الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أحكام الجماعة
تتمة المسألة السابعة
وقفنا في المباحث الماضية عند وجوب عدم تقدم المأموم على الإمام في الأفعال، وذكرنا أن البعض استدلوا بالنبوية التي رويت في كنز العمال، وتوصلنا من خلال مناقشة الاستدلال إلى أنه ليس في محله، وذكرنا أن أصح ما يستدل به على وجوب عدم التقدم هو أن عنوان الائتمام لا يتحقق إلا بتقدم الإمام، مضافا إلى ذلك ذكرنا بعض الروايات الصحيحة التي تؤكد على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام، ثم تعرضنا إلى المراد من المتابعة، حيث اختلفت فيها آراء الفقهاء العظام، فذهب البعض أن المراد من وجوب المتابعة، هو أن يكون فعل المأموم متأخراً قليلا عن فعل الإمام، إلا أننا توصلنا من خلال مناقشة أدلة القائلين بوجوب التأخر إلى أنه يجوز المقارنة.
ومن الأدلة التي استند إليها لاستدلال على جواز المقارنة رواية عبد الله بن جعفر الحميري حيث جاء فيها : ( وَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي، أَ لَهُ‏ أَنْ‏ يُكَبِّرَ قَبْلَ‏ الْإِمَامِ‏؟ قَالَ: «لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَعَادَ التَّكْبِيرَ» )[1] هنا سئل علي بن جعفر عن صحة تكبير المأموم قبل تكبير الإمام، فأجابه الإمام عليه السلام بأنه لا يصح، وقال : ( لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد التكبير ) فقوله عليه السلام : ( لا يكبر إلا مع الإمام ) صريح في جواز المقارنة.
الإشكالات على هذه الرواية
الإشكال الأول – أن هذه الرواية وردت في باب صلاة الجنازة، وكلامنا في الصلوات اليومية مع الجماعة، فلا يصح الاستدلال بها، لأنها ليست ناظرة إلى صلاة اليومية جماعة، بل خاص بصلاة الجنازة. لكن ما ذكر فيه نظر؛ وذلك أن التعبير الذي ورد في مورد السؤال، تعبير مطلق، وكذلك في مورد الجواب، ولم يذكر فيه لفظ صلاة الجنازة، فسأل السائل : ( عن الرجل يصلي أ له أن يكبر قبل الإمام؟ ) فالسؤال عن مطلق الصلاة وتقدم تكبير المأموم على تكبير الإمام. فقال الإمام عليه السلام : (لا يكبر إلا مع الإمام، ) فالجواب كذلك ورد مطلقاً، وثانياً أن جعل الحديث في باب معين دون غيره، لا يضر بإطلاقه، قال صاحب الوسائل بعد ما روى هذه الرواية : " أَقُولُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْصُوصاً بِهَا وَالْحِمْيَرِيُّ أَوْرَدَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَيْنَ أَحَادِيثِهَا."[2]
وقال السيد الخوئي رحمه الله : " لا يخفى أن كتاب علي بن جعفر على ما يظهر من النجاشي في رجاله يروى مبوبا تارة وغير مبوب أخرى، والذي وصل إلى عبد اللَّه بن جعفر الحميري إنّما هو غير المبوّب.[3]
 لفهم ما قاله السيد الخوئي رحمه الله نود أن نشير إلى نقطة مهمة في هذا المجال، وهي أن الكتب المدونة الروائیة، قد یکون من يرويها، یرویها بتمامها کاملة من مؤلفها، ككتاب علي بن جعفر، الذی رواه الحمیری فی قرب الاسناد، و لصاحب الوسائل ایضا سند الی کتابه والکتاب موجود بعنوان مسائل علی ابن جعفر، ولذلک کثیرا ما تری یقال فی كتاب معین حدثنى عنه فلان عن فلان بجميع أحاديثه، وكما تعرفون أن كيفية رواية الكتاب على أقسام، وهي أن المؤلف – تارة - يقرأ كتابه على من يرويه عنه، وتارة يعطي نسخة من كتابه لمن يرويه عنه ویجیزه أن یروی عنه بکل ما فی النسخة، حيث يقول له، يمكن لك أن تروي عني كل ما ورد في هذا الكتاب، وأحيانا يصل إلى أصحاب الأحاديث كتاب ما، فلا يروون الکتاب کما هو بكل ما ورد فيه، بل يأخذون بعض الأحاديث، ويجعلونها في باب معين. ویرون عنه علی حسب الحاجة.
