الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: مناقشة السيد الخوئي/ أن الشرط هو خفاء الآذان وخفاء الجدران دال عليه/ حد الترخّص/ الشرط الثامن من شروط القصر/ صلاة المسافر.

أقول:

1-إذا كان الميزان في معرفة البعد الخاص هو خفاء الآذان ومعروفية التحديد به، ومغروسيته في أذهان الأصحاب، وأنه أمر مفروغ عنه ومتسالم عليه، فلا ينبغي أ تكون معرفته وتشخيصه غير متيسر لكل أحد؛ لمنافاة ذلك مع المغروسية هذه في أذهان أصحاب الأئمة ومعروفية ذلك بينهم، إذ لا محصل لأن يكون التحديد الواقعي بعلامة غير متيسرة

لكل أحد مع ما عليه هذه العلامة من الارتكاز في الأذهان، فلا يكون من التعليق على أمر لا يقع خارجاً في الغالب فيكون عديم الجدوى.

2-على أن ما ذكر من نكات لا توجب تعسر ضبط هذه العلامة؛ لأنه لا يُراد عدم سماع الآذان بالفعل، وإنما تقديراً وتخميناً، لما عرفت من أنه لا يُراد منها العلامة على نحو التحقيق والتدقيق، وإنما بنحو التقريب.

3-ثم إن جعل خفاء الجدران والتواري عن البيوت علامة بلوغ الحد، بل تجاوز عن الموضع الذي لا يسمع فيه الآذان - الحد الواقعي للترخص- فيه إشكال ظاهر وهو أن ما بين الخفائين بون شاسع وذلك أن خفاء الجدران عن ناظري المسافر يقتضي ما لا يقل عن فرسخ، لكبر حجمه بخلاف خفاء الآذان فإنه قد لا يقتضي أكثر من ميل، فخفاء الجدران لا يُدلل فقط وفقط على بلوغ الحد وتحققه، بل على تجاوزه بمراحل، وحينئذٍ نسأل عن حكم الصلاة التي أوقعها ما بين الخفائين، مع أن الحد الواقعي هو خفاء الآذان، وأما خفاء الجدران فهو علامة على الحد الواقعي. فلو لم يعلم بخفاء الآذان، وأتى بالصلاة قبل خفاء الجدران، والتي هي تامة؛ لعدم علمه بخفاء الآذان، ولم يبلغ بعدُ الموضع الذي يخفى فيه الجدران، فينبغي الحكم بصحة تلك الصلاة، رغم أنه وقعت في الموضع الذي خفي فيه الآذان، بل قد تجاوزته، غايته أنه لم يخفَ عليه الجدران. وهذا كما ترى!

4-وأما دعوى: كثرة أخبار عدم سماع الآذان، فليس في أيدينا إلا صحيحة عبد الله ابن سنان، وصحيحة حماد، وأما رواية إسحاق بن عمار فهي ضعيفة السند، فلا تخرج على كثرتها عن كونها أخبار آحاد، لم تبلغ الاستفاضة، فضلاً عن حد التواتر، فلا تكون مزيّة موجبة لطرح صحيحة محمد ابن مسلم؛ لأن المعارضة على تقديرها بين أخبار آحاد.

5-وأما موافقتها للنصوص الكثيرة الدالة على وجوب التقصير على كل مسافر، حيث يكون الترجيح لصالحها؛ لمطابقتها مع عموم الكتاب والسنة النبوية والولوية القطعية الدالة على وجوب التقصير فيما زاد على القدر المتيقن، وهو خفاء الآذان باعتباره الأقل.

ففيه: أنه لا يصدق عليه الخروج عن حد الحضور والدخول في حد الغيبة، ما لم يتوارى عن البيوت؛ لأنه ما لم يتوارَ عن البيوت هو حاضر، وبالتالي يكون حكمه التمام. وكلامه إنما يتم لو صدق عليه بمجرد الخروج عن سور البلد، أو ما بحكمه أنه مسافر وغائب غير حاضر.

6-ثم إنه لو تم ما ذكره هذه العلم من عدم تيسر الآذان في الغالب، مع ما أفاده البعض وذكره صاحب مستند الشيعة من ابتلاء صحيحة محمد ابن مسلم التي جعلت المدار على خفاء الجدران بالإجمال من جهتين:

الأولى: الاضمار، أو القلب.

والثانية: أنه لم يُعلم كون الخفاء للهيئة أو حتى للشبح، وبينهما فرق واسع وبون شاسع.

سوف يلزم تعطيل مفاد الأخبار التي تعرضت للشرطيتين، وبالتالي لغوية الشرطيتين:

إما من جهة عدم تيسر العلامة في الغالب.

أو من جهة الاجمال.

فلا يبقى لدينا ما يصلح لأن يكون علامة على بلوغ البعد الخاص الموجب للتقصير.