الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: الصور في الوطن الأصلي/ أحكام الوطن/ قواطع السفر/ صلاة المسافر.

أقول: هنا جملة صور لا بأس بالتعرض لها ولحكمها، وذلك بالنسبة لتوفر العناصر الثلاثة، وعدم توفرها، وتوفر البعض مع تخلف البعض الآخرة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه القيود الثلاثة قيود طريقية، تؤخذ استغراقاً لتحقيق ما هو الوطن الأصلي بنظر العرف، لا موضوعية لها؛ إذ لم ترد في لسان دليل، وإنما وردت على ألسنة الفقهاء في مقام بيان ضابطة الوطن الأصلي، ولا نقول بأن القيد الأساسي هو أن يكون وطن الآباء والأجداد، وأما قيدية مسقط الرأس والترعرع والتربي فبنحو الغالب، حتى ينقض: بأنه لما لا يكون القيد الأساس هو الترعرع والتربي، وأما كونه وطن الآباء والأجداد فهو غالب وليس دائمياً، كما هو مقتضى استفتاءات السيد القائد.

فنقول: تارة تجتمع القيود الثلاثة كما لو كان موطن عائلته وآبائه وأجداده بنت جبيل، وقد ولد وترعرع وتربى فيها، فهنا لا إشكال عند الجميع بكونها وطنه الأصلي.

وأخرى تتفرد بعض تلك القيود في التحقق مع تخلف البعض الآخر، وهذا على صور، إذ تارة يكون موطن الآباء والأجداد بنت جبيل، إلا أنه ولد في بلد آخر وترعرع فيه، وهذا البلد الآخر تارة يكون وطناً إتخاذياً لأبويه، كبيروت حيث اتخذها وطناً دائماً، ولو في فترة الشتاء بعد أن كان وطنه الأصلي بنت جبيل، وأخرى لا يكون كذلك، وإنما كان مقر عمله، كما لو اضطر بحكم وظيفته الخروج من بنت جبيل – الوطن الأصلي- إلى صور - مقر عمله – وفرضنا مبنائياً كما هو مبنى السيد القائد أنه ليس وطناً إتخاذياً؛ لعدم نية التوطن الدائم، ولا بحكم الوطن، رغم أنه سيمكث في صور مدة خمس أو ست سنوات، بل ربما يزيد على العشرين سنة، كما لو كان من بنت جبيل وهاجر إلى قم لطلب العلم، من دون نية التوطن الدائم، وإنما لمدة عشرين سنة ثم رُزق بولد في مقر العمل، أو دار الهجرة، وترعرع ونشأ فيها، وعلى كلا التقديرين من كون الانتقال إلى دار الهجرة ومقر العمل مثل قم وصور، أو إلى الوطن الاتخاذي مع الاعراض عن الوطن الأصلي بنت جبيل إعراضاً عملياً، مع القصد، بحيث ينسلخ مع عن الانتساب بعد ذلك إلى وطنه الأصلي - بنت جبيل – وأخرى من دون الاعراض، بحيث بقي يتردد إلى وطنه الأصلي، أما لو كان الانتقال إلى دار الهجرة - قم – أو إلى مقر عمله - صور – ولم يُعرض عن بنت جبيل - الوطن الأصلي - ثم رُزق بولد ونشأ وترعرع في دار الهجرة أو مقر العمل ثم انتقل إلى بنت جبيل، فإنه لو عاد إلى قم أو إلى صور فإنه يُقصر، لا سيما على مبنى السيد القائد من أن دار الهجرة ومقر العمل ليسا وطناً إتخاذياً ولا بحكم الوطن، رغم أنه تولد ونشأ وتربَّى فيهما، وذلك لنكتة واضحة وهي أن لا دار الهجرة ولا مقر العمل وطن لأبويه، فلا يصلح لأن يكون وطناً له، بل وطنه الأصلي بنت جبيل التي هي موطن الآباء والأجداد، رغم أنه لم يولد ولم ينشأ فيها وذلك لشهادة الوجدان العرفي بذلك؛ لذا يقصر في قم وفي صور، رغم أنه تولد وترعرع فيهما؛ لعدم كونهما وطناً لوالديه، وإنما مقر عمل، أو مكان هجرة، ويتم في بنت جبيل لأنها وطنه الأصلي.

