الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الاصول

32/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الأصول/ مباحث القطع/ التجري/ أدلة حرمة التجري

 ذكرنا في الدرس الماضي التنبيه الأول من التنبيهات الثلاث لمبحث التجري ،

اما التنبيه الثاني: ذكر المحقق العراقي ثمرة للقول بقبح التجري ، وحاصلها : إنه على القول بقبح التجري نحكم ببطلان العمل العبادي ،كما لو اعتقد المكلف حرمة صلاة الجمعة ، وقد أتى بها ثم انكشف وجوبها ولو تخييرا ، فعلى القول بقبح التجري لا بد من الحكم ببطلان الصلاة ، أما لو لم نقل بقبحه فالصلاة محكومة بالصحة لو تمشى منه قصد القربى .

ويرد عليه :

 إن الميزان للحكم بعدم الصحة وعدم تمشي قصد القربى منه ليس سببه قبح التجري على القول به ، وإنما الميزان هو في وجود حرمة فعلية ناجزة في حقه كما هو الفرض ، وبعبارة أخرى لا يمكن للمكلف التقرب إلى المولى بما يراه مبعدا ومنفرا عنه ، حتى لو كان بحسب الواقع ليس حراما أو واجبا ، وعليه فبطلان العبادة سببه تنجز الحرمة وليس قبح التجري المترتب عليه عدم تمشي قصد القربى .

التنبيه الثالث : وهو ما ذكره صاحب الفصول وحاصله : أن الحسن والقبح على أقسام ثلاث :

الحسن والقبح الذاتيان ، كحسن العدل وقبح الظلم ، حيث يكون الحسن تمام الموضوع ، والعلة التامة ، للحكم بالحسن والقبح . الحسن والقبح الإقتضائيان ، كحسن الصدق وقبح الكذب . ما يختلف بالوجوه والإعتبارات ، كالمشي الذي يتعنون بالحسن إذا كان لإغاثة ملهوف ، وبالقبح إذا كان للقتل ونحوه .

 وقد طبق صاحب الفصول القسم الثالث على التجري ، حيث اعتبر أن العقل المتجرى به ، وإن كان فيه مفسدة على أساسها حكم بالقبح ، الا أنه قد يشتمل على مصلحة أهم بمراتب من تلك المفسدة ، بحيث تكون المفسدة منكسرة بهذه المصلحة فلا يحكم العقل بقبح هذا الفعل المتجرى به ، وذلك كمن أنقذ ابن مولاه وهو يعتقد أنه عدو له ، فمن الواضح أن إنقاذ عدو المولى فيه مفسدة تحرم عليه إنقاذه إلا أنها منكسرة بمصلحة أهم وهي إنقاذه ابن المولى واقعا ، وإذا اشتمل الفعل المتجرى به على مفسدة أخرى ، فإن القبح يشتد ويتأكد .

 ويرد عليه : ما ذكره المحقق العراقي من أنه يمكن الجمع بين المفسدة الكامنة في التجري والمصلحة الآكد في ذات الفعل لا بوصفه تجريا ، بأن المفسدة في مرتبة التجري الذي هو في مرتبة العصيان متأخرة عن ثبوت الحكم في الواقع ، الواصل إلى المكلف والمتنجز عليه ، وأما المصلحة فهي في مرتبة ذات الفعل الواقعي ، فلم تجتمع المصلحة والمفسدة على مصب واحد حتى يكون بينهما كسر وانكسار .

 هذا وفيما أفاده صاحب الفصول والمحقق العراقي نقاش نتكلم عنه في الدرس اللاحق إنشاء الله