الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: هل تشمل الروايات المقيم في حد الترخص؟/حد الترخّص/ الشرط الثامن من شروط القصر/ صلاة المسافر.

والصحيح: أنه لا تصلح الروايات للدلالة على ثبوت حدّ الترخص للمقيم، أما صحيح ابن سنان، فبلحاظ الشق الأول منه، لا إطلاق فيه للوطن، وكان الإقامة؛ لعدم كونه في مقام البيان من هذه الحيثية، وإنما في مقام البيان من حيث مبدأ التقصير، وأما حيثية كون مبدأ السفر مكان الإقامة أو الوطن فمسكوت عنها، وبالتالي لا محصل للإطلاق فيها، وأما الشق الثاني من الصحيحة فأمره أوضح، فإن قوله (ع):" وإذا قدمت من سفرك" ظاهرة في خصوص الوطن، وإلا فإن الذي يقدم على مكان يُقيم فيه لا يصدق أنه قدم من سفره، إذ لا يزال مسافراً، فالعود إلى محل الإقامة ليس قدوماً من السفر، وإنما القدوم منه بالدخول إلى الوطن، وبقرينة المقابلة يُراد من الصدور الخروج من خصوص الوطن، فلا يعم الخروج من محل الإقامة. وهكذا الحال بالنسبة لصحيح حماد الوارد فيه:" إذا سمع الآذان أتم المسافر" فإن الحيثية المبينَّة في الصحيحة هي التمام في فرض سماع الآذان والقصر على أساس المفهوم في فرض عدم سماعه، ولا نظرة بيانية في الصحيحة لما لو كان المكان القادم إليه أو الخارج عنه هو وطن أو محل إقامة له. بل لا يصدق أنه الآن مسافر بعد أن لم يكن كذلك، ولا تعم من كان مسافراً قبل ذلك، ولما كان المقيم مسافراً، فبالخروج عن محل الإقامة لا يكون قد أنشأ سفراً، وإنما هو إبقاء للسفر واستمرار فيه، فالروايات مختصة بمن خرج عن وطنه، ولا تشمل المقيم. وكذا الحال بالنسبة لصحيحة ابن مسلم، فإن المسؤول عنه مبدأ التقصير بالنسبة للرجل الذي يريد السفر، وأما حيثية كون مبدأ المسير وطناً أو مكان إقامة فمسكوت عنها، وبالتالي لا ينعقد الإطلاق، لا أنه ينعقد إلا أنه ينصرف إل خصوص ما لو كان المبدأ وطناً، لا أنه محل إقامة.

نعم: قد يُدّعى الإطلاق في قوله يُريد السفر، بأن المقصود منه الأعم من السفر بعد الحضر أو السفر بعد السفر، بناءاً على أن المقيم مسافر حقيقة وموضوعاً، إلا أنه حاضر حكماً.

وفيه: أن المتبادر من هذا التعبير أنه قبل ذلك لم يكن مسافراً، وإنما من الآن سوف يحصل له، أي يُريد السفر، بمعنى: أنه لم يكن متلبساً به قبل ذلك، وهذا لا يصدق إلا على خصوص الحاضر. فهي دالة على أن كل من يريد التلبس بالسفر بعد أن لم يكن متصفاً به، لا يحكم عليه بالتقصير، إلا بعد تجاوز حد الترخص، وهذا لا يصدق إلا على خصوص الحاضر الذي هو في وطنه.

والحاصل: أنها ظاهرة في خصوص من لم يكن مسافراً والمقيم مسافر، والوجه في الظهور أنها تبين حكم من يريد السفر الظاهر فيمن لم يكن مسافراً، فيختص بالمواطن ولا يشمل المقيم؛ لكونه مسافراً.

الوجه الثاني: دعوى أن نكتة هذه الروايات بيان الموضع الذي جيب فيه التمام، بلا فرق بين الوطن ومحل الإقامة، وتمييزه عن الموضع الذي يجب فيه القصر، ولا خصوصية في ذلك لكون البلد وطناً، بل حتى لو كان محل إقامة بالنسبة للمسافر، لا سيما مع النظر على كون المقيم خارجاً موضوعاً عن عنوان المسافر لا حكماً، مع شمول موضوع المسافر له حقيقة! فلا فرق حينئذٍ بين كون الموضع الذي جيب فيه التمام وطناً أو مكان إقامة. فالمقيم يدخل فيمن يجب على التمام. والحاصل: أن العنوان يصدق على المقيم؛ لخروجه عن موضوع المسافر حقيقة، فيكون ممن يريد التلبس بسفر جديد بعد أن لم يكن كذلك، فتشمله ضابطة حد الترخص.

وفيه: عدم تمامية المبنى، وأن الصحيح الحكم بوجوب التمام على المُقيم من باب التخصيص، والخروج الحكمي مع انحفاظ موضوع المسافر حقيقية بالنسبة له، فمن الواضح أنه ليس ممن يُريد السفر، بل هو مسافر حقيقة؛ لعدم خروجه بالإقامة عن عنوان كونه مسافراً، والحد المذكور لا يشمل إلا خصوص من يريد السفر، وبالتالي يكون المحكَّم إطلاقات ما دل على وجوب القصر على كل مسافر ضارب في الأرض، خرج منه المقيم بحدود مكان الإقامة، وأما بعد خروجه عن مكان إقامته فإنه يجب عليه التقصير حتى ولو لم يبلغ حد الترخص، وهذا يعني اختصاص حد الترخص بخصوص المواطن، فلا يشمل المقيم؛ لعدم كونه مواطناً ولو تعبداً.