الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الأصول

35/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الإستصحاب، تعريف الإستصحاب .
وثانياً : إنه لا ملازمة بين النظر إلى الإستصحاب بوصفه أصلاً عملياً مع تعريفه بالحكم بإبقاء ما كان،
( ص 2 )
والنظر إليه بوصفه أمارة مع تعريفه باليقين السابق والشك اللاحق، وذلك لأنه يمكن أن يجعل الحكم بالبقاء في مورد اليقين السابق ويسمَّى اليقين السابق بالإستصحاب، وإن كان التعريف يرتبط بما يفهم من كلام الأصوليين، فإنه ربما كان اصطلاح الإستصحاب عندهم لحرمة النقض والحكم بالبقاء، كما إنه قد يكون اصطلاحه عندهم لليقين السابق حتى عند النافين لإماريته .
وأما ما ذكره المحقق الأصفهاني فجوابه أننا نختار أن المقصود بالإبقاء العملي، والعقل بدوره يدرك لزوم الإبقاء العملي بمعنى ثبوت مولوية المولى وحق طاعته في موارد استصحاب الحكم اللزومي، كما أنه نختار الإبقاء التعبدي التشريعي، ويستدل عليه ببناء العقلاء لأن المقصود من بنائهم العملي بوصفهم موالي لهم عبيد يأتمرون بأوامرهم وينزجرون بنواهيهم، وسوف يأتي أن مجرد بناء العقلاء لا يصلح لأن يكون مدركاً لحجية الإستصحاب ما لم يمضَ من الشارع ؛ والإمضاء نحو حكم شرعي . والصحيح أن يُقال لو كان المقصود من تعريفه بيان مصطلح الإستصحاب لدى الأصوليين، فلا بد من سبر كلماتهم وهي مختلفة وقد طرأ عليها التعديل على مرور الزمان، وإن أريد ما هو محط النفي في الإثبات في بحث الأصولي هو التعبير بمرجعية الحالة السابقة ولعله يحتمله التعريف الآخر . ثم لا شك في كون الإستصحاب من المسائل الأصولية بناءً على كون علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الأبواب الفقهية المتعددة وذلك لعدم تقييده بباب فقهي خاص وإنما يجري في تمام الأبواب، كما أنه كذلك بناءً على تعريفه بكونه ما يقع كبرى في طريق الإستنباط، فإن الإستصحاب يقع كبرى في الإستنباط في الشبهات الحكمية .
ثم هنا قواعد أخرى مشابهة للإستصحاب لا بد من تمييزه عنها وهي ثلاث قواعد : أصالة الثبات في اللغة المصطلح عليها بالإستصحاب القهقرائي، وقاعدة اليقين أو فقل الشك الساري، وقاعدة المقتضي والمانع .
والمائز ما بين الإستصحاب وأصالة الثبات في الأوضاع اللغوية أن المتيقن في باب الإستصحاب سابق على المشكوك، وأما في أصالة الثبات يكون المشكوك هو المتقدم زماناً على المتيقن، حيث يُحرز المدلول اللغوي للفظة الصعيد - مثلاً - الآن في الزمان المتأخر ويُشك في كونه كذلك في زمان النص السابق فيبنى على ثبات الوضع اللغوي للفظة الصعيد وأنه كان كذلك في السابق، وقد ذكر السيد الشهيد أن مرجع أصالة الثبات بوصفه أصلاً عقلائياً إلى غلبة بقاء اللغة على وضعها، وذلك للبطء في تغير المداليل اللغوية فيما هو المعاش في حياة الإنسان الواحد، ومرجع هذا الإستصحاب إلى استصحاب بقاء الحالة السابقة ولو بلحاظ أمارية ذلك بنظر العقلاء، وأن المدلول الوضعي لو كان معلوماً اليوم وشك في كونه كذلك في الزمان السابق ثبت بالملازمة أنه كان كذلك وإلا لوقع التغير والتبدل في اللغة والأصل عدمه.
وأما فرق الإستصحاب عن قاعدة اليقين فلتقوّم الإستصحاب باليقين بالحدوث والشك في البقاء، وهذا بخلاف قاعدة اليقين حيث يسري الشك فيها إلى نفس ما تعلق به اليقين أي المتيقن السابق ويشك به، ومن هنا كان الشك سارياً بخلافه في الإستصحاب فإن الشك طارٍ .
وهذا كلام لا غبار عليه، وسوف يأتي أن قوام الإستصحاب ليس الشك في البقاء بحرفيته وإنما الشك في ما فرغت عن ثبوته ؛ كما لو علمنا بحدوث الملاقاة إما الآن أو قبل ساعة وعلى التقدير الثاني يُحتمل بقاؤها إلى الآن فإنه يجري الإستصحاب رغم أن الشك في البقاء ليس فعلياً وعلى كل تقدير، وإنما الشك في شيء قد فرغ عن ثبوته، وهذا المقدار كافٍ لجريان الإستصحاب ولصدق نقض اليقين بالشك . وهذا بخلاف ما لو كان الشيء ثابتاً إما في الزمان الأول فقط، أو في الزمان الثاني، فإنه لا يجري الإستصحاب لإثبات وجوده في الزمان الثاني لأن هذا الشك مقوم بنظر العرف للعلم الإجمالي حيث إن أحد طرفي العلم الإجمالي ثبوته في الآن الأول الملازم لعدم ثبوته في الآن الثاني فلو رفعت اليد عنه لا يكون من باب نقض اليقين بالشك، فلا تشمله إطلاقات أدلة الإستصحاب .
ثم إن هنا فرقاً آخر ؛ فإن الملاك في الإستصحاب بناءً على أماريته هو الملازمة بين الحدوث والبقاء، وأما الملاك في قاعدة اليقين فهي غلبة مطابقة اليقين السابق وعدم الإلتفات إلى الشك اللاحق .