الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ كفاية ملكية المنفعة في صحة الإجارة
 الكلام فيما ذكره الماتن من أنه لا يشترط في صحة الإجارة أزيد من ملك المؤجر للمنفعة سواء كان مالكا للعين أم لا، ولا يشترط ملكية العين في صحتها ,نعم لابد من أن يكون مأذونا بوضع اليد على العين والاستيلاء عليها إذا ما توافق استيفاء المنفعة على ذلك، وليس هذا بمعنى أن يكون هنالك إذن مستقل مصرح به ,لكفاية الإذن المستبطن ضمن تمليك المنفعة, إذا لا محصل لتمليك المنفعة من دون ثبوت حق الانتفاع بالعين والتصرف بها فالإذن من مقتضيات نفس العقد، فتمليك المنفعة مشتمل على ثبوت حق الانتفاع بلا توقف على الإذن بالانتفاع في الجملة وهذا لا يمنع من استيفاء بعض أنحاء الانتفاع لعدم منافاته مع مضمون الإجارة، لأن مضمونها تمليك المنفعة المستلزم لأصل الانتفاع فلا ينافي ذلك استثناء بعض جهات الانتفاع، وهذا لا يفرق فيه بين أن تكون حقيقة الإجارة تمليك المنفعة أو التسليط على العين لغرض الانتفاع بها، والمقصود من ملك المنفعة إما الملك الوضعي المعهود لها أو ملك التصرف كما في إجارة الأعمال، وهذا كله بلحاظ الإجارة الأولى وفيما يرتبط بالمستأجر الأول.
  وأما بلحاظ الإجارة الثانية سواء كان من المالك أو من مستأجر ثانٍ فإنه لا إشكال في صحتها لما عرفت من أنه لا يشترط في صحة أي إجارة أزيد من ملك المنفعة، وهذا حاصل في الفرض بالنسبة للإجارة الثانية لأنه بالإجارة الأولى قد ملك المستأجر الأول المنفعة فله أن يملكها بموجب إجارة ثانية من الغير مهما كان ذلك الغير بعد أن كانت الإجارة عبارة عن تمليك المنفعة فتكون مشمولة لإطلاقات أدلة الصحة واللزوم، وهذا مما لا إشكال فيه.
  وإنما الكلام في أنه لو كان المستأجر الثاني غير المالك، فهل للمستأجر الأول تسليم العين إليه بمقتضى الإذن المستبطن ضمن الإجارة الأولى؟ أو ليس له ذلك إلا بإذن من المالك، كما هو مختار الماتن وذهب إليه في النهاية والسرائر والقواعد وجامع المقاصد، والأول هو مختار جملة من الفقهاء كما في المختلف وغاية المراد والمسالك ومجمع الفائدة والبرهان وفي المفاتيح والرياض.
 وقد استدل لما ذهب إليه الماتن: من أن العين أمانة بيد المستأجر الأول وقد صدر الإذن من المالك له بالخصوص بالاستيلاء ووضع اليد عليها تكويناً لغرض الانتفاع بها، ولم يأذن المالك بتسليم المستأجر الأول العين للغير، فإن الإذن في تصرف المستأجر الأول بها هو من مقتضيات الإجارة الأولى ولم يأذن لا استقلالا ولا بمقتضى إجارة ثانية بتسليمها إلى الغير، فلذا لا يجوز هذا التسليم لو سلم كان ضامناً غايته تكون الإجارة الثانية صحيحةً سواءٌ كان مصبها تمام منفعة العين أو بعضها، وإنما للمستأجر الثاني استيفاء المنفعة مع بقائها تحت يد المستأجر الأول؛ كحمل متاع المستأجر الثاني، أو ركوبه الدابة مع بقائها تحت يد المستأجر الأول.
 والحاصل: إن الصحيح الحكم بصحة الإجارة الثانية لكن لا يجوز تسليم العين للأجير الثاني، ولو سلَّمها ضَمِنَ لو تلفت في يد المستأجر الثاني.
 وقد أُشكِل على هذا الوجه للمنع بجملة وجوهٍ تصلح لأن تكون دليلاً للقول الثاني:
 الوجه الأول: ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) كمؤيِّد، ويصلح أن يكون نقضاً، وهو ما لو مات المستأجر الأول فانتقلت المنفعة إلى وارثه، فإنه يجوز له استيفاء المنفعة المتوقِّف على الإستيلاء على العين بلا مراجعة المالك ولا الإستئذان منه، فإن المنفعة انتقلت للوارث كما لو كانت للمورِّث؛ فكما كان له استيفاء المنفعة المتوقِّف على الإستيلاء على العين فكذا الأمر بالنسبة للوارث، وهكذا في الإجارة من الغير حيث ينتقل إلى المستأجر الثاني نفس ما كان للأول من حقٍّ؛ أعني استيفاء المنفعة المتوقِّف على وضع اليد على العين.
 والحمد لله رب العالمين