الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ إذا قال للخياط مثلا: إن كان هذا يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه
 الكلام في الفرضية الثانية: وهي ما لو سأله المالك بكفاية الثوب لخياطة القميص فأجاب الأجير بالإيجاب فأمره بالقطع ثم ظهر عدم كفايته، فكذلك يشقق إلى صورتين:
 الأولى: ما لو كان متردداً من رأس في الكفاية وعدم الكفاية أو كان معتقداً عدم الكفاية ومع ذلك أخبره بكفاية ذلك.
 الثانية: ما لو كان اعتقاده الكفاية فأمره بالقطع فظهر عدم الكفاية.
 أما في الصورة الأولى: فالحكم هو الضمان استناداً إلى قاعدة الإتلاف تارة وقاعدة الغرور أخرى، وذلك لأن المالك وإن أمره بالقطع إلا أن الأجير يعلم بعدم رضا المالك بالقطع مطلقاً حتى مع عدم الكفاية، وإنما يأذن بالقطع على تقدير الكفاية إما واقعاً أو اعتقاداً فلو لم يكن لا هذا ولا ذاك فلا رضا بالقطع لظهور سؤاله ابتداءا في ذلك، فأمره بالقطع لا يكون ظاهراً في الإذن به إلا على فرض الكفاية ولو اعتقاداً، فلو لم يكن معتقداً الكفاية كان ضامناً لتمامية المقتضي مع عدم المانع.
 وأما في الصورة الثانية: فحكم الماتن (قده) ابتداءاً بالضمان ثم رجع إلى نفي الضمان وصار بصدد إبراز الفارق بين الفرضيتين الأولى والثانية حتى يُحكم بالضمان في الأولى دون الثانية.
 وما يمكن الاستناد إليه للحكم بالضمان هي جملة وجوه:
 الأول: إن الأمر المستبطن للإذن وإن كان مطلقاً إلا أنه بقرينة السؤال مناط بكفاية الثوب لخياطة قميص، فمع عدم الكفاية لا إذن، فلا مانع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مقتضي الضمان أعني الإتلاف مستند إليه بعد أن كان هو المباشر ولم يكن بمنزلة الآلة للآمر فلذا يضمن لتمامية المقتضي مع عدم المانع.
 وفيه: إنه لا نقاش في المقتضي، وإنما في عدم ثبوت المانع، وذلك لكون الإذن المستكشف من الأمر مطلقاً بإطلاق الأمر وعدم إناطته بالكفاية.
 وتوهم: ظهور السؤال في عدم الإذن بالقطع مع عدم الكفاية.
 جوابه: إن منشأ ثبوت الإذن المانع عن الضمان هو الأمر بالقطع مطلقاً وعلى كل حال، وإن أبيت إلا مع أخذ الكفاية قيداً في الأمر بالقطع فلتكن الكفاية اعتقاداً لا واقعاً، وهذا ما هو حاصل في المقام.
 مضافاً: إلى أن تقدم السؤال على الأمر بالقطع ظاهر في أن كفاية الثوب لخياطة القميص ولو واقعاً فضلاً عن ذلك اعتقاداً يكون بمثابة الداعي الذي حمل صاحب الثوب لأمر الخياط بقطع الثوب، وغاية ما يلزم لو لم يكفِ تخلف الداعي لا انتفاء ما هو قيد في الإذن بالقطع.
 الثاني: التمسك برواية السكوني (من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن) حيث دلت على ضمان ما يفسده الأجير ما لم يأخذ البراءة ممن له الولاية والسلطنة على المال.
 والجواب:أولا: الرواية غير تامة السند كما تقدم.
 ثانيا:انه لا نتمسك بحرفية أخذ البراءة، وإنما بمضمونها وما يقوم مقامها وهو الإذن المستبطن في الأمر بقطع الثوب مطلقاً وعلى كل تقدير، وهذا ما هو حاصل في المورد، وقد عرفت مما سبق أن أخذ البراءة ليس من مقتضيات عدم الضمان، وإنما هو مانع يمنع من أن يؤثر المقتضي -فيما لو أفسد- في الضمان.
 الثالث: التمسك بالروايات والتي مفادها من أخذ أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن، وقد أخذ الأجر على أن يقطع الثوب ويخيطه قميصاً ثم بان عدم الكفاية فيكون مشمولاً لإطلاق ذلك فيضمن.
 وفيه: أن الأمر كما أفادته روايات الباب وتكون مقتضية للضمان لمكان الإفساد ولولا صدور الإذن المستبطن في الأمر مضافاً إلى نكات أخر تظهر من التأمل في الروايات وفي المقام.
 الرابع: ما وقع في كلمات الماتن من التمسك بقاعدة الغرور باعتبار أن الخياط غرَّر بالمالك، وأخبره بكفاية الثوب،ثم ظهر عدم الكفاية فيكون مغروراً والمغرور يرجع على من غرَّه.
 ويلاحظ أولا:أن هذا إن تم فإنما يتم في الصورة الأولى من هذه الفرضية دون هذه الصورة وذلك لكون العلم قد أخذ إما في مفهوم الغار أو أنه شرط فيه في مقام ترتب الحكم عليه من رجوع المغرور عليه.
 ثانياً: ليس مفاد القاعدة تضمين الغار كل ما فات على المغرور وتلف عليه بسبب الغرور، وإنما مفادها تضمين الغار ما يضمنه المغرور للغير بسبب تغريره، كما لو قدم زيد إلى بكر طعام عمرو موهماً أنه له وقدمه له ليأكله على وجه المجانية ثم ظهر لبكر أن الطعام هو لعمرو وأنه لا يرضى بهدر ماله فزيد الغار سوف يضمن لعمرو المغرور ما ضمنه عمرو لبكر من الطعام، وذلك بسبب تغرير زيد لبكر في ذلك وبالضمان، لذا يرجع عليه، وليس مقامنا منه، ولذا لو قلتُ لزيد يوجد محل في المكان الكذائي يوزع الأمتعة فتوجه إلى ذلك المكان وبذل أجرة الذهاب والإياب فإن هذه الخسارة التي لحقت زيداً نتيجة تغريري إياه بإخبار كاذب لا يرجع فيها زيد المغرور عليَّ تمسكاً بأنه مغرور، والمغرور يرجع على من غرَّه!
 ثم إن السيد الخوئي أيَّد عدم تمامية قاعدة الغرور في المورد: كما لو فرضنا أن صاحب الثوب بنفسه تصدى لقطعه استناداً إلى إخبار الخياط بالكفاية، فإنه لا يتوهم أن يلتزم أحد بالضمان مع اشتراك هذه الفروض في صدق الغرور.
 أقول: ما ذكره لا يتم فإن منشأ عدم التوهم هو أن الإتلاف مستند إلى المباشر ولا يستند بوجه إلى الخياط بعد إخباره بكفاية الثوب لخياطة القميص، لاسيما أن المباشر كان مختاراً في فعله ولم يكن بمنزلة الآلة وعليه فلا ثبوت لمقتضي الضمان بوجهٍ بالنسبة للخياط لمجرد إخباريته بالكفاية بعد أن كان المباشر قاصداً مختاراً. والحمد لله رب العالمين