ومن هنا نقول، أولاً – إن وجود رواية في باب لا يجعلها منحصرة في ذلك الباب من حيث الدلالة على الحكم الشرعي، بل إنما يؤخذ بإطلاقها، ثانياً – ليس متعينا أن عبد الله بن جعفر روى مرتبا كل ما سمعه عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، ومن هنا فلا يعلم أن عبد الله بن جعفر هو الذي بوب كتابه أو بُوبَ كتابه فيما بعد، ومن هنا فلا دليل أن الرواية وردت في باب صلاة الجنازة.
مع الالتفات أن الرواية تتحدث عن عدم جواز تقدم تكبير المأموم على تكبير الإمام، فبضميمة عدم الفصل بين تكبيرة الإحرام، وسائر أجزاء الصلاة من الركوع والسجود وغيرهما، يقال، إن الرواية كما تدل على عدم جواز تقدم التكبير على تكبير الإمام، كذلك تدل على عدم جواز سائر أفعال المأموم على أفعال الإمام، وكما تدل على جواز مقارنة تكبير المأموم لتكبير الإمام، كذلك تدل على جواز سائر أفعال المأموم لأفعال الإمام.
الإشكال الثانيإشكال صاحب الحدائق
يرى صاحب الحدائق أن رواية علي بن جعفر لا تدل على جواز المقارنة، بل إنما تدل على وجوب تأخر فعل المأموم عن فعل الإمام؛ وذلك أنه ورد في الرواية : (لَا يُكَبِّرُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ)، ولو کان التعبیر هکذا: (لا یکبر الا مع تکبیر الامام) فکان یدل علی جواز المقارنة بین التکبیرین، ولکن لما قال: (لا یکبر إلا مع الامام) فقبل أن یکمل الإمام تکبیره لا یتصف بالإمامة فیجب علی الماموم أن لا یکبر إلا بعد دخول الإمام فی صلاته حتی یصدق علیه عنوان الإمام. ومن هنا فلا يجوز للمأموم أن يكبر إلا بعد تکبیر الإمام.
ولکن ما أفاده صاحب الحدائق في المقام ليس بسدید، وذلك أنه کما يتوقف عنوان إمامة الإمام علی تكبيره، كذلك يتوقف على تكبير المأموم، لأن نسبة الإمامة والمأمومیة نسبة التضایف، فلا یتحقق العنوان إلا بتحقق طرفی النسبة وذلك أن الإمام لا يسمى إماما إلا إذا اقتدى خلفه المأموم، فليست إمامة الإمام متقدمة على مأمومية المأموم، بل يصدق كلا العنوانين في وقت واحد، وهذا مثل الأبوة والبنوة، فأبوة الأب ليست متقدمة على بنوة الابن، بل كل من الأبوة والبنوة متوقف أحدهما على الآخر في وقت واحد. فان قلنا إن تکبير المأموم موقوف بتحقق عنوان الامامة یستلزم منه تقدیم الشیء علی نفسه وذلك أن القول بأن تحقق عنوان الإمامة موقوف على تكبير الإمام، ومن جهة ثانية هو متوقف على تكبير المأموم، فإذا قلنا إنه يجب تأخير تكبير المأموم عن تكبير الإمام، فهذا يستلزم منه أن يكون تكبير المأموم بعد تكبير المأموم، فیلزم أیضا تاخیر الشیء عن نفسه وهذ أمر مستحیل، فالمراد من قوله عليه السلام یکبر مع الإمام یعنی یکبر مع تکبیر الإمام وهذا من حذف المضاف، الذی هو شایع فی المحاورات وفي عرف اللغة واستعمالاتها، وهو مثل قولهم : لا تأكل إلا مع أهلك، أي : إلا مع أكل أهلك، ولا تدخل إلا مع زيد، أي : مع دخول الزيد. ومن هنا فما استفاده صاحب الحدائق رحمه الله من لزوم تاخیر تکبیر المأموم عن الإمام مستندا بمفاد الحدیث غیر صحیح بل ظاهر الحديث يدل على جواز تكبير المأموم مع تكبير الإمام.
