الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الأصول

34/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- أصول الفقه.
ثم إن هذا التغاير فيما بين المفهومين تارةً يكون بنحو اللف والنشر في عالم اللحاظ الذي هو من شؤون المولى، وأخرى يكون التباين بين ذات الملحوظين، فالتغاير فيما بين المفهومين إن كان بالنحو الأول كان المورد من موارد الدوران بين الأقل والأكثر بلحاظ ما يدخل في من تكليفٍ في عهدة المكلف، وليس من موارد الدوران بين المتباينين لأن التغاير فيما بين المفهومين إنما كان بخصوصيةٍ لحاظيةٍ لا تدخل في العهدة حتى يكون من الدوران بين المتباينين بلحاظ ما يدخل في العهدة، فالتغاير بين المفهومين إنما كان بخصوصيةٍ هي من شؤون المولى، وما يدخل في عهدة المكلف عبارةٌ عن ذات الملحوظ بلحاظ الإجمال أو التفصيل، وليس التردد بهذا العالم ما بين المتباينين وإنما بين الأقل والأكثر.
والحاصل: إن الجامع لما كان حقيقياً موجوداً ضمن أفراده فهو منحلٌ حقيقةً بلا حاجةٍ للإنحلال الحكمي.
وأما الحالة الثانية فالمغايرة بين المفهومين ثابتةٌ بلحاظ ما يدخل في العهدة وهو ذات الملحوظ لا أن التغاير في مجرد اللحاظ وفيما يرتبط بشؤون المولى، والحاصل: إن الدوران بلحاظ ما يدخل في العهدة يكون بين المتباينين، رغم أن امتثال الأخص يساوق الإتيان بالأعم وامتثاله؛ أي أن العلم الإجمالي غير منحلٍ حتى بلحاظ ما يتسجل على المكلف ويدخل في عهدته، إلا أنه رغم ذلك تجري البراءة عن وجوب أضيق العنوانين دائرةً ويكون العلم الإجمالي منحلاً حكماً، حيث إن البراءة تجري عن وجوب العنوان الأضيق ولا تعارض بالبراءة عن  و جوب العنوان الأعم لعدم معنى محصلٍ لجريانها حتى تدخل في حلبة المعارضة مع البراءة عن وجوب الأخص، إذ التأمين عن وجوب الأعم مع الإتيان بالأخص لو أريد فهو غير صحيحٍ لأن نفي الأعم هو نفيٌ للأخص ضمناً، وإن أريد التأمين عنه في حالة ترك الأعم مطلقاً بما فيه من ترك الأخص فهذا غير معقولٍ لأنه ترخيصٌ في المخالفة القطعية وهو قبيح. وهذا إنما يتم على مسلك الإقتضاء الذي يرى أن منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية إنما هي في طول جريان الأصول في الأطراف وتعارضها دون مسلك علية العلم الإجمالي لوجوب الوافقة القطعية لأنه كما يمنع عن جريان المؤَّمن في الطرفين يمنع عن جريانه حتى في الطرف الواحد.
ودعوى: إننا ننظر الإنحلال بلحاظ عالم التطبيق والإمتثال وأن إمتثال أحدهما لا ينفك عن الآخر
فيكون الدوران بين الأقل والأكثر بلحاظ ما لا بد من الإتيان به خارجاً فيها: أنك قد عرفت أن الضابطة هي ملاحظة الوجوب وما يتعلق به، لأنه بهذا المقدار يدخل في العهدة، وفي هذا اللحاظ يكون دائراً بين مفهومين متباينين ويكون احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على الأخص منجزاً عقلاً.
المقام الثاني في الدوران بين التعيين والتخيير الشرعي، ولا بد من التعرض للمباني في حقيقة التخيير الشرعي وبحث أمر الدوران على ضوء تلكم المباني.
ما هو المعروف من رجوع حقيقة التخيير الشرعي إلى وجوبين مشروطين بترك متعلق الآخر، حيث يشترط وجوب العتق بترك الإطعام وهكذا وجوب الإطعام، وعليه يُعلم بوجوب العتق – مثلاً – في فرض ترك الإطعام، ويشك في وجوبه في فرض الإتيان به، ومآل ذلك إلى الشك في كون وجوب العتق مطلقاً حتى مع الإطعام أو مقيداً بتركه، وهذا يعني العلم بوجوبه في حال ترك الإطعام حيث يتحقق شرط الوجوب المحتمل ويشك في وجوبه في فرض الإطعام حيث لا تحقق للشرط، وعليه سوف تجري البراءة عن وجوبه في حال عدم تحقيق الشرط بالإتيان بالإطعام وهذا هو التخيير نتيجةً.