الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ لو عثر الحمال في حمله
 (المسألة السابعة ) : إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره مثلا ضمن لقاعدة الإتلاف
 تعرض الماتن في هذه المسألة لما لو عثر الحمال في حمله فسقط ما كان يحمله وتلف، وقد حكم بضمانه لقاعدة من أتلف، وقد استدل على ذلك:
  تارة: بقاعدة الإتلاف.
  وأخرى: برواية داوود بن سرحان.
 وتقريب الاستدلال في الأول: يتم فيما لو استند التلف إلى حمل الأجير للمتاع وأدَّى تعثره إلى تلفه،
 وقد استشكل السيد الخوئي في ذلك: بأنه لا صدق للإتلاف في أمثال ذلك لتوقف صدقه على استناد الفعل إلى شخص المتعثر عرفاً بحيث يعتبر الفعلُ فعله حتى ولو لم يكن اختيارياً، فضلاً عما إذا كان اختيارياً، وأما إذا لم يصدق الاستناد إليه بأن كان المباشر بمثابة الآلة وكان الفعل مستنداً إلى أمر آخر، كما لو هبت الريح أو اهتزت الأرض فسقط على مال الغير وأتلفه حيث لا يعتبر الإتلاف فعله ولا مستنداً إليه بوجه، بل يكون كالتلف بآفة فوق قدرة الأجير.
  إلا أن سيد المستمسك أفاد: أن التلف يستند إليه وقد ذكر لذلك ضابطة.
  حاصلها: استناد التلف إليه وإن كان عن غير قصد، وذلك لأنه لو كان لدينا سلسلة علل وكان بعضها اختيارياً والبعض الآخر غير اختياري نسب الفعل إلى الفاعل المختار، كما لو عمد نائم فنخسه فانقلب على مال الغير فأتلفه، نسب التلف إلى الناخس لكونه مختاراً لا إلى المباشر لعدم اختياريته، نعم لو كانت سلسلة العلل بتمامها غير اختيارية فإنه ينسب الفعل إلى المباشر، كانقلاب نائم على نائم آخر قد انقلب بدوره على مال الغير فأتلفه فإنه ينسب الفعل إلى المباشر، وهكذا لو كانت كلها اختيارية كما لو ضرب زيد عمروا فغضب عمرو وأتلف مال بكر، فالضامن عمرو لانتساب الكسر إلى عمرو برغم أن الاختيار ليس شرطاً في صحة انتساب الفعل إليه.
 وأما الدليل الثاني على الضمان: ما رواه داوود بن سرحان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ): (في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شئ فهو ضامن ) [1] .
 أما بحسب السند: فقد رواها الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب والكليني في الكافي بسند فيه سهل بن زياد، ثم ذكر السيد الخوئي ولأجل ذلك ناقش الشهيد الثاني في المسالك وتبعه الأردبيلي في سند هذه الرواية.
 والصحيح: أنها رويت في كتابي الفقيه والتهذيب بطريقين في موضعين، ذكر أحدهما صاحب الوسائل في موجبات الضمان وهو الطريق الضعيف المشتمل على سهل بن زياد، كما أنه صاحب الوسائل ذكر طريق ثاني في كتاب الإجارة في الباب3 من أحكام الإجارة ح 11 هو طريق الشيخ إلى أحمد بن أبي نصر البزنطي عن داوود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) فإن إسناد الصدوق هو الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي، كما أنه رواه عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن البزنطي.
 أقول: ذكر ابن فهد الحلي في المهذب البارع [2] : إن مستند الفتوى ما ذكره الشيخ في التهذيب مرفوعاً إلى داوود بن سرحان.
  وفي المسالك [3] قال: الأصل فيه رواية داوود بن سرحان وفي طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف وهي مع ضعفها...ألخ، وقريب من ذلك ما عن المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ووافقه على ذلك صاحب كشف اللثام.
