الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الأصول

33/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث القطع /منجزية العلم الإجمالي/ جريان الأصول في الأطراف
 كان الكلام في البيان الثاني للمحقق العراقي وقلنا بأنه يشكل عليه بأمور:
 أولا : ما تقدم من أن حكم العقل بالمنجزية في موارد العلم التفصيلي فضلا عن الإجمالي معلقة على عدم ورود الترخيص من المولى بحيث لا يكون وروده مناقضا مع الإلزام الواقعي، وإنما يكون رافعا لموضوع حكم العقل بلزوم الطاعة فلا تضاد بينها.
 ثانيا: إن دعوى التضاد فيما بين الترخيص في تمام الأطراف مع التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال إن كان على أساس ارتكازية ذلك لدى العقلاء بحسب أغراضهم ومعايشهم، فذلك مختص بما لدى العقلاء على أساس تغليب المصالح اللزومية على الترخيصية في مقام الحفظ إلا انه لا ربط لذلك بالمولى الذي ربما تكون الأغراض الترخيصية أهم من الإلزامية في مقام الحفظ ولعل شارعنا كذلك.
 ثالثا:انه لو تمت المنافاة ما بين حكم العقل بوجوب الامتثال والترخيص في تمام الأطراف إلا انه لا يوجب سريان التنافي إلى الإلزام الواقعي لا بحسب تحريكه لأن الغرض المقدمي لا بد أن يكون بمقدار قابلية المقدمة ولا يعقل أن يكون أوسع منه كما انه ليس بضرورة لا بد أن يكون أضيق منه، فلعل الغرض من التحريك وحفظ الإغراض الواقعية مخصوص بموارد العلم التفصيلي دون الإجمالي بحيث لا يكون هناك تناف ما بين الإلزام الواقعي المعلوم بالإجمال مع الترخيص في تمام الأطراف.
 إلى هنا فلم يتم شئ مما ذكروه لإبراز المانع الثبوتي لذا فالصحيح عدم وجود مانع ثبوتي من جريان الأصول المؤمنة في جميع الأطراف كما عليه السيد الشهيد.
 الجهة الثانية: في المانع الاثباتي عن جريان المؤمن في تمام الأطراف بعد فرض انه ليس علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ، وهذا المانع يمكن بيانه بأحد وجهين كما في كلمات السيد الشهيد:
 الوجه الأول: ارتكازية المناقضة بين حرص المولى على الغرض اللزومي وشدة اهتمامه به ولذا تصدى لطلب تحصيله من المكلف أو رفع اليد عنه لمجرد التباسه بغرض ترخيصي محتمل أو معلوم كذلك أعني بالعلم الإجمالي ضرورة أن الأغراض الترخيصية مهما بلغت من الأهمية لا ترقى لان تبلغ رتبة تتقدم معها على الغرض اللزومي المعلوم، بحيث يكون الترخيص في تمام الأطراف تفويت للغرض اللزومي المعلوم، وهذا الارتكاز بمثابة القرينة اللبية المتصلة باطلاقات الأصول الترخيصية المانعة عن انعقاد الإطلاق فيها بلحاظ أطراف العلم الإجمالي جمعيا فالمانع إثباتي ليس ثبوتيا .
 الوجه الثاني: إن عنوان (ما لا يعلمون)و(وما حجب علمه عن العباد فهو موضوع عنهم)، وان كان شاملا لأطراف العلم الإجمالي على حد شموله للشبهات البدوية، إلا أن المنساق والمنصرف من هذه الأدلة أن الترخيص المجعول في موارد الشك إنما هو لصالح الأغراض الترخيصية المتزاحمة تزاحما حفظيا مع الأغراض الإلزامية التي لا يعلم بها، دون الأغراض الإلزامية التي يعلم بها، صحيح أن كل طرف مشكوك لا يعلم بالغرض اللزومي فيه إلا أن مجموع الأطراف يعلم بالغرض اللزومي فيها لا يكون منساقا من أدلة الأصول المؤمنة .
 إن قلت: انه لا فرق في موارد التزاحم ما بين الأغراض اللزومية المتزاحمة مع الأغراض الترخيصية بين أن تكون معلومة أو مشتبه بها، لو ساعد على ذلك الإثبات والمفروض أن إطلاق دليل الأصل المؤمن يساعد على ذلك فلا مشكلة من حيث الإثبات.
 قلت: انه فرق ما بين التزاحم الحفطي ما بين غرض ترخيصي معلوم أو مشتبه به متزاحم تزاحما حفظيا مع الغرض اللزومي المشتبه كذلك وبين غرض ترخيصي كذلك مع غرض لزومي معلوم ولو إجمالا، بعد التسليم بان إطلاق دليل الأصل المؤمن تام لا إشكال فيه، فلربما قدم الغرض الترخيصي على اللزومي فيما لو كان كل منهما مشتبها لأهميته، بخلاف ما لو كان الغرض اللزومي معلوما، حيث إن المنساق منه تقديم الغرض الترخيصي على اللزومي المشتبه غير المعلوم ولا ملازمة بين الأمرين .
 وهذا الوجه لا يتم في مثل (كل شئ حلال) الظاهر في جريانه حتى مع العلم بوجود الحرام، كما انه لا يتم في الأصول التنزيلية التي يكون لقوة الاحتمال دخالة في ملاكها، كالاستصحاب النافي للتكليف في موارد العلم الإجمالي، لعدم اختصاص دليل الاستصحاب بالقسم الأول من التزاحم الحفظي بل يشمل حتى موارد العلم بالإلزام نعم يتم فيها التقريب الأول.
 والحمد لله رب العالمين