الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ التلف السماوي للعين المستأجرة
 قلنا في المسألة صور وقد تقدمت الصورة الأولى
 أما الصورة الثانية: وهي صورة الإتلاف الاختياري بفعل المستأجر، فقد ذكر الماتن أن إتلافه هو بمنزلة قبض العين المستأجرة وقد عرفت مخالفة بعض الفقهاء منهم الشيخ عبد الكريم الحائري حيث الحقوا الإتلاف بالتلف في كونه موجبا للبطلان، ومن هنا كانوا في راحة من إبراز الفرق ما بين التلف والإتلاف بينما يطالب الماتن وكثير ممن سلك مبنى الماتن بإبراز الفرق ما بين صورتي التلف والإتلاف حيث حكموا بالضمان فيما لو كان المتلف غير المستأجر.
 وقد أشكل عليهم: انه لا وجود للمنفعة في ظرفها وان انتفاءها من باب عدم الموضوع لمكان انتفائه، فلا بد من الحكم بالبطلان كما هو مسلك الشيخ الحائري، نعم يصدق إتلاف المنفعة الموجب لضمانها بقاعدة الإتلاف في فرض بقاء العين كصورة غصب الظالم العين الموجب لفوات منفعتها على مالكها، وهذا يستبطن نحو تهافت في لحاظهم المنفعة في صورة التلف وفي صورة الإتلاف،
 حيث لاحظوا المنفعة في فرض التلف من باب عدم الموضوع أي انه لا وجود لها، فلذا حكموا بالبطلان بخلافه في صورة الإتلاف حيث لاحظوها من باب وجود العين وإنما التلف توجه للمنفعة بالخصوص، فلذا يضمن المنفعة المتلفة على المستأجر من جهة ويحكم بصحة الإجارة من جهة ثانية لمكان وجود المنفعة بوجود موضوعها.
 إلا أن الماتن وجماعة حكموا بالصحة في صورة الإتلاف وهنا لا بد من إبراز الفرق بين الصورتين، وقد ذكروا للفرق وجوها:
 الأول:قد تحكّم نظرة العرف للفرق ما بين الصورتين فبما أن التلف خارج عن الاختيار ومحض أمر قهري، فانه يكشف عن عدم وجود المنفعة المستقبلية، بخلاف صورة الإتلاف فحيث انه باختيار المكلف بحيث لو لم تتلف العين كانت المنافع المستقبلية فعلية في الخارج فيكون إتلافا وتفويتا للمنفعة، فلذا يحكم بالضمان وصحة الإجارة لمكان الوجود الولائي للمنفعة المستقبلية أي لولا الإتلاف لكانت المنفعة موجودة، وبالتالي صحة تمليكها بموجب عقد الإجارة.
 وفيه: انه لا فرق ما بين التلف والإتلاف لانتفاء متعلق الإجارة على التقديرين وبالتالي بطلان الإجارة لعدم المنفعة المستقبلية.
 الثاني: ما أفاده السيد الأستاذ [1] وحاصله: أن من شرائط صحة الإجارة القدرة على التسليم حين العقد، وهو شرط بوجوده الواقعي، بحيث مع عدم القدرة يكشف عن البطلان من رأس، وتسليم المنفعة لما كانت تدريجية يكون بتسليم العين في كل آن آن، وبضميمة أن ملكية المستأجر للمنافع المستقبلية يكون بالعقد لكونها مقدرة الوجود وان تلفها يكشف عن قدرة المؤجر على تسليم المنفعة التالفة للمستأجر بتسليمه العين، فيحكم بالبطلان من جهة فقدان شرط القدرة على التسليم لا عدم المعوض، وهذا بخلاف موارد إتلاف المؤجر العين المستأجرة ،فحيث انه كان باختياره فهو من التعجيز بعد القدرة عليه حين العقد فلا يوجب البطلان بل غايته الضمان وحق الفسخ للمستأجر،وهذا الكلام منه تام ولكن في صورة كون الإتلاف من قبل المؤجر، وأما إتلاف المستأجر أو الأجنبي فلا ربط له بالتسليم من قبل المؤجر، فلا موجب للانفساخ فيهما، لأن ما هو الشرط في التسليم إنما هو من ناحية المؤجر لا أكثر، لذا يضمن للمستأجر أجرة مثل المنفعة الفائتة عليه بالتلف.
 ثم إن الشيخ الحائري والإمام الخميني [2] ذهبوا إلى بطلان الإجارة في جميع صور التلف والإتلاف، قال الإمام الخميني:(الأقرب بطلان الإجارة في جميع صور التلف والإتلاف وضمان المتلف للمالك ورجوع المستأجر إلى المؤجر في مال الإجارة حتى مع إتلافه العين من غير فرق بين العين المستأجرة ومحل العمل) . وذلك لما عرفت من انه بحسب النظر العقلي لا فرق بينهما من حيث انتفاء موضوع المنفعة لا من باب ارتفاعها بعد وجودها، فلو كان مبنى البطلان في التلف ذلك فهذا مشترك بين التلف والإتلاف فلا بد من المصير إلى ذلك في الصورتين، وهذا له وجه قوي إلا انه قد ظهر لك الفرق ما بينهما وان وجوه البطلان تختص بصورة التلف دون الإتلاف،على ما سوف يأتي، ثم انه في المسألة تفصيل يأتي والحمد لله رب العالمين


[1] كتاب الإجارة للسيد محمود الهاشمي ج 1 ص 310
[2] تعليقتهم على العروة ج5 ص