الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أحكام الجماعة
الروايات التي تدل على جواز قراءة المأموم
في بداية الفصل الثامن أشرنا إلى أنه ثمة اختلاف بين الفقهاء بالنسبة إلى قراءة المأموم في الركعتين الأوليين من الصلاة الإخفاتية، وذكرنا أن سبب الاختلاف في الأقوال هو وجود الروايات التي بعضها يدل على الجواز، وبعضها يدل على المنع، وبحثنا في الدرس الماضي عن الروايات التي ظاهرها يدل على منع قراءة المأموم في الركعتين الأوليين من الصلاة الإخفاتية، نود اليوم أن نتوقف عند بعض الروايات التي ظاهرها  تدل على المنع. ثم نرى فيما إذا يمكن الجمع بين تلك الروايات المتعارضة، لأن الجمع أولى إذا أمكن من الطرح، وقلنا إن طريقة الجمع بينها، هي أن تحمل الروايات التي تدل على المنع على أن المراد من المنع هو الكراهة والمنع التنزيهي لا التحريمي.
أما الروايات التي يدل ظاهرها على الجواز، فمنها :
الرواية الأولى : صحيحة يقطين
وَ عَنْهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ‏ فِي حَدِيثٍ ( قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصْمُتُ فِيهِمَا الْإِمَامُ أَ يُقْرَأُ فِيهِمَا بِالْحَمْدِ وَ هُوَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ فَقَالَ إِنْ قَرَأْتَ فَلَا بَأْسَ وَ إِنْ سَكَتَّ فَلَا بَأْسَ ).[1]
لا باس بالرواية من ناحية السند؛ لأن سنده صحيح؛ وذلك أن الحسن بن على بن يقطين، والحسين بن علي بن يقطين، كذلك أبوهما من الأجلاء والثقات والعدول.
أما من ناحية الدلالة، فنقول : إن وجه الاستدلال يكون كالتالي :
المراد من الصمت، في الرواية ليس عدم الإتيان بالقراءة قطعا، لأن الإمام إذا صمت بمعنى أنه لم يأت بالقراءة، وأطال في الصمت، فصلاته باطلة، ومن هنا فليس المراد من الصمت، هو عدم الإتيان بالقراءة، بل إنما يكون المراد هو الإخفات، وعلى هذا فيكون الاستعمال من باب المجاز، حيث استعمل اللفظ في غير ما وضع له، لوجود القرينة. أما وجه الدلالة على جواز القراءة، فهو قوله عليه السلام : ( إن قرأت فلا بأس وإن سكت فلا بأس )، صريح بجواز إتيان المأموم القراءة.
إلا أن هذا الاستدلال ليس في محله؛ وذلك لأمرين : أولاً : أنه ليس المتعين أن السائل سأل عن الركعتين الأوليين، فيحتمل أن يكون السؤال عن الركعتين الآخيرتين، وذلك أن الإمام يصمت ويخفت في الركعتين الآخيرتين في كل من الصلاة الإخفاتية، والجهرية، فمن المحتمل أن السائل يسأل عن جواز القراءة فيما إذا أتى الإمام بالتسبيحات في الركعة الثالثة والرابعة، لأنه جاء في الرواية : (سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصْمُتُ فِيهِمَا الْإِمَامُ) فقال السائل : الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، فكما يحتمل أن يكون السؤال عن الركعتين الأوليين من الصلاة الإخفاتية، فكذلك يحتمل أن يكون السؤال عن الركعتين الآخيرتين الثالثة والرابعة، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
ثانياً : لا ندري أن السؤال هل كان عن وظيفة الإمام أو وظيفة المأموم. فلأجل هذين الأمرين لا يصح الاستدلال بهذه الرواية على جواز القراءة في الركعتين الأوليين من الصلاة الإخفاتية، ومن هنا فلا يصح أن يقال إن هذه الرواية متعارضة للروايات التي تدل على منع القراءة.