الإشكال الثالث
ذكر بعض الفقهاء– منهم السيد الخوئي رحمه الله - أن هذا الحديث يثبت جواز مقارنة تكبير المأموم مع تكبير الإمام، ولا يسري هذا الجواز إلى سائر أجزاء الصلاة من الركوع والسجود والتشهد وغير ذالك، فالحديث يدل على جواز مقارنة التكبير، ولا يدل على جواز مقارنة بقية أجزاء الصلاة. قال السيد الخوئي رحمه الله : " ثمّ إنّه مع الغضّ عن جميع ما مرّ، وتسليم جواز المقارنة في التكبير بمقتضى هذه الرواية مع أنّ المشهور خلافه، فأيّ ملازمة بينه وبين سائر الأفعال؟ وعدم القول بالفصل غير ثابت، فيمكن التفكيك، لاسيما مع ثبوت الفرق، فانّ التكبير افتتاح الصلاة، فهو شرط في تحقّقها وفي انعقاد الجماعة، فلا ضير في المقارنة، بخلاف بقيّة الأجزاء الواقعة بعد الانعقاد، التي هي المدار في مراعاة المتابعة، فيمكن دعوى لزوم التأخّر فيها. على أنّ التكبير من الأقوال فلا يقاس عليه الأفعال."[4]
خلاصة ما قاله السيد أنه يمكن أن يدعى لزوم التأخر في بقية أجزاء الصلاة غير التكبير، وذلك أن الرواية تدل على جواز مقارنة تكبير المأموم لتكبير الإمام، و هناك فرق بين تكبيرة الإحرام، وبقية أجزاء الصلاة، وذلك أن تكبيرة الإحرام محقق للصلاة ومَدخلها، في حين أن بقية أجزاء الصلاة ليست كذلك، وثانياً أن تكبيرة الإحرام من القول، وبقية الأجزاء من الأفعال. فلا يصح سريان حكم تكبير الإحرام إلى بقية أجزاء الصلاة.
ولكن لنا مناقشة في كلامه، وذلك أنه إذا جاز المقارنة في تكبيرة الإحرام التي هي مما يدخل به المصلي في الصلاة، فيجوز في بقية الأجزاء من باب الأولوية، بعبارة أخرى لو كان الحكم وجوب تأخير تكبير المأموم عن الإمام، لما صح قياس غير تكبيرة الإحرام بها، ولما صح سريان حكمها إلى بقية الأجزاء، لأن التكبير محقق للصلاة، فقول السيد الخوئي : " فانّ التكبير افتتاح الصلاة، فهو شرط في تحقّقها و في انعقاد الجماعة، فلا ضير في المقارنة، بخلاف بقيّة الأجزاء الواقعة بعد الانعقاد، يدل على أنه لا ضير في المقارنة بالنسبة إلى التكبير، فإذا لا يترتب ضرر في المقارنة بالنسبة إلى التكبير، فبالأولى لا يترتب في بقية الأجزاء، لأن تكبيرة الأحرام محقق لعنوان الصلاة، ولانعقاد صلاة الجماعة. ولذلك المشهور ذهبوا الى لزوم تأخير تكبير المأموم عن تكبير الإمام ولم يقولوا بذلك في سائر افعال الصلاة.
