الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ ما يتحقق به التسليم
 قلنا بان الكلام تارة في باب الأعيان وأخرى في باب الأعمال وقد تقدم الكلام في الأول،
  وأما الثاني اعني الأعمال فقد شقق الماتن الصور إلى ثلاثة :
 الصورة الأولى: ما يكون من قبيل الحج والزيارة والصوم والصلاة.
 الصورة الثانية: ما يكون من قبيل صب منفعة عمله في مال الغير غير المنقول أو فقل الذي يكون تحت سلطان المستأجر تكوينا، وإنما كان تحت سلطان الأجير بنحو المأذونية المالكية.
 الصورة الثالثة:ما يكون فيه صب منفعة العمل في مال الغير المنقول- والذي هو تحت سلطان الأجير تكوينا.
 أما الصورة الأولى: ذكر الماتن أن استحقاق الأجير الأجرة المسماة إنما يكون بإتمام العمل وانجازه بحيث قبل ذلك لم تستقر الأجرة في ذمة المستأجر رغم أن الأجير ملكها بمجرد العقد، فليس له المطالبة بالأجرة المسماة إلا بعد انجاز العمل ولا يشترط شئ أزيد من ذلك، ما لم يكن من شرط أو عادة تقتضي تقديم الأجرة على العمل كما هو المتعارف في يومنا هذا، ومن دون ذلك لا يكون له حق المطالبة بالأجرة المسماة كما لو كان معسرا وتوقف انجاز العمل على أن يكون بيده مال، فانه ليس له حق المطالبة بالأجرة بل عليه أن يهيأ المال من جهة أخرى ولو بالاقتراض، حتى إذا ما أنجز العمل المستأجر عليه كان له حق المطالبة بها.
 والأستاذ دام ظله ذكر [1] : أن ما أفاده الماتن إنما يتم في مثل الصلاة والحج وضابطة ذلك: كل عمل لا تقسط الأجرة على ابعاضها بحيث لو ترك العمل في الأثناء لم يستحق شيئا، وأما إذا كان المستأجر عليه سنخ عمل تقسط الأجرة على ابعاضه كمن استخدم شخصا للحراسة مدة طويلة حيث لا إشكال في استحقاق الأجرة لأي مقدار يحرسه لفرض تسليم ما يقابل الأجرة فلا يجب عليه الانتظار إلى انتهاء المدة.
 وفيه: إن ضم مثل الصلاة إلى الحج غير تام فلو استأجر لصلاة شهر فصلى نصفه حيث لا شك في انه يستحق أجرة نصف الشهر رغم انه لم يتم العمل، وذلك لأن الضابطة التي أشار إليها الأستاذ تحتاج إلى تتمة.
 وحاصل ذلك: إن استحقاق الأجرة على بعض العمل نتيجة ترتب الأثر على ذلك البعض، فان من اشتغلت ذمته بشهر صلاة لو أتى النائب بنصف المدة سقط ذلك المقدار عن ذمة المنوب وبالتالي لا تبقى ذمته مشغولة إلا بالنصف الآخر، وهذا بخلاف الحج فانه لو أتى ببعض أعماله كعمرة التمتع وانصرف فانه لا يحقق بهذا المأتي لا تمام الأثر ولا بعضه، وبالتالي يكون إتيانه بهذا البعض كلا إتيان فلذا لا تبعض الأجرة عليه لعدم استقرار هذا البعض في ذمة المستأجر، وبالتالي لا يكون له حق المطالبة بشئ.
 ويمكن إبراز ضابطة الفرق: بان العمل المستأجر تارة يكون بنحو الكل والمركب المشتمل على ابعاض كالحج حيث انه عمل وحداني مركب من ابعاض لا يترتب عليه الأثر إلا على المجموع المركب وأما البعض فلا يترتب عليه لا تمام الأثر ولا بعضه لذا لا يستحق المطالبة ولو ببعض الأجرة، وأخرى يكون بنحو الكلي المنطبق على مصاديقه، حيث إن الأثر يترتب على البعض على حد ترتبه على الجميع كالصلاة، وهكذا ما أشار له السيد الأستاذ من مثال فهنا يثبت للأجير حق المطالبة ببعض الأجرة، لكن كل ذلك ما لم يكن هنالك شرط أو انصراف وعادة لدى العرف من انه لا يعطى شئ من الأجرة قبل الفراغ عن العمل المستأجر عليه بتمامه، فيكون هو المتبع.
