الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ المدار في ضمان القيميات
 كان الكلام فيما ذكر من أن المعيار في الضمان قيمة يوم الأداء بناء على حديث (على اليد) وقلنا بأن الاستدلال به يتوقف على أن يكون المتعين في تفسيره الوجه الثالث والرابع من الوجوه المتقدمة.
  إلا أن ما ذكر لا يرجع إلى محصَّل وذلك:
 أولا:- ما ذكره السيد الأستاذ دام ظله- أن ليس مفاد الحديث شغل الذمة بالعين على تقدير تلفها، لوضوح أن الذمة لا تشتغل بالعين حال وجودها الذي هو القدر المتيقن من الحديث بأن يضمن صاحب اليد العين تارة بالعهدة بمعنى التكليف بوجوب أدائها وأخرى بالذمة، بل لا ضمان للعين على فرض وجودها إلا في العهدة بما يعني من حرمة الإمساك بها ووجوب إرجاعها إلى مالكها، نعم ربما كان ذلك موضوعا لشغل الذمة وضمانها ببدلها على تقدير تلفها.
 وفيه:إن عدم ضمان الذمة لوجود المانع وهو انتفاء الغرض بعد كونها مضمونة بالعهدة وليس لاستحالته وعدم إمكانه كما هو واضح.
 وثانيا: ما ذكره السيد الشهيد (قده) في بحث الكفالة من أن للضمان معنيين:
 الأول: الضمان بمعنى شغل العهدة وموضوعه الأعيان الخارجية حيث يكلف بوجوب إرجاعها بذاتها وأدائها لصاحبها، حتى تفرغ عهدته ومسؤوليته منها.
 الثاني: الضمان بمعنى شغل الذمة ، والذمة وعاء اعتباري للمال على حد الواقع الخارجي.
  غايته أن الأول للأموال الكلية والثاني وعاء للأموال الخارجية، وملاك الضمان بالمعنى الأول غيره بالمعنى الثاني، فإن ملاك الأول تحميل مسؤولية المال- وهو العين لفرض وجودها- للضامن بمعنى وجوب إرجاعها على تقدير بقائها وتحمل بدلها على تقدير تلفها، وأما ملاك الثاني فهو يرجع لإمكان التعامل مع الأموال الذمية والتي وعاؤها الاعتبار برغم عدم تحققها في الخارج.
 وهذان المعنيان للضمان كما يذكر السيد الشهيد النسبة بينهما العموم الوجهي، فقد يجتمعان في مورد ما، وقد يمتاز كل منهما في مورد عن الآخر ، فمثلاً العين المغصوبة قبل التلف مضمونة بالمعنى الأول-أعني ضمان العهدة بمعنى وجوب إرجاعها- دون الثاني، وأما الدين الذي لزيد في ذمة عمرو حيث لا يطالب به زيد فإنه مضمون بالمعنى الثاني أي أن ذمة المديون تشتغل به دون الأول لعدم وجوب إرجاع شئ إلى زيد، والحال أنه لا يُطالب به ، ومنه يتضح صورة اجتماعهما كالدين الذي يُطالب به صاحبه فإن ضمان الذمة ثابت بمعنى شغلها، وأن مال الديان لم يذهب عليه هدراً برغم انعدامه وعدم وجوده في الخارج، وإنما موجود في وعاء الاعتبار أي ذمة الضامن ،كما أن ضمان العهدة كذلك بمعنى وجوب إرجاع الدين وأدائه لصاحبه، حيث يُطالب به، ومنه يُعلم أن ضمان الذمة لا يكون في الأعيان الخارجية، وإنما في خصوص الأموال الكلية الذمية لأن اعتباره كان مع عدم وجود الأعيان في الخارج، فالمال الذمي هو المال المجرد عن الوجود الخارجي، وبهذا اللحاظ كان كلياً.
 وعليه فلا معنى لفرض ضمان العين بعد التلف في الذمة بمعنى أن تشتغل الذمة به، لكونه خلف أن المال الذمي مال كلي ولا يكون شخصيا، وليس ذلك من جهة استحالة اعتبار العين التالفة باقية في الذمة حتى يُجاب بأن الاعتبار سهل المؤونة، وإنما النكتة ما ذكرنا، نعم هنالك ضمان عهدة للعين بمعنى وجوب أداء بدلها القيمي بعد تلفها واشتغال الذمة ببدلها، إلا أن هذا غير اشتغال الذمة بالعين، وبالتالي لا ربط له بتعيين القيمة بيوم الأداء، وعليه فليس ضمان العين بمعنى شغل الذمة بنفس العين واعتبارها مملوكة في ذمة الضامن وإلا بحيث كان يملك المضمون له في ذمة الضامن نفس العين فلو بذل له- حيث لا يمكن بذل العين لتلفها وإلا لما كان معنى لانتقالها إلى الذمة البدل المثلي أو القيمي سوف يكون نحو مبادلة واقعية لا جعلية اختيارية بين ما يملكه المضمون له في ذمة الضامن وبين ما يدفعه الضامن من البدل المثلي أو القيمي لأن شيئاً مما يدفعه ليس نفس العين التي يملكها المضمون له في ذمة الضامن وهو كما ترى إذ ليس مفهوم الضمان ذلك.
 والحمد لله رب العالمين