الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ إذا آجر عبده لعمل فأفسد
 الكلام في وجوه الجمع بين الروايات، وكنا بصدد مناقشة ما ذكره السيد الأستاذ على الوجه الثاني الذي ذكره جملة من الأعلام منهم السيد الحكيم من أن الجمع بينهما على أساس صناعة الإطلاق والتقييد وقد أشكل السيد الأستاذ أن المقام ليس من موارد الإطلاق والتقييد وإنما من موارد التعارض ببيان قد تقدم
 أقول: لا يخلو إما أن يكون المنظور في الرواية التي أثبتت الضمان على العبد هو نفس المقطع الذي أثبته دون مجموع الرواية فهذا من الواضح أنه من قبيل المطلق والمقيد الإثباتين، ومن المعلوم أنه لا تطبق عليه قواعد الجمع العرفي، لأنها فرع التنافي ولو غير المستقر، ولا تنافي ما بين المطلق الذي أثبت الضمان في مطلق مال السيد بما فيه رقبة العبد وكسبه، وبين المقيد الذي أثبته في خصوص كسب العبد.
 مضافاً: إلى أن (ضامنون) محمول ولا إطلاق شمولي في طرف المحمول كما ذكر في محله، وإنما يُراد به صرف وجود الضمان لا مطلق الضمان.
 وإن أضفنا إلى هذه الفقرة سائر ما ورد في الرواية فلا شك أنها نفت الضمان عن السيد ثم أثبتته في خصوص كسب العبد وبهذا النحو تكون نسبة هذه الرواية بمجموع مفادها أخص مطلقاً من تلك التي أثبتت الضمان على المولى مطلقاً سواء في رقبة العبد أو في كسبه أو في مال آخر أجنبي عن العبد وكسبه.
 أضف إلى ذلك: أن القرينة التي ساقها غير تامة، لأن في الرواية التي أثبتت الضمان على المولى قد ذكرت التضييع إلى جانب الإباق، والضمان في صورة التضييع يمكن أن يكون في مطلق أمواله من رقبة العبد وكسبه وماله الأجنبي عنه، وإن كان في صورة الإباق لا يكون إلا في ماله الآخر الأجنبي عن العبد وكسبه وهذا المقدار يكفي للمنع من قرينية عطف الإباق على التضييع لتعيين أن الضمان إنما هو في المال الآخر للسيد غير العبد.
 ومما ينبه على ذلك: أنه لو عمد السيد إلى العبد فآجره أو باعه ووفّى ما عليه من ضمان مال المستأجر الذي أتلفه العبد عليه ألا يكون بذلك قد خرج عن عهدة قوله عليه السلام في الرواية الأولى فمواليه ضامنون، فإنه لا يفهم منها أن الضمان منحصر في ماله الآخر غير العبد، بحيث لا يتحقق الامتثال والخروج عن عهدة الضمان ببيع العبد أو الاستفادة من كسبه لوفاء ما عليه من ضمان!
 الوجه الثالث: أن نجمع بينهما على أساس نكتة الأظهرية، لظهور الرواية الأولى في مال المولى المتمثل في رقبة العبد وكسبه على حد ظهورها في المال الآخر للمولى، وهذه صريحة في إثبات الضمان في كسب العبد ونفيه عن المال الآخر للمولى وعن رقبة العبد، والجمع فيما بينهما يقتضي نفي الضمان في مال السيد الآخر وفي رقبة العبد وإثباته في كسبه وفق ما أفادت الرواية الثانية ذات لسان النفي عن مال السيد والإثبات في خصوص كسبت العبد.
 وفيه: ما تقدم من أنه إذا كان المنظور في الرواية التي أثبتت الضمان على العبد هو نفس المقطع الذي أثبته دون مجموع الرواية، فلا تنافي بينهما ، فلا يكون هناك موضوع للجمع العرفي على أساس الأظهرية لأنه فرع التنافي بينهما، نعم يتم هذا الوجه فيما لو كان النظر إلى المحصلة النهائية من ظهور الرواية، لأنها نفت الضمان والأخرى أثبتته.
 الوجه الرابع: ما ذكره جملة من الأعلام منهم السيد الخوئي في مستنده، من أن الإذن حاصل في الروايتين وإلا كانت الإجارة فاسدة حيث لا إذن، وهذا ما يأباه ظهور الروايتين، إلا أن التفصيل فيما أتلفه العبد فربما يُتلف العبد متعلق الإجارة المأذون فيها من قبل سيده، وربما يُتلف مالاً آخر للمستأجر لا ربط له في متعلق الإجارة، فعلى الأول يكون الضمان على السيد ولو بنكتة التسبيب باعتباره قد أذن لعبده في إجارة قد أتلف العبد المأذون من قبل السيد متعلقها، وعلى الثاني فحيث إن الإتلاف لمال آخر أجنبي عن متعلق الإجارة، وبالتالي هو أجنبي عن إذن السيد ولا ربط له به، فلا استناد للإتلاف للسيد لا بالمباشرة ولا بالتسبيب حيث لا إذن فيكون الضمان في كسب العبد يُستسعى به.
  ونكتة ذلك: ظهور الصحيحة الأولى في إتلاف مصب العمل الذي هو مورد الإجارة حيث ورد التعبير ب: (ضيَّع ) وهذا بخلاف الرواية الثانية، فإنها ظاهرة في إتلاف مال آخر لا ربط له بمتعلق الإجارة، أو لا أقل انه مطلق، فيقيد بالرواية الأولى من هذه الناحية.
 وقد أورد عليه في كلمات السيد الأستاذ: إطلاق الإتلاف والتضييع في كلتا الروايتين من كونه لمورد الإجارة ومصبها أو لغيره من أموال ذلك الغير فإن عبارة ضيَّع شيئاً وعبارة يستهلك مالاً كثيراً لا فرق بينها من هذه الناحية أعني أن ما ضيعه أو استهلكه قد يكون مورد الإجارة أو مالاً آخر.
 وفيه: إن كلامه(حفظه المولى) يتم إن كنا نحن وعبارة (فيستهلك مالا كثيرا) دون عبارة (إن كان ضيَّع شيئاً) لأنها لا تصدق إلا في الموارد التي يثبت فيها على عهدته شئ بموجب عقد ونحوه ثم يفرط في حفظه، لذا يتعين حملها على إتلاف متعلق الإجارة دون غيره لأنه لا يكون تحت عهدته حتى يصدق التضييع.
 والحمد لله رب العالمين