وأما لو كان انتقاله إلى دار الهجرة، أو إلى مقر العمل مع الاعراض عن الوطن الأصلي إعراضاً ينسلخ معه عن الانتساب إلى بنت جبيل، فهنا وقع الكلام على ما سوف يأتي بالنسبة لمقر العمل، وكذا بالنسبة إلى بلد الهجرة مع نية السكن فيها إلى ما يزيد على العشرين عاماً في أنها هل تصبح وطناً له، ومن ثم رُزق بولد وترعرع في دار الهجرة أو مقر العمل، حيث يقع البحث في صيرورتها وطناً أصلياً للولد، على ما سوف يأتي ضمن الأقسام القادمة.

وأما لو كان الانتقال من بنت جبيل إلى الوطن الاتخاذي - بيروت – فإن كان مع الاعراض عن الوطن الأصلي، بحيث انسلخ عنه وانحصر وطنه في الاتخاذي - بيروت – ومن ثم رُزق بولد في بيروت، التي هي وطن أبويه بشكل اتخاذي، وترعرع فيها، فإنه مما لا إشكال في صيرورة بيروت وطناً أصلياً لمن تولد وترعرع فيها من أبنائه، وهذا ما يُفسَّر هجرة العائلات من القرى الجبلية إلى بيروت، كآل السبع وآل عمَّار، حيث إن الأجداد أعرضوا عن قراهم واتخذوا من بيروت مسكناً دائماً لهم، فكان لهم وطناً إتخاذيا مع الاعراض عن البلد الأم، ومن ثم رزقوا بأولاد تربوا وترعرعوا فيها، فلا إشكال في صيرورة بيروت وطناً أصلياً للأولاد بعد أن كانت اتخاذية بالنسبة للآباء والأجداد، بحيث تكون وظيفتهم في تلك القرى التي أعرض عنها الآباء والأجداد القصر، لمكان الاعراض والانسلاخ عنها، كما هي وظيفة الآباء، نعم بيروت بالنسبة لهم وطن أصلي، لمكان الولادة والتربي في بلد هي وطن اتخاذي لوالديهم. وهذا ما يُسّر جلاء عوائل بأكملها عن منطقة كانوا ينسبون إليها إلى أخرى تكون هي وطن تلك العائلة على مرِّ الزمان.

وإنما البحث فيما لو لم يكن هنالك إعراض عن بنت جبيل، وتوطنوا في بيروت دائماً، ومن ثم رُزقوا فيها بأولاد ترعرعوا فيها، حيث إن الميزان إن كانت بوطن العائلة والآباء والأجداد والتي ينتسب إليها تاريخياً، فسوف يكون وطنه الأصلي بنت جبيل، وأما إن كان المناط في مكان ترعرع فإن وطنه الأصلي بيروت؛ لكونه قد تولد وترعرع فيها مع فرض أنها وطن أبويه، ولو إتخاذيا، مع التسليم أنه لا يكون للشخص أكثر من وطن أصلي، بخلاف الاتخاذي، فإنه يمكن أن يكون أزيد من بلد.

أقول: لئن ناقشنا في صدق الوطن الأصلي على بنت جبيل، التي هي وطن الآباء والأجداد والتي لم يتولد ولم ينشأ فيها، بخلاف بيروت، إلا أنه لا ينبغي النقاش في أنه يعتبر بحسب الصدق العرفي حاضراً غير مسافر فيها، وهذا المقدار يكفي لأن تكون وظيفته الاتمام فيها، سواء صدق على بنت جبيل وطنه الأصلي أو لم يصدق، إذ لا موضوعية لاصطلاح الوطن الأصلي، حتى نبحث في أنها وطنه الأصلي! أو ليست كذلك!

ومما تلوناه عليك تعرف حكم ما لو كان من بنت جبيل وتولد في صور لأجل عملية قيصرية وتربى في بيروت، على الفرضين من كون بيروت وطناً إتخاذيا لوالديه، او كونها مقر عمل، وعلى كل تقدير من الاعراض عن بنت جبيل وعدم الاعراض.