الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

35/12/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع- الإجارة-  الأدلة على أن الأمر موجب للضمان.
ثم إن السيد صاحب مباني المنهاج استدل على الضمان في موارد الأمر بما ورد في كسب الحجام من رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن كسب الحجام فقال: لا بأس به إذا لم يُشارط [1]، وذكر أن المستفاد منه كراهية تعيين الأجرة من أول الأمر، وأن الأولى أن يأمره بها ثم يدفع الأجرة، فالأمر بنفسه يقتضي الضمان.
وأصل هذا الكلام ما ذكره السيد الخوئي من كراهية تعيين الأجرة من أول الأمر، وأن الأولى أن يأمره ثم يدفع إليه أجرة المثل.
والرواية تامة السند، إلا أنه يرد،
أولاً: إن المشارطة ليست بمعنى تعيين الأجرة وإنما بمعنى المماكسة، ومما يدل على ذلك رواية أخرى من نفس الباب عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن كسب الحجام فقال: مكروه له أن يشارط، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماكسه، وإنما يكره له ولا بأس عليك .[2]
وثانياً: إن غاية ما تفيد حرمة عمل الحجام وضعاً، ولا تشير فضلاً عن أن تدل على ملاك الضمان، وليس بحثنا في ثبوت الضمان في موارد الأمر وإنما الكلام في منشأ ذلك.
ثم إن السيد الأستاذ بعد استبعاده أن يكون الأمر قاعدة عقلائية مستقلة، أفاد أن لازم هذه القاعدة المستقلة أن يحكم بضمان من أمر الغير الحر الرشيد أن يتلف مال ثالث مع أنه بعيد جداً، بل يقال: إن الفاعل الحر الرشيد هو الضامن لا الآمر.
وفيه: إن اللازم الذي ذكره ليس بلازم؛ لأن الضمان في المورد الذي ذكره السيد الأستاذ كان بملاك الإتلاف، وهو منتسب حقيقة إلى المباشر– المأمور– لا إلى السبب– الآمر-، فلذا كان الحكم بضمانه بعد أن لم يكن آلة بيد الآمر، إلا أنه لا ربط لذلك بما نحن فيه، فإن التضمين في الفرض بملاك الأمر لعمل المأمور المفروض له مالية بنظر العرف لا لمال شخص ثالث، فليس مقامنا ما ذكره السيد الأستاذ من مورد واحد كي يستقيم النقض.
ثم إن الماتن تعرض لفرضية التنازع ما بين الآمر والعامل في قصد الأخير التبرع وعدمه، ولم يكن بحسب الفرض من قرينة حالية أو مقالية لا على التبرع والمجانية ولا على الضمان، فادعى الآمر أن المأمور كان قاصداً المجانية ونفاه المأمور، فالقول قول العاملوذلك لأصالة عدم قصد المجانية وعدم الإذن في هتك حرمة عمله الذي هو من جملة أمواله،
 ودعوى: أن قول المالك موافق لأصالة عدم الضمان فيقدم على قول العامل
مدفوعة: بأن أصالة عدم الضمان محكومة لأصالة عدم التبرع والمجانية وهذا الأصل سببي لكونه ينقح موضوع الضمان، ويكون مقدماً على أصالة نفي الضمان لكونه أصلاً حكمياً، فقول الآمر النافي للضمان وإن كان موافقاً لأصالة عدم الضمان، إلا أنه أصل مسببي محكوم لأصالة عدم قصد التبرع لكونه أصلاً سبيياً جارياً في طرف ما هو موضوع الضمان، والميزان في تشخيص المنكر هو موافقة قوله للأصل الجاري بالفعل لا لمطلق أصل حتى ولو كان محكوماً لأصل آخر مقدم عليه.
 وإن شئت قلت: إن موضوع الضمان في باب الأعمال مركب من جزئين: مقتضٍ وعدم مانع، والأول عبارة عن الإستيلاء على مال الغير واستيفاء منفعة عمله نحو استيلاء على ذلك، والثاني عدم قصد المجانية، والأول محرز بالوجدان، والثاني بالتعبد الإستصحابي، وبضم التعبد إلى الوجدان يلتئم موضوع الضمان في الفرض.
ثم إن السيد الماتن ترقى وأفاد أنه حتى لو لم يكن لدينا أصالة عدم قصد المجانية فإن القول قول العامل؛ لأنه مقتضى احترام مال المسلم والذي منه عمله.
وأشكل عليه في كلمات شراح المتن والمعلقين بإشكالين:
الأول بأن ما أفاده قدس سره من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه؛ لأن كبرى حرمة مال المسلم الشاملة لعمله قد خرج منها ما لو كان قصد العامل التبرع في عمله بالمخصص، فلو شك في أنه كان قاصداً للتبرع لا يمكن التمسك بعموم حرمة مال المسلم؛ لأنه من التمسك بالعام في مورد الشبهة المصداقية لمخصصه.
فكبرى حرمة عمل المسلم لو سُلم الإستدلال بها لا تقتضي ثبوت الضمان بعد فرض خروج قسم منها، وهو ما قصد به التبرع حيث يُحتمل اطباقه على الفرد المشكوك.


[1]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص103، أبواب ما يكتسب به، باب9، ح1، ط آل البيت.
[2]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص109، أبواب ما يكتسب به، باب9، ح9، ط آل البيت.