الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ ما يتحقق به التسليم
 الكلام في الصورة الثالثة وهي فيما لو كان الأجير يصب منفعة عمله في مال المستأجر كخياطة الثوب وقلنا انه فيها قولان وكنا بصدد بيان الأدلة على ما ذهب إليه السيد الخوئي وجماعة من عدم كفاية انجاز العمل في تحقق التسليم، وانه لا بد من التسليم الخارجي للعين، وذكرنا الدليل الأول من انه لا بد من تسليم العين لأن الوصف العرضي لا يمكن تسليمه إلا من خلال تسليم العين
 ويشكل عليه: أن هذا الوصف العرضي ليس له ملكية مستقلة منحازة عن ملكية العين، وإنما هي ملكية واحدة للعين بما لها من هذا الوصف العرضي، وبالتالي لا مالية لها كذلك - مستقلة عن مالية العين- وإنما المالية هي للعين سواء وجد هذا الوصف العرضي أو لا، نعم ثبوت هذا الوصف يكون بمثابة العلة لإزدياد قيمة العين من دون أن يقسط بعض المال بإزائها أي أنها تلحظ بنحو الحيثية التعليلية لا التقييدية في المالية.
  وقد استدل السيد الخوئي [1] : على انه لا ملكية ولا مالية مستقلة للمنفعة في قبال العين بنقض حاصله: ما لو اكره صاحب لوحة الرسام على رسم صورة ما على اللوحة فان لازم القول بمملوكية الصفة واشتراك المكرَه والمكرِه في العين بما لها من الصفة لبقاء الصفة على ملك العامل المكرَه، وعدم خروجها من ملكه إلى ملك صاحب العين بناقل شرعي، حيث تكون الصفة على ملك المكرَه واللوحة على ملك المكرِه ويحكم بشراكتهما في العين، وهذا ما لا يلتزم به قطعا، بل العين على ملك صاحبها، وإنما للعامل المكرَه أجرة مثل عمله ليس إلا، وعليه فما ملكه الأجير بموجب الإجارة خصوص عمله ليس إلا، وبدوره لا يملك المستأجر عليه إلا ذلك، وأما الأثر الصفة فلم تتعلق بها ملكية الأجير لا استقلالا ولا تبعا، وقد وافقه السيد الأستاذ على ذلك.
  الدليل الثاني: إن متعلق الإجارة لما كان هو المنفعة، والمملك بها ذلك، وما المالية الزائدة في العين إلا نتيجة صب منفعة العمل في العين، فلا بد حتى يستحق المطالبة بالأجرة من تسليم ما ملكه بالإجارة للمستأجر، ولو من خلال تسليم العين الموجودة فيها تلك المنفعة، وأما مجرد انجاز العمل ما لم يتم تسليم المنفعة من خلال تسليم العين لا يكون له حق المطالبة بالأجرة .
 ويشكل عليه: إن المنفعة لما كانت تابعة للعين باعتبارها منفعة العين فان ماليتها وملكيتها تابعة للعين في المالية والملكية أي ليس للمنفعة مالية مستقلة ولا ملكية كذلك منحازة عن ملكية العين، بحيث لو أتلفه على مالكه يكون قد اتلف مالين.
 إلا أنه يلاحظ على هذا الجواب عطفا على الجواب السابق عدم تماميتهما، وذلك لورود النقض بالنسبة لمنفعة العين فكما أنها لا تكون مملوكة بملكية مستقلة عن العين ولا أنها ذات مالية منحازة عن مالية العين، مع ذلك لما كانت هي المملكة بإجارة الأعيان لا العين القائمة فيها المنفعة كما هو واضح، ومع ذلك لم يستحق المطالبة بالأجرة ما لم يسلم المنفعة من خلال تسليم العين فما يقال هنا يجاب هناك،إلا أن لهذا علاجا سوف يأتي إن شاء الله.
 الدليل الثالث: ما ذكره السيد الخوئي [2] من أن استحقاق المطالبة بالأجرة لا يكون بمجرد انجاز العمل، بل لا بد من تسليم العين التي صب منفعة العمل فيها إلى المستأجر اعتمادا على الشرط ألارتكازي، وكأنه يوجد تبانٍ فيما بين الأجير والمستأجر بأنه لا حق له بالمطالبة باجرة المثل ما لم يسلم نتيجة العمل للمستأجر وما لم يتلمس المستأجر اثر العمل، سواء أنجز العمل وأتمه في العين أو لا !
 والحاصل: انه إنما لا يجب على احدهما التسليم ما لم يسلم الآخر، لمكان الشرط الضمني ألارتكازي الثابت ببناء العقلاء في كافة المعاوضات بما في ذلك الإجارة، فليس للخياط المطالبة بالأجرة بمجرد الفراغ عن العمل فان المطالبة على غير وجه حق.
 نعم له الحق في المطالبة بعد تسليم العين بما لها من المنفعة ولذا يجوز لكل منهما حبس ما لديه إلى أن يسلم الآخر ما له عنده، وذلك بمناط الشرط ألارتكازي، وانه ليس لأي من المتعاقدين حق المطالبة بما له عند الطرف الآخر قبل تسليم ما للآخر عنده، وبهذا الشرط ألارتكازي رفع المنافاة ما بين كون الأجرة بإزاء العمل لا الصفة القائمة بالعين وبين أن حق المطالبة لا يكون بمجرد صب عمله في عين المستأجر، بل لا بد من تسليم العين بما لها من الصفة الجديدة تعويلا على الشرط الضمني ألارتكازي، وعليه تكون الأجرة بإزاء نفس عمل الخياطة لا صفة المخيطية، ولا تجوز له المطالبة بالأجرة قبل تسليم نتيجة عمله للمستأجر، وهذا ما أفاده المحقق الأصفهاني في إجارته.
 وفيه: إن تسليم العمل- المعوض إذا ما كان متحققا وفقا لمقتضى المعاملة وعملا بعموم لزوم الوفاء بالعقد فلا معنى لافتراض ذلك من خلال شرط ارتكازي خارج عن مضمون المعاملة، هذا ما أفاده السيد الأستاذ غير جازم بذلك.
 إلا انه يرد عليه: أن الشرط ألارتكازي حسب تقريرات السيد الخوئي ليس لتسليم المعوض، وإنما لإثبات أن لكل من المتعاقدين حق الامتناع عن تسليم ما للغير عنده حتى يسلم ذلك الغير ما له عنده، وبالتالي لا منافاة ما بين ذلك وبين كون الأجرة بإزاء عمل الخياطة لا صفة المخيطية القائمة بالعين، لابتناء ذلك على الشرط ألارتكازي.
 أما الدليل الرابع فسوف يأتي والحمد لله رب العالمين


[1] كتاب الإجارة للسيد الخوئي ج 1 ص 201
[2] كتاب الإجارة للسيد الخوئي ج 1 ص 203