الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الاصول

32/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث القطع/ قيام الأمارات مقام القطع/ القطع الطريقي
 كان الكلام فيما أشكلت به مدرسة الميرزا على ما أفاده المحقق صاحب الكفاية ، من رفع التنافي بين قاعدة قبح العقاب بلا بيان وتنجز الأمارة ، بناء على مبناه من أن المجعول هو المنجزية والمعذرية وقد رتبت مدرسة الميرزا على ذلك أنه لا يعقل أن يكون المجعول عنوان المنجزية ولا واقعها ، وبالتالي فالمنافاة بين حكم العقل والدليل الذي تكفل جعل الحجية للحكم الظاهري باقية ، فدعوى التنزيل لا تجدي في رفع التنافي ،
 ويتلخص ما ذكره الميرزا في نقاط ثلاث :
  1. إن المنجزية والمعذرية إن كان المراد واقعهما فلا يعقل التنزيل ، لأن الأحكام العقلية خارجة عن سلطة المشرع ، وإن كان المراد عنوانهما ، فهو لا يوجب تحريكا
  2. إن المنافاة بين قاعدة قبح العقاب بلا بيان ودليل حجية الأمارة باقية
  3. لا بد في رفع التنافي من اعتبار الأمارة علما
 ويمكن لصاحب الكفاية أن يجيب على مدرسة النائيني بالجواب التالي : إن كان المراد عنوان المنجزية والمعذرية ، فهو وإن كان مدلولا تصوريا لا يوجب تحريكا ولا يستتبع تنجيزا، إلا أن الدليل الذي تكفل جعل الحجية للأمارة يكشف كشفا تصديقيا عن شدة اهتمام المولى بالواقع وأنه لا يرضى بتركه ، وهذا يستتبع تنجيزا ، وإن كان المراد جعل واقع المنجزية والمعذرية ، فهو إنما يكون على نحوين:
 النحو الأول: جعل واقع المنجزية والمعذرية بالمباشرة ، فلا يعقل جعل واقعهما لأن الأحكام العقلية خارجة عن سلطة المشرع .
 النحو الثاني: جعل واقعهما بالتسبيب ، بمعنى أن يعمد المولى إلى بيان موضوع المنجزية أي بيان غرض الموضوع وشدة اهتمامه وحفظه وعدم رضاه بالترك ، فيتحقق ما يكون موضوعا لتلك الآثار ثم تترتب هي تلقائيا من دون أن يتصرف الشارع بها ويسحبها على المورد .
 هذا وفي كلام صاحب الكفاية مزية غير موجودة في كلام الميرزا وهي أن جعل الطريقية في كلام الميرزا لا يكون إلا لعنوانها ولا يكون لواقع الطريقية والعلمية ، بينما في كلام الكفاية يحتمل الأمران أعني جعل عنوان المنجزية ، وجعل واقع المنجزية بجعل الموضوع الذي تترتب عليه الآثار بشكل تلقائي .
 والحاصل : أن صياغة الحكم الظاهري شئ وواقعه الذي على أساسه نرفع المنافاة بين دليل الحجية وقاعدة قبح العقاب بلا بيان شئ آخر ، مفهما اختلفت صياغة جعل الحكم الظاهري فإنها لا تغيّر في روحه ومضمونه والذي على أساسه رفهنا المنافاة بين التأمين المستفاد من قاعدة قبح العقاب بلا بيان والتنجيز الآتي من دليل حجية الأمارة ، والذي يشهد لذلك أنه لو هدد ظالم المولى بأنه سوف يقتل ابنه إن لم يجعل الأمارة علما فاعتبرها علما دفعا لتهديده ، وليس لإبراز اهتمامه وحفظه للغرض الواقعي ، فإن البراءة العقلية أعني قاعدة قبح العقاب بلا بيان تجري ولا يكون هناك منافاة وتناقض بينها وبين اعتبار الأمارة علما ، طالما أن المدلول التصديقي هو دفع التهديد، وليس مزيد اهتمامه بالواقع . نكتفي بهذا القدر وإلى درس قادم إنشاء الله والحمد لله رب العالمين .