 إلا أن الصحيح: ما أفاده بالنسبة لسند الرواية كل من صاحب الرياض وصاحب الجواهر:
  فالأول قد أفاد [4] : أن لا ضعف إلا بالطريق المروي في الكافي والتهذيب في باب ضمان النفوس، وأما الطريق الآخر المروي في الأخير والفقيه في كتاب الإجازات فليس بضعيف بل صحيح،
 والثاني ذكر في الجواهر [5] : والأصل فيه الخبر الذي رواه المحمدون الثلاثة ففي الكافي وموضع من التهذيب بطريق فيه سهل بن زياد وفي الفقيه وموضع آخر عن التهذيب بطريق صحيح،
 وبمراجعة كتب الحديث الثلاثة نرى أن سند الكافي هو الكليني عن العدة عن سهل بن زياد عن البزنطي عن داوود بن سرحان، وهكذا في كتاب التهذيب ص 265 الحديث رقم 277 حيث يرويها في كتاب ضمان النفوس بالإسناد عن سهل بن زياد عن البزنطي عن داوود بن سرحان وهذان الطريقان ضعيفان بسهل بن زياد.
 أما الموضع الآخر في التهذيب ففي كتاب الإجارة ج 7 ص 264 حديث رقم 973 بإسناد الشيخ إلى محمد بن محبوب عن ابن أبي نصر عن داوود بن سرحان ...ألخ وإسناده إلى أبن محبوب هو ما يرويه عن الغضائري- الحسين بن عبد الله- عن أحمد بن محمد بن يحي عن محمد بن علي بن محبوب والمشكلة في أحمد بن محمد بن يحي فإنه لا توثيق له إلا أنه ابن محمد بن يحي العطار، نعم ورد الاعتماد عليه في كلمات الآخرين وهي لا قيمة لها كما هو مذكور في محله، إلا أنه يمكن التعويض عن ذلك من خلال إسناد الشيخ إلى محمد بن يحي العطار فإنه تام وهو إسناد تام لأنه يروي عنه بالإسناد عن الكليني عن محمد بن يحي، وإسناده إلى الكليني تام إذ يروي عن المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن محمد بن يحي العطار، وشروط التعويض تامة كما هو مذكور في محله بل هي أوضح صور التعويض، وهو الشكل الأول من أشكاله، بل في الفهرست له طريق إلى محمد بن محبوب وهو ما يرويه عن الصدوق عن أبيه عن محمد بن الحسن عن أحمد بن أدريس عنه، وهذا الطريق تام من الفهرست 145 .
 بقي الكلام في رواية الفقيه ، وقد رواها في الفقيه في موضعين الأول ما في ج 3 ص بإسناده عن البزنطي عن داوود بن سرحان، وإسناده إلى البزنطي تام حيث يروي عن أبيه عن سعد بن عبد الله الأشعري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي، والثاني ما رواه في ج 4 ص 82 بالإسناد عن داوود بن سرحان العطار، والإسناد هو روايته عن أبيه عن سعد بن عبد الله الأشعري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي وعبد الرحمن بن أبي نجران عن داوود بن سرحان العطار الكوفي إلا انه يوجد في المتن بدل: (هو ضامن) هو مأمون، وسيأتي في بحث الدلالة ما له ربط بذلك، حيث يدعى منافاتها مع ما دل على ضمان الحمال وبالتالي سوف لا يعتمد عليه في رفع اليد عما تقتضيه القاعدة من عدم الضمان فيما إذا كان مأموناً، لاسيما أنه قد يُعزَّز ذلك بما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: (عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في الجمال يكسر الذي يحمل أو يهريقه ، قال : إن كان مأمونا فليس عليه شئ ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن) [6] ، وسيأتي في بحث الدلالة مزيد بيان يرتبط بذلك. والحمد لله رب العالمين


[1] - الوسائل (آل البيت) ج 19 ص 152
[2] - المهذب البارع ج5 ص 268
[3] - مسالك الأفهام ج 15 ص 331
[4] - رياض المسائل ج 14 ص 205
[5] - جواهر الكلام ج 43 ص 55
[6] - الوسائل (آل البيت) ج 19 ص 151