الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الإجارة
المسألة 2: يستعرض الماتن فيها إجارة الأعمال فيما لو عهد بها المؤجر للغير وذلك ضمن جهات:
الجهة الاولى : إنه لو اشترط المستأجر على المؤجر مباشرة العمل، سواءٌ كان ذلك على نحو التقييد، أو من باب الإلتزام في التزام، أو لم يشترط ولكن المباشرة كانت مقتضى انصراف الإجارة إليها، ففي هذه الفرضية لا يجوز إيكال العمل – المستأجر عليه – إلى الغير سواءٌ بنفس الأجرة أو بأقل أو حتى بأكثر، وذلك لأنه مع اعتبار المباشرة لمكان الشرط أو الإنصراف فقد تعلقت الإجارة بعمل نفس المؤجر فلا يصح قيام غيره به.
الجهة الثانيه : ما لو لم يشترط ذلك ولم يكن من انصرافٍ إليها، فإنه لا إشكال في جواز إيكالها  للغير مجاناً أو إجارة، وذلك حيث لا اشتراط، وهو موضع وفاق، وإنما الكلام في جواز تسليم متعلق العمل كالثوب إلى ذلك الغير من دون إذن المالك- المستأجر – تكليفاً فلا إثم، ووضعاً فلا ضمان وقد ذهب الأكثر إلى عدم الجواز بدون إذن المالك وبالتالي ثبوت الضمان، حتى أن البعض ادعى عدم العثور على مصرحٍ بالجواز وعدم الضمان عدا العلامة في المختلف والشهيد الثاني في المسالك.
ويستدل لما نسب إلى العلامة والشهيد الثاني تارةً: بأن الإجارة لما كانت مطلقةً حيث لم تقيَّد بالمباشرة من المؤجر بحيث يكون فيها إذنٌ بالإجارة من الأجنبي بأن يصب منفعة عمله فيه، فتكون مستلزمةً للإذن في التسليم إلى الغير شرط أن يكون نوع العمل الذي يصب منفعته في العين يقتضي ذلك؛ أعني تسليم العين لذلك الأجنبي.
وهذا المقدار أجاب عنه الماتن بما تقدم نظيره في إجارة الأعيان من عدم الملازمة بين جواز إيكال العمل المستأجر عليه للغير وجواز دفع العين إليه، حيث بوسع الغير أن يصب منفعة عمله في العين وهي عند المستأجر. وأخرى: برواية الصفار في القصار الذي سلّم الثوب المستأجر على تنظيفه إلى الغير فضاع حيث حكم الإمام عليه السلام بعدم الضمان شرط أن يكون ذلك الغير ثقةً مأموناً، (باب 29 من أحكام التجارة الحديث 18).
{الرواية في الوسائل: بإسناده(أي الشيخ) عن محمد بن الحسن الصفار قال : كتبت إلى الفقيه ( عليه السلام ) في رجل دفع ثوبا إلى القصار ليقصره فدفعه القصار إلى قصار غيره ليقصره، فضاع الثوب هل يجب على القصار أن يرده إذا دفعه إلى غيره، وإن كان القصار مأمونا؟ فوقع ( عليه السلام ) : هو ضامن له إلا أن يكون ثقة مأمونا إن شاء الله.
ورواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب قال : كتب رجل إلى الفقيه ( عليه السلام ) وذكر مثله. 
والرواية يمكن الخدشة في سندها لمكان أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد في طريق الشيخ إلى محمد بن الحسن الصفار حيث لم يوثَّق، إلا أن طريق الصدوق إلى محمد بن علي بن محبوب تام}. وهي صريحةٌ في الضمان.
وقد أيَّد صاحب مهذب الأحكام تبعاً للمحقق الأصفهاني في إجارته ذلك بكون الغالب في مثل خياطة الثوب تسليم من يتقبل العمل إلى الصناع وعدم خياطته بنفسه، وهي قرينةٌ على رضا المالك بالتسليم إلى غيره. فالإذن في الإستيلاء على العين لعمل الخياطة المتعارف أنه بالتسبيب لا بالمباشرة إذنٌ في تسليط الغير، بل الأمر هنا أوضح منه في مسألة إجارة الأعيان، والوجه في المطلب أن استيلاء المستأجر على العين بإذن المالك إنما كان بملاحظة أن إقدام المالك على الإجارة المقتضية لتسليط المستأجر على العين مقدمةً لاستيفاء المنفعة هو النافي للضمان، وأما ما نحن فيه فإن مالك العين هو مالك العمل، فليس تسليمه العين للمؤجر من باب المقدمة لاستيفاء عمل الغير إلا عن رضاه بذلك بعد العقد، بخلاف إجارة الأعيان فإن تسليط المستأجر عليها من باب اللابدية التي لا تكشف عن رضا المالك باستيلاء المستأجر عليها.
الجهة الثالثه : إنه لو كان الإيكال إلى الغير بإجارةٍ طوليةٍ فلا إشكال فيها في صورة عدم التفاضل كالإجارة بأكثر أو بنفس الأجرة، وإنما الكلام في الإجارة بأقل بحيث يكون للمؤجر الأول التفاضل فيما بين الإجارتين؟ وقد استشكل الماتن قدس سره في ذلك.