وأما قوله : " على أنّ التكبير من الأقوال فلا يقاس عليه الأفعال." فيمكن أن يناقش فيه أيضاً حيث نقول إن تكبيرة الإحرام فعل من أفعال الصلاة، لكن في صورة القول، لأنه هو الذي يحقق عنوان الصلاة، بعبارة أخرى أنه عندنا بعض الأفعال مثل الركوع والسجود والتشهد، أمور تتحقق بالعمل وحركة الجوارح ويجب عليه في ضمن هذه الأفعال الأذكار الواردة فيها، فيجب على المصلي الركوع وذكره، والسجود وذكره، وإلى آخر ما هنالك. وهناك أفعال تتحقق بالقول أو النية مثل العقود والإيقاعات والإهانة والإكرام وغيرها من الافعال ولعلنا نستطيع أن نقول إن تكبيرة الإحرام من هذه المقولات لأنها بمثابة تحريم الصلاة ولكن يتحقق بالقول، ومن هنا حينما يذكر الفقهاء أفعال الصلاة وأجزاءها، يذكرون تكبيرة الإحرام من ضمنها، لأنها – كما ذكرنا – فعل إلا أنها تتحقق بالقول مثل العقود.
المتحصل من جميع ما ذكرنا أن هذا الحديث يدل على جواز مقارنة أفعال المأموم لأفعال الإمام، وما ذكروا من الإشكالات لا ترد عليه، فالرواية من حيث الدلالة تامة على جواز المقارنة، إلا انها ضعيفة السند فساقطة عن الاعتبار والحجية، نعم كثير من الفقهاء يعتمدون على عبد الله ابن الحسن وهو حفيد الإمام الصادق عليه السلام، وإن لم يرد في حقه توثيق من الرجاليين، إلا أنه لم يرد في حقه جرح فيأخذون بروايته ويعتبرونها ويسمى مثلها بالحسنة.
لكن في خصوص تكبيرة الإحرام ذهب مشهور الفقهاء إلى وجوب التأخير إما فتوى وإما احتياطا، مع أنهم أجازوا المقارنة في بقية أفعال الصلاة وأجزاءها. فما جاء في الرواية مخالف للشهرة، فالأحوط وجوباً أن يؤخر المأموم تكبيرة إحرامه إلى تمام تكبيرة الإمام.

قال السيد اليزدي في نهاية المسألة السابعة : ولا يجوز التأخر الفاحش[5].
أشار الماتن في نهاية المسألة السابعة إلى أنه كما لا يجوز تقدم المأموم على الإمام، كذلك لا يجوز التأخر الفاحش، أي : كثير، والدليل على ذلك، أولا – أن عنوان الائتمام كما لا يتحقق مع تقدم المأموم على الإمام، كذلك لا يتحقق مع تأخره عنه تأخرا فاحشاً، ثانياً – ثمة روايات في المقام تدل على عدم جواز التأخر الفاحش عن الإمام. منها النبوية التي وردت في كنز العمال حيث جاء فيها : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به  فإذا كبر الامام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين.)[6] [7] فكما استدل بها على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام، فكذلك يمكن أن يستدل بها على عدم جواز التأخير الكثير، لأنه قوله عليه السلام : ( فإذا كبر الإمام فكبروا ) كما يدل على عدم جواز التقدم، كذلك من المحتمل دلالتها على عدم جواز التأخير.
ومنها ما روى الشيخ الصدوق عن أبي سعيد الخدري حيث جاء فيها : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ .....( فَإِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ وَ أَقِيمُوهَا وَ سُدُّوا الْفُرَجَ وَ إِذَا قَالَ إِمَامُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقُولُوا اللَّهُ‏ أَكْبَرُ وَ إِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إِنَّ خَيْرَ الصُّفُوفِ صَفُّ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ وَ شَرَّهَا الْمُؤَخَّر).[8] [9] [10]فظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم (وَ إِذَا قَالَ إِمَامُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقُولُوا اللَّهُ‏ أَكْبَرُ وَ إِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا..... الخ ) كما يدل على عدم جواز التقدم، كذلك يدل على أن يتأخر المأموم عن تكبيرالإمام، وعن ركوعه، وعن سجوده، وإلى آخر ما هنالك من أجزاء الصلاة. وإذا قيل إن هذه الرويات – كما مر بنا – ضعيفة السند، فعندنا في المقام رويات صحيحة تدل على عدم جواز تأخر المأموم عن الإمام.