الرواية الثانية : رواية المرافقي والبصري
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ بْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْحَازِمِيِ‏[2] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُرَافِقِيِّ وَ عُمَرَ[3] بْنِ الرَّبِيعِ الْبَصْرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع‏ ( أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ إِذَا كُنْتَ خَلْفَ الْإِمَامِ تَوَلَّاهُ‏[4] وَ تَثِقُ بِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِيكَ قِرَاءَتُهُ وَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَقْرَأَ فَاقْرَأْ فِيمَا تَخَافَتَ فِيهِ فَإِذَا جَهَرَ فَأَنْصِتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏ وَ (أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏)[5] الْحَدِيثَ ).[6]
سند الرواية : روى الشيخ قدس سره بإسناده عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، وهذا الرجل جليل القدر، عظيم المنزلة عند الرجاليين، حيث وثقوه، وأثنوا عليه، قال النجاشي : " هذا رجل جليل في أصحاب الحديث مشهور بالحفظ و الحكايات تختلف عنه في الحفظ و عظمه و كان كوفيا زيديا جاروديا على ذلك حتى مات و ذكره أصحابنا لاختلاطه بهم و مداخلته إياهم و عظم محله و ثقته و أمانته[7]. وقال الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى : و أمره في الثقة و الجلالة و عظم الحفظ أشهر من أن يذكر و كان زيديا جاروديا و على ذلك مات و إنما ذكرناه في جملة أصحابنا لكثرة رواياته عنهم و خلطته بهم و تصنيفه لهم. و له كتب كثيرة منها: كتاب التاريخ ذكر من روى الحديث من الناس كلهم العامة و الشيعة و أخبارهم خرج منه شيء كثير و لم يتمه كتاب السنن و هو كتاب عظيم قيل إنه حمل بهيمة لم يجتمع لأحد و قد جمعه هو كتاب من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام و مسنده كتاب من روى عن الحسن و الحسين عليهما السلام كتاب من روى عن علي بن الحسين عليه السلام.[8] وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وثاقة الرجل وجلالة قدره وعظم منزلته عند الأصحاب.
أما أحمد بن  محمد بن يحيي الحازمي أو الخازمي، فهو  غير العطار ورجل مجهول، لم يرد في حقه توثيق. وكذلك حسن بن الحسين، فهو مشترك بين الثقة وغير الثقة، فلا ندري أن المراد هو الثقة أو غير الثقة، أما إبراهيم بن علي المرافقي فهو أيضا مجهول، غير أن ذلك لا يضر لأن حسن بن الحسين روى عنه وعن عمر بن الربيع البصري، وعمر بن الربيع البصري ثقة، قال النجاشي : " ثقة يروي عن أبي عبد الله عليه السلام. له كتاب. أخبرنا محمد بن علي الكاتب قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا علي بن محمد بن رباح قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان قال: حدثنا حسن بن حسين عن عمر بكتابه‏.[9]
بعد الوقوف عند سند الرواية اتضح لنا أن سندها ساقط عن الاعتبار، لأن الحازمي أو الخازمي وإبراهيم بن علي المرافقي من المجاهيل، وأن حسن بن الحسين مشترك بين الثقة وغير الثقة. في حين أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن هذه الرواية مقبولة للشهرة، غير أن ما ذهبوا إليه ليس في محله.
أما من ناحية الدلالة فقوله عليه السلام : (وَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَقْرَأَ فَاقْرَأْ فِيمَا تَخَافَتَ فِيهِ ) صريح في جواز القراءة.
الرواية الثالثة : صحيحة سليمان بن خالد
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ جَمِيعاً عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: ( قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَ يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِي الْأُولَى وَ الْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْرَأَ يَكِلُهُ إِلَى الْإِمَامِ ).[10]
سند الرواية سند صحيح لا بأس به، لأن الرواة كلها من الأجلاء، والثقات والعدول. أما من ناحية الدلالة، فالمراد من ( الأولى ) هو صلاة الظهر بقرينة قوله : العصر، والمراد من قوله ( لا يعلم أنه يقرأ )، لا يسمع. أما وجه الاستدلال بالرواية، فهو أن الإمام عليه السلام قال : (لا ينبغي له أن يقرأ) ظاهر في الحرمة، ولا يقال : أن المراد من قوله عليه السلام : (لا ينبغي له أن يقرأ) الكراهة، لأن هذا التعبير لا يدل دائما على الكراهة، بل يدل على الحرمة، ولا سيما قول الإمام عليه السلام : (يَكِلُهُ إِلَى الْإِمَامِ) قرينة على الحرمة. فلا يمكن أن نستدل بهذه الرواية على جواز القراءة، بل الأولى أن يستدل بها على الحرمة.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص358، أبواب صلاة الجماعة، باب31، ح13، ط آل البيت.
[2] ( 3)- في المصدر- الخازمي.
[3] ( 4)- في المصدر- عمرو.
[4] ( 5)- في المصدر- إمام تتولاه.
[5] اعراف/سوره7، آیه204.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص359، أبواب صلاة الجماعة، باب31، ح15، ط آل البيت.
[7] رجال النجاشي، ص95.
[8] الفهرست، الشيخ الطوسي، ص68.
[9] رجال النجاشي، ص284.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص357، أبواب صلاة الجماعة، باب31، ح8، ط آل البيت.