها سجدة أولى كانت ثانية، هذا كذلك لا يضر بصحة الصلاة. وكذلك الأمر في الركعات، فمثلا يمكن أن يصلى المأموم خلف الإمام وقد نسي أنه في الركعة الثانية، وزعم أنه يتابع الإمام في الركعة الأولى، وإذا به يجد الناس يرفعون أيديهم للقنوت، فتبین له أنه كان في الركعة الثانية، فمثل هذا الاشتباه لا يضر. وإلى آخر ما هنالك من الصور التي تكون من قبيل الاشتباه في التطبيق. لأن ما يكون في ذهن المصلي لا يغير من الواقع شيئا.
الوقفة الأخلاقية.
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام :: ( فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً رَاقَبَ رَبَّهُ وَ تَنَكَّبَ ذَنْبَهُ وَ كَابَرَ هَوَاهُ وَ كَذَّبَ مُنَاهُ امْرَأً زَمَّ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْوَى بِزِمَامٍ وَ أَلْجَمَهَا مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهَا بِلِجَامٍ فَقَادَهَا إِلَى الطَّاعَةِ بِزِمَامِهَا وَ قَدَعَهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِلِجَامِه ).[4] [5]
نود أن نتبارك بهذه الكلمات النورانية من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه الكلمات كما تلاحظون تحثنا على السعي والعمل في سبيل الله تبارك وتعالى للحصول على رضاه جل شانه، فهو كلام مختصر غير أنه يحتوي على مطالب عميقة جدا، فقال عليه السلام : (فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً رَاقَبَ رَبَّهُ) أي : حافظ ربه، كأنه يراه، فيحاول أن لا يقترب من الرذائل والمعاصي، ويحافظ على نفسه في كل الأحوال، فيتأمل فيما يفعل، فإن كان عمل الخير فيبادر إليه، وإن كانت معصية، فيبتعد عنها، بعبارة أخرى، يراقب كل حركاته وسكناته، ويسعى لأن يجعلها وفق مرضات ربه تعالى. 
(وَ تَنَكَّبَ ذَنْبَهُ) أي : أعرض عنه، ومال وتركه لأنه يشعر بأن الله تبارك وتعالى مطلع على أعماله، وعليم بذات الصدور، فيتخلى عن معصيته تعظيما لربه، وخوفا من عذابه وعقابه.
(وَ كَابَرَ هَوَاهُ)، أي : خالفه وعانده وغالبه، وذلك أن النفس تأمر بالسوء، وتحث على ارتكاب المعصية، وتبعد عن ساحة القدس، فمن هنا يحاول أن لا يعمل ما يأمر به هواه.
(وَ كَذَّبَ مُنَاهُ) أي : لا يصدق ما يلقي إليه الشيطان من الآمال والأماني الكاذبة، ويبادر إلى تكذيبه،  وقال عليه السلام في موضع آخر : (ألَا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ[6]اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ‏ الْأَمَلِ‏ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ‏ الْأَمَلِ‏ فَيُنْسِي الْآخِرَة)[7]  [8]فأكد عليه السلام أن أكثر ما يضر بالإنسان خصلتان : إتباع الهوى؛ وذلك أنه يمنع عن الحق، وطول الأمل، لأنه ينسي الآخرة.
ثم قال عليه السلام : (امْرَأً زَمَّ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْوَى بِزِمَامٍ وَ أَلْجَمَهَا مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهَا بِلِجَامٍ) أي يمسك نفسه عن أن ترتكب المعصية، ويكون زمامه التقوى، ويمنعها عن الرذائل ويكون المانع خشية الله سبحانه وتعالى. " قد شبه النفس الأمارة بالفرس الحرون والتقوى بالزمام والخشية باللجام ثم فرع ما يناسب كلا إليه ولا يخفى لطفه‏."[9]
ثم قال عليه السلام : (فَقَادَهَا إِلَى الطَّاعَةِ بِزِمَامِهَا وَ قَدَعَهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِلِجَامِه). القدع هو الكفف – كما ورد في اللغة – يعنى أن المؤمن دائما يسعى لأن يكون دائما في طاعة الله تعالى، وأن لا يقترب من ارتكاب المعصية، نسأل الله القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضى، ويجعلنا من الصالحين.


[1]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص159، ط ج.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص105، أبواب القراءة، باب40، ح1، ط آل البيت.
[3] موسوعة الإمام الخوئي، ج17، ص242,243.
[4] الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص172.
[5]الكافي، الشيخ الكليني، ج15، ص410، ط دارالحدیث.
[6]أي خصلتان.
[7]الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص58، ط، الإسلامية.
[8]الكافي، الشيخ الكليني، ج15، ص152، ط دارالحدیث.
[9]شرح الكافي الأصول و الروضة، المولى صالح المازندراني، ج12، ص201.