منها ما جاءت في الوسائل، الشيخ الصدوق بإسناده عن حسين بن سعيد عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: ( سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ‏ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ‏ وَ هِيَ أَوَّلُ صَلَاةِ الرَّجُلِ فَلَا يُمْهِلُهُ حَتَّى يَقْرَأَ فَيَقْضِي الْقِرَاءَةَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَالَ نَعَمْ. )[11]
سند الرواية لا بأس به؛ وذلك أن حماد بن عيسى من الفقهاء المشهورين، حسين بن سعيد كذلك من الثقات ومن الفضلاء، أما معاوية بن وهب فوثقه النجاشي رضوان الله تعالى عليه، حيث قال في شأنه : " أبو الحسن عربي صميمي ثقة حسن الطريقة روى عن أبي عبد الله و أبي الحسن عليهما السلام."[12] وكذلك ذكر صاحب مجمع الرجال أن الكشي ذكر معاوية بن وهب بما يدل على توثيقه.
أما من حيث الدلالة فالرواية تفيد فيما نحن بصدده وهو عدم جواز تأخر المأموم عن الإمام تأخرا فاحشا، وذلك أن قوله : (فَلَا يُمْهِلُهُ حَتَّى يَقْرَأَ فَيَقْضِي الْقِرَاءَةَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَالَ نَعَمْ) يدل على عدم جواز التأخر، لأنه لو كان التأخر جائزا لما أمره بترك القراءة وقضاءها في أخر الصلاة.غير أن الرواية فیها ابهام من حيث الدلالة للتشويش في عباراتها. ومن هنا قال صاحب الوسائل بعد ما ذكر هذه الرواية : أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى التَّجَوُّزِ وَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْحَمْدَ لِمَا تَقَدَّم."‏[13]
ومنها ما ذكره صاحب الوسائل قائلا : محمد بن يعقوب بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ( إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ بَعْضَ الصَّلَاةِ وَ فَاتَهُ بَعْضٌ خَلْفَ إِمَامٍ يَحْتَسِبُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ جَعَلَ أَوَّلَ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ إِنْ أَدْرَكَ مِنَ الظُّهْرِ أَوْ مِنَ الْعَصْرِ أَوْ مِنَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِوَ سُورَةٍ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ السُّورَةَ تَامَّةً أَجْزَأَتْهُ أُمُّ الْكِتَابِ- فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا يُقْرَأُ فِيهَا فِي الْأَوَّلَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ وَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَا يُقْرَأُ فِيهِمَا إِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَ تَكْبِيرٌ وَ تَهْلِيلٌ وَ دُعَاءٌ لَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةٌ وَ إِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَرَأَ فِيهَا خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَقَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ ثُمَّ قَعَدَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةٌ ).[14]
فقول الإمام عليه السلام : ( قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ السُّورَةَ تَامَّةً أَجْزَأَتْهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) يدل على عدم جواز تأخر المأموم عن الإمام تأخرا فاحشاً، وذلك أنه لو كان التأخر جائزا لما قال الإمام أن فاتحة الكتاب تجزيه عن قراءة السورة، فلما أكد على إجزاء فاتحة الكتاب عن السورة علم منها أنه لا يجوز التأخر عن الإمام.


[1] قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر الحميري، ص218.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص102، أبواب صلاة الجنازة، باب16، ح1، ط آل البیت.
[3] معجم رجال الحديث، ج12، ص314.
[4] موسوعة الإمام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج17، ص228.
[5]العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج3، ص156، ط ج.
[6] كنز العمال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، .ج7، ص602
[7]مسند أحمد، أحمد بن حنبل ج2، ص314، باختلاف يسير.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص423، أبواب الجماعة، باب 70، ح6، ط آل البيت.
[9]أمالي الصدوق، الشيخ الصدوق، المجلس الثاني والخمسون، ص322.
[10]أمالي الصدوق، الشيخ الصدوق،ص400.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص388، أبواب صلاة الجماعة، باب47، ح5، ط آل البيت.
[12] رجال النجاشي، النجاشي، ص412.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص388، أبواب صلاة الجماعة، باب47، ح5، ط آل البیت.
[14] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص388، أبواب صلاة الجماعة، باب47، ح4، ط آل البيت.