 وأما الصورة الثانية:كما في مثل حفر البئر في أرضه ونحو ذلك، فحالها حال الصورة الأولى حيث يكون له حق المطالبة بالأجرة المسماة، وبالتالي استقرارها في ذمة المستأجر بمجرد انجاز العمل ولا يتوقف على شئ آخر أزيد من ذلك ، ولا يكون انجاز العمل تسليما له لا وجدانا ولا ادعاءا، وإنما بعد ترتب الأثر المطلوب من خلال صب منفعة العمل في ملك المستأجر سوف يستحق الأجرة المسماة، ويكون له حق المطالبة ولا يكون للمستأجر المماطلة، بل تجب عليه المبادرة إلى ذلك بعد فرض أن العين تحت سلطان المستأجر تكوينا.
 فما ذكره بعض شراح المتن: من أن إتمام العمل هو المتعارف في تسليمه، ويصدق بذلك التسليم لغة وعرفا وكذا عقلا، لأن التسليم لا يكون إلا بالإيجاد، والإيجاد لا يكون إلا بالإتمام، وعبارة المتن تحتمله حيث أفاد أن إتمام العمل تسليم.
 فيه: أنه لا يرجع لمحصل لعدم صدق التسليم على إتمام العمل وانجازه لا حقيقة ولا ادعاءا.
 نعم إذا كانت العين تحت سلطان المستأجر تكوينا فان مجرد انجاز العمل مع فرض أن العين تحت يده يكفي في استحقاق المطالبة بالأجرة ولا يشترط أزيد من ذلك لفرض أن العين تحت يده لا يد الأجير.
 ففرق: بين كون العين بيد المستأجر حيث يحصل التسليم بمجرد انجاز العمل وبين كون انجاز العمل تسليما، ولا ينبغي خلط احدهما بالآخر.
 وأما الصورة الثالثة: فيما لو صب الأجير منفعة عمله في مال المستأجر الموجود بيد الأجير كخياطة الثوب الذي هو بيد الأجير، فهل يشترط في استحقاق المطالبة بالأجرة علاوة على انجاز العمل تسليم العين التي صُبَّ فيها منفعة العمل أو انه يكفي مجرد انجاز العمل ولا يشترط علاوة على ذلك تسلميه بما فيه من صفة المخيطية؟
 ففي هذه الصورة يوجد قولان:
 الأول:ما ذهب إليه الماتن وافقا لصاحب الجواهر تبعا للمحقق في الشرائع ووافقه على ذلك اغلب المعلقين على المتن من انه يكفي مجرد انجاز العمل.
  الثاني: ما ذهب إليه العلامة وتابعة على ذلك السيد الخوئي، ووافقهما السيد الأستاذ وبعض المعلقين على المتن كما سوف يظهر من انه لا بد من التسليم تلك العين على الهيئة الجديدة للمستأجر .
 ثم انه يستدل للقول الثاني بما يلي:
 الدليل الأول: إن متعلق الإجارة لما كان عبارة عن الوصف العرضي القائم بالعين فلا بد حتى يستحق الأجير المطالبة بالأجرة من تسليم هذا الوصف العرضي القائم بالعين للمستأجر، وذلك من خلال تسليمه العين فلو لم يسلمه العين وبالتالي لم يسلمه الوصف العرضي القائم بها سوف لا يكون له حق المطالبة بالأجرة، ومجرد صب منفعة العمل بالعين لا يكون تسليما للمنفعة للمستأجر، رغم كون العين ملكا له بعد فرض أن العين تحت يد الأجير، وهذا بخلاف الصورة الثانية حيث إن العين كانت تحت سلطان المستأجر وقد صب الأجير منفعته في العين حال كونها تحت سلطانه.
 وسوف يأتي ما في هذا الدليل والحمد لله رب العالمين


[1] الإجارة للسيد محمود الهاشمي ج 1 ص 323