الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الأصول

34/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول/ مباحث القطع /منجزية العلم الإجمالي/ الاضطرار إلى بعض الأطراف
 الصورة الثانية : ما لو كان الاضطرار إلى طرف ما لا بعينه، كالاضطرار إلى شرب أحد المائين اللذين يُعلم إجمالاً بنجاسة أحدهما وكان رفع الاضطرار بأي واحد منهما.
 فإنه لا إشكال في عدم وجوب الموافقة القطعية لمكان الاضطرار إلى أحدهما الموجب لثبوت الترخيص التخييري، وإنما البحث في تنجيز حرمة المخالفة القطعية.
  ذهب صاحب الكفاية: إلى عدم حرمة المخالفة القطعية وذلك لثبوت المنافاة ما بين الترخيص التخييري والحرمة الواقعية المعلومة بالإجمال ومع هذه المنافاة سوف ينتفي العلم بالتكليف ويكون الطرف الآخر محض شبهة بدوية ولا يكون طرفاً للعلم الإجمالي لانتفائه مع ثبوت هذه المنافاة ما بين الترخيص التخييري والحرمة الواقعية فيجري المؤمن بلا محذور.
 والميرزا في أحد تقريريه: رفض هذه المنافاة على أساس أنها لا تخلو إما أن تكون على ما هو ظاهر كلام الأخوند ما بين الترخيص التخييري والحرمة الواقعية وهذا غير تام لأنه متفرع على أن يكون الترخيص التخييري واقعياً في المقام مع أنه ليس واقعياً أو فقل ليس ترخيصاً تخييرياً واقعياً في الحرام الواقعي لكون هذا الترخيص التخييري إنما حصل نتيجة الجهل بالحرمة والواقعية وترددها ما بين الإنائين.
  وعليه فالترخيص التخييري لا ينافي الحرمة الواقعية ولا يقتضي رفع اليد عنها، وإما أن تكون المنافاة ما بين الترخيص التخييري والحرمة المنكشفة انكشافاً ناقصاً أي ما بين الترخيص التخييري وحكم العقل بقبح المخالفة للحرمة المعلومة إجمالاً، إلا انه على مسلك الاقتضاء لا مانع من الترخيص في المخالفة الاحتمالية في أطراف العلم الإجمالي تعييناً فضلاً عما إذا كان تخييرياً لأن منجزية العلم لحرمة المخالفة الاحتمالية معلقة على عدم الترخيص ولو تخييرياً فلو ورد فسوف يُعلِّق هذه المنجزية، وبالتالي لا منافاة بينها فالعلم الإجمالي بالحرمة ثابت إلا أنه لمكان الاضطرار لا ينجز بمقدار الموافقة التامة ووجوب الموافقة القطعية لثبوت الترخيص في اقتحام احدهما علاجاً للاضطرار إلا أنه ينجز بمقدار حرمة المخالفة القطعية وهذا ما يصطلح عليه بالتوسط لكن في التنجيز لا التكليف.
 ثم إن المحقق العراقي أفاد: أن ذلك إنما يتم على مسلك الاقتضاء الذي سلكه الميرزا دون مسلك العلية الذي يراه المحقق المذكور،لأن منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة الاحتمالية كمنجزيته لحرمة المخالفة القطعية أي أنه على نحو العلة التامة لأنه ينجز الواقع مباشرة فلو تم ذلك كان الترخيص التخييري منافياً مع الحرمة الواقعية وبانتفاء الحرمة فلا يبقى موجب لحرمة المخالفة فضلاً عن حرمة المخالفة الاحتمالية المنفية بالاضطرار إلى أحد الطرفين لا بعينه.
 إلا أنه (قده) برغم ذلك قد أفاد: لزوم الاجتناب عن الطرف الآخر ، وذلك لأن المنافاة ليست ما بين الترخيص التخييري وأصل الحرمة كما هو واضح وإنما بين الترخيص التخييري وبين اطلاق الحرمة فيما لو صادف ما اختاره من أحد الانائين لا بعينه لرفع اضطراره للحرمة الواقعية فيكون العلم الإجمالي بحرمة المساورة مقيدة بذلك وهذا ما اصطلح عليه المحقق العراقي بالتوسط لكن في التكليف لا في النجيز.
  هذا خلاصة ما أفاده الأعلام الثلاثة إلا أنه لا بد من بيان مطلب به يتضح الحق في المسألة وذلك أنه لا منافاة ما بين الإضطرار إلى طرف ما لا بعينه الموجب لثبوت الترخيص التخييري مع الحرمة الواقعية بلا فرق ما بين مسلك الاقتضاء أو العلية
 أما الأول: فلما تقدم في بيان الميرزا وأما الثاني فلأن العلية بمعنى عدم إمكان فرض الشك معذراً مع فرض العلم بالحرمة ولو إجمالاً إلا أنه لا ينافي ذلك وجود مؤمن آخر وهو الاضطرار، كما لو أمر المولى عبده بفعل غير قادر العبد على امتثاله، وفرضنا أنه كان عالماً بذلك لا أنه جاهل حتى نتمسك بمعذرية الجهل، فإنه لا يتنجز عليه لعدم ثبوت حق طاعة للمولى فيما هو خارج قدرته، مع عدم منافاة ذلك مع منجزية العلم الإجمالي ومقامنا كذلك إذ المكلف مضطر إلى عدم الموافقة مع انحفاظ الحرمة الواقعية على حالها، لعدم الاضطرار إليها فينتفي وجوب الموافقة القطعية، وأما حرمة المخالفة القطعية فتبقى على حالها، وهذا من التوسط في التنجيز دون التكليف كما ذكر الميرزا .
 والحمد لله رب العالمين