الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الاصول

32/11/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الأصول/ مباحث القطع/ التجري/ أدلة حرمة التجري

 كان الكلام في الدليل الرابع على حرمة التجري وقلنا أنه مؤلف من مقدمات ثلاث حاصلها :

إن الغرض من التكليف هو إيجاد الداعي والمحركية . إن الإرادة لا تتعلق بالواقع لأنها نحو حكم وهو فرع تصور المحكوم عليه وكذلك الإرادة لا يمكن أن تتعلق الا بالصورة الذهنية للمراد الخارجي إذا قلنا بأن متعلق التكاليف هو الواقع المقيد بكونه مصيبا للواقع فهذا يلزم منه التكليف بغير المقدور ، وذلك لأنه يستحيل على من يريد شرب الخمر مثلا أن يعلم بأن إرادته سوف تكون مصيبة للواقع قبل شربه للخمر ، ولذا قلنا بأن التكليف متعلق بما يراه المكلف واقعا.

 وبناء على هذه المقدمات الثلاث نخرج بهذه النتيجة ، وهي أنه كما أن التكاليف شاملة لمورد إصابة الإرادة للواقع ، فهي شاملة لمورد عدم الإصابة أي لما يراه المكلف أنه واقع وإن لم يكن مصيبا في قطعه ، فنفس الادلة الاولية الدالة على حرمة المعصية هي نفسها دالة على حرمة التجري لأن التكاليف متعلقة بما يراه المكلف فإن أصاب قطعه فهي المعصية وإن لم يصب فهو التجري .

ويرد عليه عدة إيرادات نقتصر على اثنين منها :

الإيراد الأول: نلتزم أن التكاليف متعلقة بالخمر الواقعي وليس بما يراه المكلف ، وما ذكر من محذور لزوم التكليف بغير المقدور ليس في محله ، وذلك لأنه يكون تكليفا بغير المقدور إذا قلنا أنه قيد للواجب والمكلف به ، وأما اذا كان قيدا في أصل التكليف فلا يلزم التكليف بغير المقدور ، وتوضيح ذلك :

 تارة نقول أنه مكلف بالحرمة للخمر الواقعي ، ومكلف أيضا بأن يتحرى أن هذا الذي أراده وعزم على شربه يكون مطابقا مع الواقع ، بأن تكون المطابقة أخذت قيدا في المكلف به والمأمور به أي يكون التحري عن الإصابة جزءا من التكليف ، وأخرى نقول بأنها قيد في أصل التكليف ، والتكليف بغير المقدر يلزم على الاحتمال الأول دون الثاني، وذلك لأنه في صورة كون المطابقة قيدا في أصل التكليف لا يكون المكلف مطالبا بتحري المطابقة بين ما يراه والواقع ، نعم إذا كان هناك تطابق يكون مأمورا أو منهيا عنه .

 إن قلت :هذا تضييق للواسع ، وكيف يستفاد من الأدلة ؟

 قلت : الأدلة تعلقت بحرمة شرب الخمر والواقعي ، لا بما يراه ويتخيله خمرا سوء أصاب الواقع أو لا ، فقيد المطابقة لم يكن مأمورا به ، وذلك لأن التكاليف طرا تعلقت بعناوين واقعية وليس بما يتصوره ويتخيله المكلف وبعد ذلك يتحرى مطابقة ما يتصوره مع الواقع ،

