الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الأصول

33/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث القطع

/

منجزية العلم الإجمالي

 كان الكلام فيما أفاده المحقق العراقي من الاستدلال على منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية وقد ذكر دليلين ، وقلنا بأن الدليل الأول مؤلف من ثلاث مقدمات وذكرنا مناقشة السيد الشهيد له
 أما الدليل الثاني فحاصله:
  إن العلم الإجمالي وان تعلق بالجامع إلا انه لم يتعلق به بما هو في نفسه، وإنما تعلق بجامع مفروغ عن انطباقه على الواقع، أو فقل قد تعلق بجامع مفروغ عن تخصصه بالخصوصية، لا انه تعلق بالجامع فقط أي لم يقف على الحد الجامعي للجامع.
 وفيه: انه إن أريد المفروغية عن تخصص الجامع بالخصوصية في مرحلة تعلق العلم الإجمالي به، فهذا غير مسلم، وذلك لأن مآبه إلى العلم بالخصوصية مع انه لا علم بالخصوصية حسب الفرض،
 وان أريد المفروغية عن جامع الخصوصية، فهذا بذاته جامع والعلم به لا يوجب الاشتغال إلا بمقدار، إذ أن المقدار الذي تنجز واشتغلت به الذمة هو ذلك الجامع لا أزيد، وهو منطبق قهرا على كل من الطرفين.
  وان شئت قلت: إن الخصوصية المفروغ عنها تارة تكون الخصوصية بالحمل الأولي، وأخرى بالحمل الشائع، والمعلوم بالعلم الإجمالي جامع الخصوصية المنطبق على كل منهما أي الخصوصية بالحمل الأولي، وأما المقصود تنجزه، فانه واقع الخصوصية أي الخصوصية بالحمل الشائع.
 وفيه: إننا نختار الشق الأول، وسلمنا انه لا علم بالخصوصية، إلا أن المقصود تعلق العلم بالجامع المفروغ عن تخصصه، بمعنى الجامع المنطبق على الخصوصية بمعزل عن تلك الخصوصية المنطبق عليها.
  وان شئت قلت: لدينا جامع وجامع منطبق على الخصوصية ولدينا خصوصية، والفرض أن مقامنا من قبيل الثاني لا الأول ولا الثالث.
 هذا ما يرتبط بأصل منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية .
 العلية والاقتضاء
 ثم انه يقع البحث في أن المنجزية هل تكون بنحو الاقتضاء ؟ أي أن المنجزية هذه معلقة على عدم ورود المرخص بحيث يكون وروده مانعا عن اقتضاء هذا العلم لأن يؤثر في مقتضاه اعني منجزية تمام الأطراف أي وجوب الموافقة القطعية.
  أو أنها بنحو العلية؟ بحيث يستحيل الترخيص فيكون العلم الإجمالي مانعا عن جريان المرخص حتى في بعض الأطراف.
 وهذا إنما يتأتى لو بنينا على علية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، وأما إذا قلنا بعدم عليته لذلك، وإنما هو مقتضي له، فما ظنك بمنجزيته لوجوب الموافقة القطعية؟ طالما انه معلق على عدم ورود المؤمن من دون فرق بين حرمة المخالفة ووجوب الموافقة.
 ثم لو بنينا على أن العلم الإجمالي لا ينجز مباشرة، وإنما التنجيز في طول تساقط الأصول فلا يتم هذا البحث لأن المنجز هو احتمال التكليف من دون مؤمن لا العلم به، بحيث إذا جرى المؤمن في طرف ارتفع التنجيز أي أن التنجيز متفرع على جريان الأصول وتساقطها ،وعليه لا يصلح هذا النحو لأن يكون مانعا عن جريان المؤمن ولو في بعض الأطراف، فالبحث إنما يتجه على المسلكين الآخرين.
 والحاصل: انه يوجد في المقام مسلكان:
  1. مسلك العلية وقد اشتهر به المحقق العراقي.
  2. مسلك الاقتضاء، وقد اشتهر به الميرزا النائيني.
 دليل الميرزا
 ذكر الميرزا وجها لما سلكه من أن العلم الإجمالي إنما كان علة لحرمة المخالفة القطعية، لكونها عصيانا محكوما بالقبح فيها، وهذا بخلاف الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي، فلا يكون ترخيصا في المخالفة القطعية، وإنما الاحتمالية، وهذا ليس قبيحا إذ ليس معصية، وزان الشبهات البدوية فلا بأس بالترخيص في بعضها.
 وفيه: إن كان مقصود الميرزا مجرد منبه وجداني لدعوى الترخيص في بعض الأطراف، وانه لا يعدو أن يكون ترخيصا في المخالفة الاحتمالية، فهو تام.
  وان أريد برهانا لمعقولية الترخيص في المخالفة الاحتمالية، فلا يتم إذ لا معنى لتعليل علية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة واقتضائه لوجوب الموافقة بان الترخيص في الأول هو ترخيص في المعصية بخلافه على الثاني، وذلك لأن المقصود من المعصية التي يكون الترخيص فيها قبيحا كل مخالفة يحكم العقل فيها بكونها مخالفة لحق طاعة المولى وحكم العقل بذلك فرع بحث العلية والاقتضاء، فلا معنى لتعليل ذلك بذلك.
 والحمد لله رب العالمين