الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: الكلام في الوجه الخامس والسادس للجمع بين الشرطيتين/ حد الترخّص/ الشرط الثامن من شروط القصر/ صلاة المسافر.

الكلام في الوجه الخامس والسادس:

الوجه الخامس: رفع الاطلاق عن التقييد "بأو"، ويكون كل شرط علة تامة مستقلة (خفاء الجدران والآذان)، فنحافظ على أصل المنطوق مع المنطوق الآخر، وهو مشهور المتأخرين. مع رفع اليد عن إطلاق المفهوم، ولو برفع اليد عن خصوصية الانحصار المضادة بالمنطوق، بناءاً على عدم إمكان التصرف في المفهوم؛ لكونه بحكم العقل، أو لكون دلالته تبعية.

الوجه السادس: رفع الاطلاق عن التقييد "بالواو"، ويكون كل شرط (خفاء الجدران والآذان) جزء علة، وهو مشهور المتقدمين.

رجّح: إطلاق المنطوق على إطلاق المفهوم وذلك:

التعارض ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، والتغلب على التعارض يكون بالتغلب على منشئه، والتصرف فيما يكون منشأ له، وهو الاطلاق المقابل للتقييد بأو (إطلاق المفهوم). وأما إطلاق المنطوق لا موجب لرفع اليد عنه؛ لأنه ليس طرفاً في المعارضة. وإن كان رفع اليد عن المنطوق يرفع المعارضة، لكنه علاج للضرورة بأزيد، ورفع لليد عن ظهور حجة بلا موجب. وإطلاق المفهوم هو الذي سبب المعارضة فنرفع اليد عنه. وحمل صيغة " افعل" على الاستحباب يعالج التعارض، لكنه علاج بأزيد مما تقتضيه الضرورة من الحاجة. نظير أكرم كل عالن، ولا تكرم فساق العلماء، حيث يكون الجمع بينهما بالتصرف في أداة العموم بقرينة الخاص بالحمل على غير الفاسق، ولا يتصرف بصيغة افعل، بحملها على الاستحباب، حيث ينتفي التعارض ولو غير المستقر وبمؤونة أخف، لكون التصرف في الصيغة بحملها على الاستحباب رفعاً لليد عن ظهور صيغة فاعل بالوجوب، بالإطلاق أو بحكم العقل، بخلاف ظهور أداة كل في العموم، حيث أنها بالوضع، وهذا دليل على أن التصرف إنما في موجب التعارض، وهو ظهور أداة كل في العموم، ولا ربط لظهور صيغة افعل في الوجوب

نقول: أصل المطلب هو المعارضة إذا كانت بين ظهورين، يجب المعالجة بأحد هذين الظهورين، ولا دخل لظهور ثالث.

وهذا الكلام غير صحيح: لأن الظهور الثالث الذي بإسقاطه يرتفع التعارض بين الظهورين، يعني دخوله في حلبة المعارضة، فتكون المعارضة ثلاثية الأطراف، وذلك: لأن رفع اليد عن الظهور الثالث يؤدي إلى رفع التكاذب، بحيث، لو كان أجنبيا لما أثر في رفع التعارض (إذا كان رفعه علاجاً للتعارض، فقطعاً يكون وجوده موجباً للمعارضة، ويُكذبه، على الأقل لأحد الظهورين، فيدخل في المعارضة".

والتطبيق العملي: كما لو قال المقنن: أكرم كل عالم، ثم ورد لا تكرم بكراً، إذا علمنا كونه عالماً يكون تعارض ويجب التخصيص، لكن مع عدم علمنا بكون بكر عالم، لا تعارض، فهنا ظهوران لا تعارض بينهما، حيث لا يعلم أن زيد عالم، فيكون تعارض، ولو غير مستقر، أو غير عالم فلا تعارض، ثم جاء دليل ثالث وقال: بكر عالم، وبهذا الدليل الثالث أصبح لدينا معارضة غير مستقرة بين الظهورين الأولين، وهنا لدينا (أصالة عدم التخصيص بالنسبة للعام، فهل يمكن الأخذ بها لأثبات التخصص (أي بكر ليس عالماً)، ويكون خروج موضوعي، فلا يتناوله حكم العام؟

لو بنينا أن أصالة عدم التخصيص تثبت التخصص، فهنا تعارض الدليل الثالث (بكر عالم).

والصحيح: أن القاعدة لا تعالج التخصص.

وأما بالنسبة للتمثيل، وذلك بأن نحمل صيغة " افعل على الاستحباب"

وفيه: منشأ المعارضة هو ليس فقط ظهور الأداة " كل" في العموم، مع ظهور صيغة "أفعل في الوجوب". فظهور " كل" في العموم، والصيغة "أفعل" في الوجوب كلاهما طرف في المعارضة.

إن قلت: العلماء يتصرفون بأداة العموم " كل" وليس بالصيغة وحملها على الاستحباب.

قلت: لأن الأسبق في القضية هو الموضوع، فلا بد من تحديد الموضوع بكل شراشره ثم إذا بقي التعارض بين الدليلين تصل النوبة إلى التصرف في الحكم، وفي مقامنا، فإن التعارض حاصل حتى فيما بين المنطوقين، لتلازم الشرطين في التمامية والنقصان وإلا لزم لغوية الشرط الناقص مع فرض تمامية الشرط الأخرة. إذ لا تأثير لوجوده في ترتب الجزاء ما لم ينضم إليه الشرط الآخر العلة التامة، وإذا انتفى لا يوجب انتفاء الجزاء ما دام الشرط الآخر موجوداً يؤثر في صدور الجزاء.

فالمولى يتصور الموضوع، ثم يصبه على الحكم، فالذي لديه أسبقية ورتبة في الوجود هو الموضوع (المعروض) العلة، ثم نأتي للعارض (الحكم) المعلول، ومقامنا من هذا القبيل. يجب أن تشخص مراد المولى من الموضوع، فإذا انتفى التعارض على مستوى الموضوع، فلا تصل النوبة إلى الحكم، والتعارض على أساسه.