الإيراد الثاني:إن الغرض والمراد التشريعي من التكليف بالوجوب هو إخراج المتعلق من كتم العدم إلى حيز الوجود في الواجبات ، وفي المحرمات إبقاء جميع أفراد الطبيعة المنهي عنها في كتم العدم ، وهذا بخلاف الدفع والزجر التكوينيين ، ففي الدفع التكويني إذا أرد المولى أن يغطس العبد في الماء ، فإنه يأتي إليه ويدفعه حتى يقع في الماء ، وكذلك الزجر التكويني فإنه يحجزه عن ارتكاب المخالفة بتكبيل اليدين والحبس ونحوه ، ولكن التشريع يقوم مقام الدفع والزجر التكوينيين فبدل أن يأتي المولى ويدفعه حتى يقع في الماء يأمره بالغطس ، وهكذا في الزجر ، وبعبارة المحقق العراقي أن يسد الشارع باب عدم الفعل الواجب من طرفه ، لأن عدم تحقق الفعل مرة يكون سببه العبد وأخرى يكون سببه المولى وذلك عندما لا يسد باب عدم فعل الواجب من جهته ، وعلى هذا الأساس فهناك غرض تكويني من الدفع التشريعي وهو انقداح الإرادة في نفس المكلف حتى يتحرك نحو المطلوب ، يعني حصول إرادة تكوينية من المكلف في طول الإرادة التشريعية من المولى ، وعليه فإيجاد المحركية ليس هو غرض تشريعي حتى نقول أن مصبه تعلق التكليف ، وإنما هو الغرض التكويني ،فبدل أن يدفعه تكوينا يأتي ويدفعه تشريعا حتى يحصل الانقياد ، فحصول الانقياد هو غرض تكويني ، وما ذكر في هذه المقدمات فيه خلط بين المراد التكويني والمراد التشريعي ،صحيح أن الغرض من التشريع حصول الباعيثية وانقداح الإرادة ولكنه غرض تكويني وليس غرضا تشريعيا ، والغرض التشريعي هو نفس الإتيان بالفعل أو ترك المنهي عنه واقعا، ولذلك قلنا أن متعلق النهي هو شرب الخمر واقعا وبالتالي فمتعلق التشريع هو فالاستدلال على حرمة التجري بهذه المقدمات ليس في محله ، الى هنا لم يثبت من الأدلة المتقدمة شيء على حرمة التجري ، وإنما مجرد القبح مع حكم العقل باستحقاق العقوبة.

تنبيهات ثلاث :

التنبيه الأول: اتضح مما تقدم أن بحث التجري إنما يجري في القطع الطريقي دون القطع الموضوعي لأنه لا يكون منجزا على المكلف ، ومن جهة أخرى فإن مبحث التجري لا ينحصر بالقطع بل يشمل كل موارد تنجز التكليف من أمارة التي هي ظن واستصحاب واصالة الاحتياط ونحو ذلك .

ومن هنا فقد طرح الميرزا هذه المسألة التي حاصلها :

 أنه لو كان بين يدي المكلف إناء فيه خل ثم شك بتحوله إلى خمر فإن المحكم هو استصحاب الخلية وبالتالي جواز شربه ظاهرا ، ولكن شرب ما في الإناء على أمل أن يكون خمرا ، وهو ملتفت لوجود ألأصل المؤمن وهو الاستصحاب اجتهادا أو تقليدا ، فالميرزا حكم بأنه يأخذ حكم المتجري وذلك لما تقدم منه من القبح الفاعلي والذي منشؤه هتك عبودية المولى ، وفي المقام وإن لم تثبت ضابطة التجري إلا أن نكتة القبح هذه جارية وبالتالي حكم بالحرمة .

ويرد عليه :

 أن حكم العقل بقبح التجري على أساس قبح الظلم وسلب ذي الحق حقه ، وأن مولوية المولى ليست مقتصرة على التكاليف الواصلة وصولا قطعيا مع مطابقته للواقع وإنما حق الطاعة ثابت في كل التكاليف التي تنجّزت على المكلف ، ما لم يرد الترخيص والمؤمّن من جهة المولى ، لأنه في الموارد التي يرخص المولى في تركها لا يحكم العقل بثبوت حق الطاعة ، وفي المقام حيث ورد الترخيص والمؤمّن ، أعني الاستصحاب وأصالة الحلية ونحوهما ،فإن العقل لا يحكم للمولى بحق الطاعة كما هو واضح ، نعم إذا قلنا بأن حق الطاعة يشمل الأفعال الجوانحية ، كما في موردنا لأنه كان أمله وميله القلبي أن يكون الخل قد تحول خمرا ، فحينئذ يمكن أن يقال بالحرمة ، ولكن قلنا فيما سبق أن الفعل الجوانحي ما لم يقترن بفعل لا يكون قبيحا ولا محرما .

 أما التنبيه الثاني فهو ما ذكره صاحب الفصول وسوف يأتي إنشاء الله