الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/02/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ ضمان الأجير فيما لو أفسد
 الكلام في الصورة الثانية وهي فيما لو لم يتجاوز الأجير الحد المأذون فيه، قلنا بأن المشهور على الضمان ومستندهم صدق الإتلاف وعموم صحيح الحلبي .
 والقول الآخر عدم الضمان مع التسليم بصدق الإتلاف والتشكيك من بعض شراح المتن في صدقه باعتبار أن الأجير لم يصدر منه إلا ما كان مطالباً به بموجب الإجارة فيكون بمنزلة الآلة ليس في محله، وذلك لأن مجرد لزوم الوفاء بالعقد لا يوجب عدم انتساب التلف إليه، للفرق الواضح بين صدور الفعل من الطفل مع صدور الأمر من آمر وبين صدوره من الأجير ففي الأول يكون التسبيب أقوى من المباشر، فلذا لا يصدق انتساب التلف إليه لكونه بمثابة الآلة، وإنما يكون للسبب أعني الآمر لكونه أقوى من المباشر، وهذا ما لا ينسحب على موردنا.
 والصحيح في الاستدلال: أن موضوع الضمان ليس كل إتلاف، بل خصوص الإتلاف الذي لا يكون بإذن المالك في الإتلاف ولو ضمناً، كما لو أذن له بفعل مستوجب لتلف ماله كلاً أو بعضاً نتيجة استهلاكه، فيكون الأمر بالفعل فحوى عقد الإجارة يتضمن الإذن في الإتلاف فيما لو كان متعلق الإجارة سنخ عمل مستلزماً لذلك، ودعوى:أن الإذن مشروط بسلامة العين وعدم تلفها فلا يشمل صورة التلف، فيها: إنها خلاف الفرض وإلا فلا معنى للإذن ولو الضمني، نعم ربما تكون هي داع للإذن.
 وما ذكره المحقق الأصفهاني: من أن نظر الروايات إلى ما لو استأجر ليصلح ما يكون قابلا للإصلاح والإفساد فلا تشمل ما لا يكون قابلا للإصلاح وكان متمحضاً للإفساد، وقد دلت على شمول قاعدة ما لو أتلف مال الغير فهو له ضامن لما إذا كان بغير الاختيار.
 ففيه: إن نظر الروايات إلى ما لو أعطاه الأجرة بغرض الإصلاح سواء كان قابلا للإصلاح واقعا أو لا، ففي صحيح الحلبي المتقدم(كل عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن) وكذلك غيره ، ولا نظر فيها إلى اشتراط أن يكون الثوب قابلا للإصلاح.
 الثاني: ما تقدم في مناقشة دعوى عدم صدق الإتلاف، وذلك أن صب الأجير عمله في محل لا طاقة له على تقبل العمل كما لو كان الثوب مترهلاً إلى الحد الذي تكون صباغته مستوجبة لتفتته فالعمل المستأجر عليه وإن كان موجباً لصدق الإتلاف على فعله، إلا أن المالك لما أمره بذلك فقد كان سبباً في صبِّ الأجير عمله عليه، ومع فرض عدم قابلية المحل لذلك، فيكون التلف مستنداً في ذلك إلى السبب لا المباشر وهو فعل الأجير وإنما أمر المالك بصبِّ منفعة العمل في العين مع التوجه إلى درجة الترهل التي بلغها الثوب- مثلاً- صحيح أنه ليس آلة وأن الفعل الإتلاف- ينتسب إليهما ولو بشكل تراتبي، فالميزان نظر العرف حيث يُلاحظ الأقوى تأثيراً من هذين السببين المتراتبين وهو لا شك بحسب الصدق العرفي يكون أمر المالك الأجير بصب منفعة عمله في العين المترهلة الموجب ذلك لتفتتها.
 وهذا لا ربط له بصورة جهل الأجير ولعله مقصود من نزَّل الأجير منزلة الآلة.
 الثالث: إن موجبات الضمان أربعة: استناد الفعل إلى المباشر وعدم كونه بمنزلة الآلة، وعدم إذن المالك لا مستقلا ولا ضمناً بالإتلاف، وكون المباشر أقوى من السبب وأولى في استناد فعل الإتلاف إليه،وعدم أخذ البراءة منه.
 ويلاحظ عليه: أن جعل الموجب الرابع أعني عدم أخذ البراءة منه في عرض البقية ليس فنيا، وذلك لأن عدم أخذ البراءة منه ليس مقتضياً للضمان وإنما البراءة تشكل مانعا، لذا أخذ عدمها فيه.
 نعم يكفي في ثبوت الضمان صدق واحد منها مستقلاً ، فإن الأجير المأمور من المالك بصبِّ منفعة عمله في ماله يدور أمر المالك بين الإذن الضمني بالإتلاف أو أن أمره وهو السبب أقوى من فعل الأجير المباشر، وبذلك نخلص إلى موافقة مضمون روايات الباب مع مقتضى القاعدة فإن قصارة الثوب بفركه ودلكه المتعارف إصلاح له، نعم فركه ودلكه الشديدان ولو من باب الخطأ إفساد له لما يستلزمه من خرق وتمزيق الثوب، نعم الثوب البالي الذي لا يحتمل الفرك والدلك حتى العاديين أي أنه غير قابل للإصلاح، وإنما متمحض لجهة الفساد لو صبَّ الأجير منفعة عمله فيه فإنه لا يصدق استناد الإتلاف في مثله إلى فعله، وإنما إلى أمر المستأجر المالك له.
 موت الولد بسبب الختان
 نعم يبقى في النفس شئ بالنسبة لموت الولد بسبب الختان بأن كان مضراً بصحته وكانت صحته متدهورة إلى الحد الذي لا يطيق العلاج وقد أجرى الأجير الحاذق ما يتطلب منه بحسب العادة والممارسة والخبرة مع ذلك أدَّى الختان إلى موته كما ولو كان مصاباً بداء السكري-مثلا- فعلى ضوء ما تقدم فالحكم عدم الضمان بتوضيح يأتي والحمد لله رب العالمين